تشهد الأوساط الحقوقية التركية جدلاً واسعاً من جديد على خلفية موافقة البرلمان يوم الخميس الماضي، على حزمة من الإصلاحات القضائية والتي سيتم بموجبها معاقبة الجناة عند تقديم الضحايا "أدلة ملمّوسة" للسلطات، لاسيما في حالات الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي، وهو ما أثار غضب المدافعين عن حقوق الإنسان وبشكل خاص المدافعات عن النساء اللواتي يطالبن بتشديد العقوبات على مرتكبي جرائم العنف الأسري.
ومع استمرار ردود الفعل الغاضبة حيال حزمة الإصلاحات القضائية، اضطرت وزارة العدل التركية على التعليق عليها، حيث ذكرت لاحقاً أن "أقوال النساء وكذلك إفادات الأطفال سيتم اعتمادها كأدلة ملمّوسة"، وذلك عند وقوعهم كضحايا للاعتداءات الجسدية أو الجنسية رغم أن الحزمة قبل الإعلان الأخير للوزارة، كانت تنص على عدم اعتماد "كلام الضحية" كدليل ملموس على وقوع جرمٍ بحقه.
واعتبرت جانان جولو، رئيسة اتحاد الجمعيات النسائية التركية أن "هذه الحزمة القانونية التي تمّ تمريرها في البرلمان خاطئة للغاية".
وقالت جولو التي تقف باستمرار ضد الانتهاكات التي تحصل بحق النساء والأطفال: "مع تمرير هذه القوانين، كان من الضروري البحث عن أدلة ملموسة بخصوص الضحية التي تتعرض لاعتداء".
وأضافت لـ"العربية.نت": "في السابق كان يعتمد الجهاز القضائي التركي على تقارير الطب الشرعي والأطباء النفسيين كأدلة ملمّوسة عند معاقبة الجناة خلال محاكمتهم على ارتكاب مثل هذه الانتهاكات، لكن وفق الحزمة الجديدة، لن يكون الأمر كذلك".
وتابعت: "بحسب القانون الجديد، لن يتمّ البحث بشكلٍ دقيق عن الأدلة التي تدين الجناة، وهو ما يعني فعلياً إفلاتهم من العقاب".
وبموجب القوانين الجديدة، ستطلب الشرطة من ضحايا الاعتداءات الجسدية أو الجنسية، تقديم أدلة ملموسة، كمقاطع فيديو وتسجيلات صوتية أو صور، كشرطٍ لتأكيد وقوع الجرم، وهو ما أحدث موجة اعتراض واسعة من المنظمات المدافعة عن حقوق النساء في تركيا وكذلك الأحزاب المعارضة التي ترى في هذا الشرط "طريقاً إلى إفلات الجناة من العقاب".
وطالبت منصّة "المساواة للمرأة"، بضرورة العودة إلى اتفاقية إسطنبول المعنية بحماية التركيات من العنف والتي انسحبت الحكومة التركية منها بداية شهر يوليو الجاري بناءً على رغبة الرئيس رجب طيب أردوغان التي عبّر عنها قبل ذلك في شهر مارس الماضي، بحجة أنها تساهم في تفكك الأسرة.
وشملت حزمة الإصلاحات القضائية، تحديث عقوبة مختلف الجرائم إلى جانب الاغتصاب الجنسي، مثل الاتجار بالبشر والقتل من الدرجة الأولى والاتجار بالمخدرات وتهريب الأسلحة والتمرّد المسلح ضد الدولة وتعتيم الوجه خلال التظاهرات.
وعلى الرغم من أن أكبر حزبين معارضين في البلاد وهما "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي" المؤيد للأكراد، وقفا ضد هذه التعديلات القضائية لكن الأغلبية النيابية التي يحظى بها حزب "العدالة والتنمية" الحاكم سهّلت تمريرها داخل البرلمان خاصة بعد تلقيه الدعم من نواب حليفه في حزب "الحركة القومية" اليميني.
وقال وزير العدل التركي عبد الحميد غول في تغريدة على موقع "تويتر": "نحن مصممون على مواصلة اتخاذ خطواتٍ لإصلاح نظام قانوني يوفر الثقة للجميع على أساس العدالة وحقوق الإنسان".
وكان الرئيس التركي قد أعلن أكثر من مرة منذ نهاية العام الماضي عن إجراء إصلاحاتٍ قضائية واقتصادية، لكن هذا الأمر لم يساهم في تخلص بلاده من المشاكل القضائية والاقتصادية، خاصة مع انسحابه من اتفاقية إسطنبول واستمرار العملة الوطنية بالتراجع أمام العملات الأجنبية.