بعدما تتغلغل المخدرات في شرايين المدمن ويكتشف المحيطون به إدمانه، تتصارع بداخلهم مشاعر الألم والأمل .. يحاولون علاجه فيصطدمون برفضه لهذه المحاولات.. ويستميتون في المحاولة لكنه ينكر أنه في حاجة أصلا للعلاج، وقد يتجنبونه ويتركونه في العالم المخيف الذي اختاره لنفسه، ورضي فيه بأن يترك جسده فريسة لوحش يلتهمه مقابل لحظات من النشوة والسعادة يظن أنه أمسك بها .. وقد يصل الأمر ببعض العائلات الى طرد أبنائهم من المنزل بعد اكتشاف أمر انزلاقهم الى هذا الطريق ،إما يأسا من إصلاحهم .. وإما خوفا من الفضيحة والمشاكل التي قد يسببوها لهم
اهم ما قالو الاساتذة المخصين
عن الأسلوب الأمثل للتعامل مع المدمن كما يراه المتخصصون يقول أحمد عبد المنعم الأخصائي النفسي بجمعية سما للإدمان: سلوك المدمن يتسم دائما بالعزلة والانطوائية والعصبية الزائدة، وعند اكتشاف الأسرة لوجود مدمن بين أفرادها يجب أن تتم المواجهة بكل هدوء وحذر، حتى يستجيب للعلاج ولايرفضه، المدمن ليس مجرما لكنه ضحية في حاجة للمساعدة
لأنه في قرارة نفسه تكون لديه قناعة بأنه ليس مريضا وبالتالي لا يحتاج للعلاج، وعلى الأسرة ألا تعمد لأسلوب النصح والإرشاد لأنه يكون في حالة من العصبية لا تسمح له بتقبل أية نصيحة، ولا يجب التعامل معه على أنه مجرم ارتكب جريمة لا تغتفر، ولكن التعامل معه يكون على أساس أنه ضحية ومريض في حاجة ماسة للمساعدة، خاصة في المراحل الأولى للعلاج التي يحدث فيها انسحاب المخدر من الجسم (الديتوكس )، وهي فترة لاتتجاوز خمسة أيام تبدأ بعدها مرحلة إعادة التأهيل، لذا فلا يجب أن نشعر المدمن بأنه مذنب يجب معاقبته حتى يجتاز مراحل العلاج باقتناع .
ويحذر الأخصائي بشدة من تجنب المدمن واعتزاله خاصة المقربين منه كالخطيبة مثلا، لأن ذلك يؤثر عليه سلبا ووجودها بجانبه يساعده على العلاج والتعافي.
مهارة الاحتواء
ويقول د. حمدي ياسين استاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة عين شمس ومدير مركز الإمكانات البشرية : التعامل النفسي الجيد مع المدمن مهارة قد لا يجيدها إلا المتخصصون، ولكن على المحيطين بالمدمن أن يعاملوه بهدوء ويبعدوه عن أي إحباط ثم يبدأوا في إقناعه بالذهاب لمصحة للعلاج من الإدمان علماء النفس: التعامل الجيد مع المدمن مهارة لا يجيدها إلا المتخصصون
لأن حالته خطرة والأسرة لاتستطيع بنفسها معالجته، وأن المصحة ستكون هي الأفضل ، محذرا من ممارسة العنف مع المدمن حيث أن المدمن ربما يبدي مقاومة ومعارضة شديدة لقرار الذهاب للمصحة ولكن على ذويه أن يتكاتفوا معه ويشجعوه على العلاج.
ويؤكد د. ياسين أن دور الاهل لا ينتهي عند هذه المرحلة لكنها تكون البدايه بعدها يكون دورهم مكملا لدور المصحة، بأن يداوموا على زيارته بصورة منتظمه ويشجعونه على الاستمرار في العلاج ويظهرون له مودتهم واهتمامهم حتى لا يشعر أنه فقدهم فيصاب باليأس والإحباط .
ويشير إلى أن مرحلة التأهيل النفسي هي بمثابة إعادة بناء وتقويم شخصية المدمن، وهي الحبر الذي سيرسم له حياته المستقرة واطمئنانه للعالم الطبيعي الذي انفصل عنه منذ أن أدمن المخدرات .. لذلك يجب أن توطد الأسرة علاقتها بابنها في هذه المرحلة ليساهموا في بناء شخصيته على أساس سليم، وأن يكونوا على اتصال دائم بالطبيب المعالج ليسترشدوا بآرائه في هذه المرحلة الهامة من العلاج.
وهنا يبدأ دور المتخصص النفسي بالمصحة، والذي يبدأ بدراسة شخصية المدمن ومعرفة نواحي القوة والضعف فيها، ودراسة سماتها وخصائصها دراسة مستفيضة، ومعرفة الاحتياجات النفسية له ومشاكله وأمراضه النفسية التي يعاني منها، ويحاول القضاء على الصراع الذي يعانيه المدمن ومعرفة مدى التوافق النفسي له .
ترهيب وترغيب
ويعبر د.أحمد حمد استاذ الشريعة بجامعة قطر عن رأي الدين في التعامل الصحيح مع مدمن المخدرات قائلا: بعض الناس يخطئ في اعتقاده أن المدمن عضو فاسد ينبغي استئصاله من جسد المجتمع، مسقطين بذلك كل مبادئ النصح والاستصلاح والعلاج ودورها في إعادة الحياة إلى ذلك القلب المريض. فلابد من الايمان بوجود نسبة وإن كانت بسيطة في عودة المدمن إلى جادة الصواب.
رجال الدين: انقطاع العلاقة بين المدمن والمجتمع تغريب معنوي يحرمه من الاصلاح
روى البخاري وأبو داود رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسكران فأمر بضربه ،فمنا من يضربه بيديه ،ومنا من يضربه بنعله ،ومنا من يضربه بثوبه ،فلما انصرف قال رجل :أخزاه الله . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم )) . زاد أبو داود : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ((بكّـتوه )) . فأقبلوا عليه يقولون : ما اتقيت الله ، ما خشيت الله، وما استحييت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم أرسَلوه . وفي لفظ أنه قال : (( ولكن قولوا اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ))
وهذا الأسلوب النبوي هو الأسلوب الأمثل في التعامل مع هذه الفئة من المجتمع . حزم في الإنكار وإيقاع العقوبة، ورفق في الإصلاح والترغيب بالتوبة . أما السباب واللجاج والعنف والرعونة فإنها لا تأتي بخير، لأن الانتصاح والقبول لا يدركان بسوء الخلق كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
ومثل هذه النداءات القلبية قد تحدث انقلاباَ جذرياَ في حياة المدمن فيتيقظ ضميره ويستقيم سلوكه. وقد روى النسائي رحمه الله عن سعيد بن المسيب أن عمربن الخطاب رضي الله عنه غرب ربيعة بن أمية في الخمر إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر. فقال عمر: لا أغرب بعده مسلماَ .
وهذا التغريب ليس داخلاَ في الحد إنما هو من باب التعزير المتروك لولي الأمر تأديباَ وزجراَ لأهل المنكرات. فلنتأمل كيف كان أثر هذا التغريب في ربيعة لما نأى عن البيئة الصالحة، ووجد الشيطان الفرصة سانحة فزين له الباطل ووسوس إليه أن الطرق قد سدت في وجهه، فصدّق عليه ظنه فصده عن سبيل الله ( ومن يضلل الله فما له من هاد ) . وإذا كنا نتحدث عن انقطاع العلاقة بين المدمن ومجتمعه الذي يعيش في كنفه فإن هذا التغريب المعنوي إن صح التعبير لا يقل خطورة وآثاراَ عن التغريب الحسي الوارد في هذا الأثر، والمتمثل في بعد المدمن حسياَ عن منابع الإصلاح والتوجيه في المجتمع .
المواضيع المتشابهه 
طريقة التعامل مع ... مدمن المخدرات .. واساليب النصح بالعلاج .. 
العرض الشجري
