لا تزال الأخبار المتداولة منذ أكثر من شهرين عن فرار شبّان من مناطق الفقر في مدينة طرابلس شمال لبنان والتحاقهم بتنظيم داعش في العراق تتوالى فصولاً، وآخرها ما نشرته "وكالة الأنباء العراقية" منذ أيام نقلًا عن مصدر أمني عن "مقتل 3 لبنانيين أثناء قتالهم في العراق بالضربة الجوية التي استهدفت خلية لداعش بالعظيم في محافظة ديالى"، والقتلى الثلاثة من وادي النحلة شمال لبنان، وهم عمر سيف، بكر سيف، وانس سيف الملقب بالجزار.
وبدأت قصة هؤلاء الشباب منذ أكثر من شهرين مع إبلاغ ذويهم الأجهزة الأمنية اختفائهم من بيوتهم دون معرفة الأسباب ليتّضح بعد أيام، عبر اتصالات هاتفية يجرونها بأهاليهم، أنّهم غادروا البلاد ليلتحقوا بداعش، سعياً وراء الكسب المادي، سيّما وأنّ الراتب الشهري يزيد عن الألفَي دولار، في وقت كانوا فيه إمّا عاطلين عن العمل أو يعملون "باليومي" مقابل مبلغ بسيط من المال لا يكفيهم لسدّ حاجاتهم الأساسية.
والدة أحد القتلى
من جهتها، أوضحت والدة عمر سيف الذي أفيد بأنه قُتل بالضربة الجوّية في محافظة ديالى، لـ"العربية.نت" قائلة "إن ابنها اختفى ليلة رأس السنة، وحاولت الإتصال به أكثر من مرّة إلا أن هاتفه كان مقفلاً، وفي اليوم التالي أبلغ شقيقه مخابرات الجيش بإختفائه، وبعد وقت قليل قالوا أنه ربما يكون من ضمن الشباب اللبنانيين الذين سافروا إلى العراق للإلتحاق بداعش".
اتّصل بوقت متأخّر
كما أضافت أنها تلقت اتصالا من عمر بعد خمسة أيام على اختفائه، في ساعة متأخرة من الليل ليبلغها أنه بخير من دون أن يُعطي أي تفاصيل إضافية عن مكان تواجده وكيف ذهب إلى هناك.
فعمدت في اليوم التالي إلى ابلاغ مخابرات الجيش بذلك، وعلمت منهم أن "الاتّصال لم يكن من العراق وإنما من دولة لا تذكر اسمها ولم تسمع بها من قبل!"، وفق تعبيرها
"أموري جيدة"
لكنها أضافت أنها تلقت منذ قرابة العشرة أيام إتصالاً ثانياً من إبنها، من رقم مُختلف عن الإتّصال الأوّل أبلغها فيه أنه في العراق وأن أموره تسير بشكل جيّد، داعياً إيّاها إلى الإطمئنان، إلا أنه رفض كما في الإتّصال الأوّل الدخول في تفاصيل عن أحواله وما الذي يحصل معه وكيف وصل إلى العراق.
وكان عمر سيف يستعد للزواج مطلع فبراير/شباط وهو كان يعمل باليومي مقابل أجر بسيط، وحاولت والدته خلال الاتصال الثاني "إستدراجه" لمعرفة ما حصل معه من خلال "معاتبته" لتركه خطيبته قبل أيام من زواجهما، فكان جوابه على حدّ قوله "تركت لبنان بعدما تلقّيت إتصالاً بمغادرته فوراً".
إلى ذلك، أكدت الوالدة أنها ترفض تصديق الرواية العراقية بأن إبنها قُتل في ديالى، قائلة "طالما أن لا صور وفيديوهات تؤكد ذلك فمعناه أنه لا يزال حيّاً"
الحق على الدولة وحزب الله!
وبحرقة، تتابع "هلكنا.. فالدولة هي من فعلت بنا وبأبنائنا كل هذا. أنا ما ربّيت إبني حتى إبعتو للعراق". لماذا لم تتحرّك أجهزة الدولة منذ شيوع أخبار عن إختفاء شباب من طرابلس وتواجدهم في العراق؟ لماذا لم تحم الحدود وتضبطها لمنع إنتقالهم إلى هناك"؟
إلى ذلك، حمّلت "ام علاء" حزب الله والنظام السوري مسؤولية ما يحصل مع شباب طرابلس، متسائلة " من لديه القدرة على نقل هؤلاء الشباب عبر الحدود من لبنان مروراً بسوريا ووصلواً إلى العراق غير حزب الله وحليفه النظام السوري؟ ومن له مصلحة بعودة داعش إلى العراق "وشيطنة" طرابلس غير الحزب والنظام السوري"؟
كما لم تُخفِ أم علاء عتبها على على دار الفتوى والمشايخ وأئمة الجوامع "لعدم توعية الشباب على ما يقومون به وتخلّيها عنهم في هذه الازمة".
غضب في طرابلس
وتعيش مدينة طرابلس التي تحوّلت الى بؤرة للجوع والبطالة في أجواء غاضبة على الدولة وأجهزتها التي لم تُحرّك ساكناً حتى الان تجاه قضية شبابها الذين اختفوا فجأة وباتوا في العراق يقاتلون إلى داعش.
غير أن مصدراً أمنياً أكد لـ"العربية.نت" "أن الموضوع يُتابع من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية"، كاشفاً "أن العدد التقريبي للذين هربوا إلى العراق حوالي ?? شخصاً تم تهريبهم الى سوريا ثم العراق إما عبر البر او جواً الى تركيا ثم سوريا وبعدها الى العراق".
كما أوضح "أنه تم توقيف عدد من الأشخاص الذين كانوا ينوون التوجه الى العراق للإنضمام الى داعش".
توقيف مهرّب من عرسال
أما عن الجهة التي تقف وراء تهريب شباب لبنانيين إلى العراق، فأشار المصدر إلى "أن مهربين لديهم مصالح ووسطاء مع داعش ربما هم متورّطون.
كما أضاف أن الأمن أوقف منذ حوالي الشهر أحد المهرّبين وهو من بلدة عرسال البقاعية على الحدود مع سوريا".
فبركة ملفات أمنية
ومع أن الأخبار المتداولة حول هذه القضية رجّحت أن يكون "الدولار" وراء إغراء هؤلاء الشباب للقتال في العراق بسبب الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي يمرّ بها لبنان وكانت أشد وطأةً على مدينة طرابلس، غير أن مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس المحامي محمد صبلوح أوضح لـ "العربية.نت" "أن القصة أكبر من مسألة أموال، وهي مرتبطة "بخوف" هؤلاء من تلفيق ملفات أمنية قد تُفبرك لهم أو سبق أن فُبركت ضدّهم بتهمة الإرهاب".
كما أكد "أن القضية بدأت منذ نحو ثلاثة أشهر، حيث أبلغنه عدد من الاهالي عن اختفاء ذويهم
إلى ذك، أسف صبلوح "لأن التعاطي الأمني والقضائي مع أبناء طرابلس سيّئ جداً، وهناك أكثر من 11 ألف وثيقة اتّصال (عبار عن تقرير مُخبر) ضد أبناء طرابلس لم تُلغيها الحكومة حتى الان، ويبدو أن هناك تضييقاً "متعمّداً" من قبل الدولة تجاه أهالي طرابلس بهدف "شيطنتها".
وأشار إلى "أن الشبان توجهوا عبر معابر غير شرعية في منطقة وادي خالد في عكار شمال لبنان ومرّوا بحمص والمحافظات السورية التابعة للنّظام وتتواجد فيها الميليشيات الإيرانية وحزب الله ولم يوقفهم أحد وصولًا إلى العراق في ظلّ صمت أمنيّ مشكوك بأمره، إذ كيف يُمكن للاجهزة الأمنية في لبنان أن لا تملك معطيات وتفاصيل عمّا يجري"؟
وختم متسائلا "من المُستفيد من إعادة إحياء داعش في العراق؟ معتبراً "ن التنظيم بات بندقية للإيجار ومن يستأجرها يستفيد منها".