تبدأ حكومة "الاستقرار" المكلّفة من البرلمان بقيادة فتحي باشاغا، اليوم الأربعاء، مهامها رسميا من مدينة سرت الواقعة وسط البلاد، بعد فشل محاولاتها في الدخول للعاصمة طرابلس وتسلم السلطة من حكومة عبد الحميد الدبيبة، معلنة عودة ليبيا رسميا إلى مربع الانقسام السياسي والجغرافي، رغم المحاولات الأممية والدولية العديدة لتفادي هذا السيناريو.
وأمس الثلاثاء، قال باشاغا، إن حكومته ستشرع في العمل انطلاقا من سرت كعاصمة بديلة بدلا من العاصمة طرابلس، وذلك بعدما فجرّت محاولة دخوله إلى العاصمة، قتالا بين الميليشيات المسلّحة الموالية له والأخرى الداعمة لعبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض التنازل عن السلطة قبل إجراء انتخابات في بلاده، مما أجبره على الخروج منها.
انقسام جديد
بذلك، تجد ليبيا نفسها مرة أخرى أمام انقسام إداري جديد بين عاصمتين وتقسيم للأراضي، وفي ظل حكومتين متنافستين تدعيّان كل منهما أنها الحكومة الشرعية، كما كانت بين عامي 2014 و2021، وسط غموض بشأن المسار الذي تسلكه.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي جمال شلوف، إن اختيار باشاغا لمدينة سرت لاحتضان حكومته هو "قرار مقبول"، باعتبار جاهزيتها الأمنية وكذلك من ناحية البنية التحتية الإدارية رغم تضررها خلال الحرب على يد تنظيم داعش، خاصة أن هذه المدينة كان من المقرّر أن تكون مقرا للمجلس الرئاسي ولحكومة الوحدة الوطنية، لكن حجج عدم صيانة المقرّات كانت سببا في بقاء السلطة التنفيذية في العاصمة طرابلس.
موقف محافظ المصرف المركزي
كما أشار في تصريح لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت" إلى أن موقف محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير سيكون حاسما خلال الأيام القادمة لتحديد مستقبل العملية السياسية في ليبيا وفي تعزيز الانقسام، وسيتضح من خلاله ما إذا كان المصرف المركزي سيكون موحدا في تسييل ميزانية حكومة باشاغا والتعامل معها، أو سيبقي العمل في دائرة حكومة الوحدة الوطنية، وبالتالي يعاود الانقسام مجددا.
فيما رأى أن الحل السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي الوحيد والجذري لكل الأزمات والانقسامات الليبية الحالية، يكمن في حلّ كافة التشكيلات والمجموعات المسلحة أيّا كانت تسميتها وتبعيتها، وإبقاء مؤسستي الجيش والشرطة فقط.
سرت غير مؤهلة
من جهته، قال الباحث السياسي فرج فركاش لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت" إن باشاغا اضطر لنقل عمل حكومته إلى مدينة سرت بحكم عدم تحصله على اعتراف خارجي وداخلي يمكنه من العمل من العاصمة طرابلس، مشيرا إلى أن سرت ليست مؤهلة لأن تكون عاصمة لحكومة، حتى إن الزعيم الراحل معمر القذافي قام بتجهيزها بمقرات إدارية، لكنّه فشل في استخدامها كعاصمة بديلة، إضافة إلى أن حكومة باشاغا لن تستطيع العمل بحرية واستقلالية في هذه المدينة الخاضعة لسيطرة الجيش الليبي.
كما أضاف في تصريح لـ"العربية.نت"، إلى أن مصير حكومة باشاغا على المحك وستكون موازية، بحكم ظروف نشأتها وتعيينها بعيدا عن توافق ليبي واسع، كما أن الدبيبة لن يسلم السلطة حتى يتمّ حل موضوع الحكومات المتنازعة.
سيناريوهان للفترة المقبلة
وتوقع فركاش سيناريوهين اثنين في الفترة القادمة، أولهما الذهاب إلى حوار جديد سينتج حكومة أخرى تنهي عمل الحكومتين وتتولى التركيز على موعد جديد للانتخابات في تواريخ محددة وتعديل خارطة الطريق الحالية التي تنتهي في 21 يونيو، والثاني هو تدخل المجلس الرئاسي بإصدار مرسوم رئاسي يجمد فيه عمل البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، ثم يقوم بالتعاون مع المحكمة العليا والمفوضية العليا للانتخابات بإصدار قاعدة دستورية وقوانين انتخابية، مشيرا إلى أن الرئاسي يحتاج لدعم شعبي ودولي للقيام بهذه الخطوة.
أهمية إجراء الانتخابات
فيما يصر المجتمع الدولي على أهمية إجراء هذه الانتخابات لتهدئة البلاد وإنهاء الانقسام، لكن المحلل السياسي محمد الرعيش، يعتقد أن التجهيز للانتخابات يحتاج لوقت طويل، بسبب الخلافات الكبيرة بين المعسكرات المتنافسة والدول الأجنبية المتدخلة في الملف الليبي، مشيرا إلى أن ليبيا تحتاج لحل عاجل ينهي هذا الانقسام الذي سيقود إلى حرب أهلية مثلما حصل مع الانقسامات السابقة، خاصة مع تصلّب موقف رئيسي الحكومتين والأطراف الداعمة لهما وتزايد العداء بينهما.
ويرى أن الحل العاجل يكمن في توحد مواقف الجهات الدولية والضغط على الأطراف الليبية من أجل إجراء حوار سياسي لتحقيق قدر من الاستقرار يمهدّ لإجراء انتخابات.
انقسام مختلف
يشار إلى أن انقسام السلطة التنفيذية الليبية هذه المرة مغاير لانقسام 2014، الذي اصطف فيه إقليم غرب ليبيا مع حكومة الإنقاذ ثم مع حكومة الوفاق الوطني وإقليم الشرق مع الحكومة المؤقتة، إذ طال الانقسام المدينة الواحدة، حيث انقسمت مدينتا مصراتة وطرابلس بين الرجلين، بين من يؤيد استمرار حكومة الدبيبة ومن يرفض ذلك ويدعم تولي باشاغا السلطة خلفا له، ولكلا الطرفين أنصار مسلّحون مستعدّون للقتال!