يبدو أن النائبة السابقة في "مجلس الشورى الإسلامي"، فائزة هاشمي رفسنجاني، مستمرة في نقدها لسياسات النظام في إيران، حتى بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي جرت يونيو الماضي، وفاز فيها إبراهيم رئيسي، بنسبة 72.3%، حاصلاً على نحو 18 مليون صوت.
تقدم رئيسي بفارق شاسع على بقية المنافسين لم تنظر إليه رفسنجاني بوصفه انتصاراً كاسحاً، بل رأت أن "حصول رئيسي على هذا العدد من الأصوات لا يُعتبر فوزًا للتيار الأصولي، خصوصًا أنه حصل فقط على 30% من مجمل أصوات الإيرانيين"، كون المشاركة في الانتخابات كانت الأقل نسبة منذ انتصار الثورة العام 1979، حيث بلغت نحو 48.7% من الإيرانيين الذين يحق لهم التصويت.
رسائل الاستفتاء!
فائزة رفسنجاني وفي حوارها مع صحيفة "آرمان ملي" الإصلاحية، يوليو الجاري، أطلقت وصف "الاستفتاء" على الانتخابات الرئاسية، وهو استفتاء في أكثر من جهة، لأنه عبر عن وجود حالة امتعاضٍ لدى الشارع العام، جعلت نسبة المشاركة تتراجع، وذلك بسبب سياسات "مجلس صيانة الدستور" الذي استبعد عدداً من الأسماء المهمة، ما أدى لانعدام التنافسية حتى بين مؤيدي النظام أنفسهم!
أمرٌ آخر، في انتخابات 2009 ذهب الإيرانيون للتصويت بدافع "التغيير"، إلا أن فوز أحمدي نجاد حينها، وهزيمة مير حسين موسوي، والتداعيات الكبيرة لما عرف بـ"الثورة الخضراء"، جعلت التيار "الإصلاحي" ينكفئ، ويفقد الكثير من قدرته على تحشيد وإقناع الشارع المحلي، أو تقديم شخصيات ذات كاريزما مؤثرة، تستطيع أن تحدث حراكا اجتماعيا وسياسيا وثقافيا، دون إغفال أن أحد الأسباب الرئيسة لذلك، حملة التضييق والاعتقال والوضع قيد الإقامة الجبرية التي طالت رموز الإصلاحيين، فضلاً عن هجرة عدد من الصحافيين والمثقفين إلى خارج إيران، وبالتالي حصول تغيرات عملاتية في أداء النخبة الإصلاحية في الداخل، حد من تواصلها مع الجمهور العام. وهي الرسالة الثانية في ما اعتبرته رفسنجاني "استفتاء"، وتشير إلى تراجع تأثير النخب السياسية، وأيضاً انخفاض ثقة قطاع من الإيرانيين في هذه النخبة، وشعوره بـ"عدم الجدوى" في التغيير، وأن صوته قد لا تكون له القوة القادرة على إحداث فرق حقيقي ينعكس إيجاباً في الحياة العامة.
دعوة للمراجعة
من هنا، وفي حوارها الصحافي مع "آمان ملي"، دعت فائزة رفسنجاني التيار "الإصلاحي" إلى إحداث "تغيير جدي عبر فهم الانتخابات بطريقة واقعية، بدل الالتهاء باستطلاعات الرأي والإحصاءات غير الواقعية بهدف البقاء في السلطة فقط".
هذا التغير الذي تطالب به رفسنجاني، قد يكون متعذراً في الوقت الحالي، حيث يُطبق التيار "المتشدد" إحكامه على مفاصل النظام السياسي في إيران، بعد أن أُبعد "التيار المعتدل" الذي كان الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني أحد رموزه الأساسية، وكان وزير الخارجية محمد جواد ظريف أحد منظريه؛ إلا أنه يبدو أن حتى هذا التيار الذي يريد إصلاح وتطوير النظام من الدخل دون إسقاطه، لن يكون له تأثير لافت في المرحلة القادمة، وفي أحسن الأحوال سينكفئ في الجامعات أو الأنشطة الثقافية أو من خلال لعب أدوار محدودة جداً عبر ما تبقى له من صلات مع مؤسسات الحكم أو الشركات الاقتصادية، وهذا يعتمد على طبيعة الحكومة التي سيشكلها الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، ونتائج مفاوضات فيينا بين إيران ومجموعة دول 5+1 حول برنامجها النووي.
السياسة الخارجية
فائزة رفسنجاني، وفي المقابلة التي ترجم أجزاء منها موقع "جادة إيران"، اعتبرت أن الإيرانيين قالوا "لا" من خلال امتناع ما نسبتهم 51% عن المشاركة، فضلاً عن وجود نسبة كبيرة من الأوراق الملغية بلغت نحو 14%، وفي ذلك رسالة احتجاجية سلمية، أن الشعب يريد التغيير، دون أن يذهب إلى الفوضى أو العنف أو المجهول!
الاعتراضات التي تعتقد رفسنجاني أن الشعب أفصح عنها في تصويته، تتمثل في أنه "أراد أن يقول “لا” لعدم وجود علاقات مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول أخرى، ولا للسياسة الخارجية العدوانية، ولا للهيمنة على الدبلوماسية".
فائزة التي خبرت السياسة، وواكبت والدها الرئيس الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وهو يحاول مد الجسور الخارجية مع دول الجوار؛ تدرك تماماً الانعكاسات السلبية لـ"السياسة الخارجية الإيرانية" على الوضع الداخلي، الاقتصادي منه أو الأمني أو الاجتماعي. وهي كانت صريحة جداً حين وصفت هذه السياسة بـ"العدوانية"، رافضة "الهيمنة على الدبلوماسية" التي يمارسها "المتشددون" من خلال "الحرس الثوري"، وهو ذات الرفض الذي عبر عنه وزير الخارجية محمد جواد ظريف، عندما اشتكى من نفوذ "فيلق القدس" وقائده السابق قاسم سليماني على الدبلوماسية الإيرانية!
رفسنجاني، تعتبر أن مفتاحاً أساسياً للحل هو العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، لما تمتلكه واشنطن والرياض من تأثير دولي وإقليمي، وأن التفاهم والحوار الجاد والبناء مع هاتين الدولتين سيكون في صالح إيران، واستقرار المنطقة وأسواق الطاقة العالمية.
من هنا، وجهت رفسنجاني النصيحة للرئيس إبراهيم رئيسي بأن يتبع "الاعتدال خلال ولايته" وأن "تنفذ الأمور بطريقة حكيمة وخالية من الشعارات"، لأن "الشعارات" لن تقود إلى بناء اقتصاد قوي أو مجتمع تنموي أو دبلوماسية فعالة؛ فهل ينصت رئيسي لنصيحة سيدة جاءت من بيت من بيوتات "الثورة" الأساسية، أم سيشيح بوجهه عنها، عاملاً بمقولةٍ ذكورية قديمة ومترسخة "شاوروهن وخالفوهن"!.