على الضفة الشرقية لطريق الملك عبد العزيز في العاصمة الحبيبة الرياض ، يقع مبنى من عدة أدوار ، ذو واجهة زجاجية صقيلة ، جعلت منه تحفة معمارية جميلة المنظر ، بهية الطالع ، تليق بالمهمة العظيمة التي من أجلها أوجد ، وهو المقر الرئيس لإدارة مركزالملك عبد الله لتطوير مرفق القضاء ، الذي أمر خادم الحرمين الشريفين بتشكيله ، شعوراً منه - حفظ الله - أن مرفق القضاء ، على أهميته ، مازال في مؤخرة ركب التطور الذي عم جميع ميادين الحياة ، مقارنة بالقطاعات الخدمية الأخرى ، ويحتاج إلى جهد كبير من جانب المركز ، آنف الذكر ، لانتشال القضاء من واقعه المتخلف إلى أدنى درجات المعاصرة ، واللحاق بقطار التقنية واستخدام المعين الآلي .
وحسب ظني ، أن هذا التطوير يراد منه تحسين الأداء الإداري وسرعة البت في القضايا ، وجعل الفكرة السائدة عن مراجعة المحاكم أنها من وسائل إضاعة الوقت بلا طائل ، شيئا من الماضي .
ولكن رغم ما بذل من جهود في سبيل ذلك ، إلا أن النتائج المتوخاة أقل من المأمول ودون المستوى المطلوب .فإلى القصة التالية التي رواها لي من لم أجرب عليه كذباً ، قال :
اتصل عليّ موظف بمكتب عضو قضائي يحمل رقماً معينا بإحدى المحاكم والتي تنعت وتوصف بالكبرى ، مفيداً بأن عليّ مراجعته لاستلام صك ختم دعواي بانتهائها لصالحي بعد صولات وجولات استغرقت مني وقتا ليس بالقليل ، ولما مثلت بين يديه التفت إلي التفاتة تقل قيمة درجاتها عن قيمة الزاوية القائمة بكثير ، قائلاً بصوت خفيض غير مكترث ، ومحدقاً بهاتفه النقال الذكي : القاضي في إجازة مقدارها شهرين متتابعين وقد أغلق على صكك بأدراجه ، فما عليك إلا وضع يدك على خدك منتظراً الفرج . فلم اقتنع بكلامه ، فواصلت إلحاحي عليه وعلى رؤسائه بالبحث عن مخرج لهذا الأمر ، فلم يجد ذلك الموظف المستهتر بداً من مد يده متثاقلاً إلى درج غير بعيد عن متناول يده فأخرج الصك مع اعتذار باهت عما جرى .
مما سبق يتضح أهمية مراعاة مايلي - على سبيل المثال - عند تطوير القضاء :
١- الارتقاء بقدرات الفرد قبل تطوير الأنظمة ، وأن يوضع بالحسبان أن من تطوير مرفق القضاء إبعاد من لا خير فيه .
٢- ضرورة تحديث وإعادة صياغة ما يسمى هيئة النظر بما يتناسب وعصرنا ، فأغلب أعضائها أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون .
٣- في حالة إجازة القاضي تحال القضية إلى غيره لإنهائها حفاظاً على أوقات عباد الله من الهدر .
٤- تنبيه بعض القضاة إلى أن بداية العمل اليومي عند الساعة السابعة والنصف بدلاً من التاسعة أو العاشرة .
٥- لفت نظر بعض القضاة أن المثول أمام القاضي إنما هو لطلب الحق لا ممارسة التسول ، و أن استعلاء الأول على الأخير إنما خلق ذميم يمارسه الأرذلون .
ومرفق القضاء - كما هو معروف لدى الجميع - مما يتصل بسبب متين بمصالح العباد والبلاد والمحافظ على أوقاتهم وأعصابهم ، حتى أصبح مرجعا للضرورات الخمس .
والله الموفق .