بُعيد الإطاحة بحكم الشاه الراحل محمد رضا بهلوي، العام 1979، من قبل الثوار الذين توحدوا بمختلف مشاربهم الإسلامية واليسارية، تحت لواء روح الله الموسوي الخميني، سنحت الفرصة للشاب علي لاريجاني، أن يدخل إلى أحد قصور الشاه، وتحديداً غرفة نومه، حيث وجد فيها مجموعة من الأدعية والأذكار والأوراد، وُضعت من قبل عائلة الشاه، بهدف الحفظ والعناية وإبعاد الأذى!
هذه القصاصات التي وجدها لاريجاني، وأثارت دهشته، حيث يروي القصة لشخصية تحدثت معها "العربية.نت"، دفعت ضيف لاريجاني لسؤاله: ألا يثبت ذلك أن الشاه رغم نهجه السياسي وعلمانيته الصارمة، إلا أنه في داخله بقي مؤمناً بالله وبالقضاء والقدر، وأيضاً مؤمناً بتشيعه؟ وبالتالي فإن ما قيل عنه من دعاية مضادة، هي في جزء منها غير صحيحة؟
لم يتوقف لاريجاني كثيراً عند أسئلة ضيفه، إلا أنها بالتأكيد عنت له شيئاً في داخله، وإن لم يبح به.
بلاطُ الحُكم!
علي لاريجاني الذي دخل قصر الشاه بُعيد فرار الأخير إلى المنفى خارج إيران، فُتحت له ولعائلته أبواب الحكم في الجمهورية الإسلامية الفتية، حيث تولى رئاسة "هيئة الإذاعة والتلفزيون"، وأصبح الأمين العام لـ"المجلس الأعلى للأمن القومي"، وأيضا رئيس "مجلس الشورى الإسلامي"، وكان في الآونة الأخيرة مكلفاً من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بمتابعة تفاصيل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران، والتي وقعت العام 2021، ما يعني أنه كان واحداً من رجالات الثورة، وهو الذي حضر أيضاً إبان الحرب العراقية – الإيرانية، كفرد في السلك العسكري، وتحديداً "الحرس الثوري".
المحاور الصلب!
"شخصية صلبة، ذو نفس طويل، ورأي ثابت، إلا أنه مستمع جيد، ومحاور جيد جداً"، هكذا يصف لاريجاني، دبلوماسي خليجي سابق تحدث مع "العربية.نت"، مضيفاً "ما يميز لاريجاني هو عقلانيته. فهو رغم إيمانه بمبادئ الثورة، وسعيه لبسط نفوذ خارجي لإيران، إلا أنه في ذات الوقت يبحث عن حلول للمشكلات القائمة، ويجيد التفاوض، ويمكن الوصول معه إلى حلول سياسية وعملية.. كما أنه صريح ومباشر في حديثه".
ما الذي جعل علي لاريجاني بهذه الصفات؟ يجيب المصدرُ "ربما دراسته للفلسفة الغربية، التي يحمل شهادة الدكتوراه فيها، فهو شخصية تحب العلم، ودائماً ما كنت أتناقش معه حول الفلسفة الألمانية، والتي يبرع في شرح الكثير من مفاصلها".
لم تكن الفلسفة الغربية هي ما ينالُ اهتمام لاريجاني وحسب، بل "الفلسفة الإسلامية أيضاً، وتحديداً التراث العرفاني الإيراني، مثل المولوي وحافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي.. وسواهم".
كنفُ الحوزة!
الجنوح نحو "الحكمة – الفلسفة"، فضلاً عن دراسة علي لاريجاني، واهتمامه الشخصي، نابع من البيئة العلمية التي تربى فيها.
وُلِدَ لاريجاني في مدينة النجف العراقية، حيث الحوزة العلمية، وكبار المجتهدين، والحركة الفقهية الدائمة، والدروس المتتابعة في كل مسجد ومدرسة ومنزل، وكان والده الراحل آية الله ميراز هاشم آملي، أحد الفقهاء المعروفين، حيث زامل المرجع الديني آية الله علي السيستاني، إبان دراستهما "البحث الخارج" لدى آية الله أبو القاسم الخوئي، الذي كان حينها مقصد الطلاب النجباء، حيث درس لديه عشرات الفقهاء، أصبح تالياً بعضهم مراجع دين بارزين، يأخذ ملايين المسلمين الشيعة أحكامهم الشرعية عنهم حول العالم.
علاقة الاحترام التي جمعت الشيخ هاشم آملي بالسيد علي السيستاني، هي سبب رئيس جعل السيستاني يستقبل د.علي لاريجاني، عندما زار مدينة النجف، حيث إن المرجع السيستاني عُرف عنه أنه دقيق في التعامل مع الشخصيات السياسية، كونه لا يريد أن يُستغل اسمه في النزاعات الجارية بين التيارات والأحزاب المتباينة، إلا أن كون علي لاريجاني نجل الراحل هاشم آملي، ومعرفة بيت السيستاني الدقيقة بعائلة لاريجاني، جعلته شخصية مرحباً بها!
القبولُ الحوزوي!
الترحيب الذي لقيه الرئيس السابق لـ"مجلس الشورى" الإيراني علي لاريجاني في النجف، يحظى بمثيل له في حوزة "قم"، حيث تربطه علاقات احترام بعدد من مرجعياتها وكبار أساتذتها، ومن ضمنهم المرجع آية الله الصافي الكلبيكاني، الذي تظهر الصور لاريجاني إلى جانبه في مناسبة دينية.
عائلة لاريجاني نسجت علاقات مصاهرة مع كبريات بويتات الفقه في إيران. حيث أن علي لاريجاني متزوج من ابنة الراحل آية الله مرتضى مطهري، أحد أبرز منظري الثورة الإيرانية. كما أن أخاه آية الله صادق لاريجاني، الرئيس السابق لـ"السلطة القضائية" متزوج من ابنة المرجع الديني آية الله الوحيد الخراساني، والأخير معروف بعدم تأييده لمبدأ "ولاية الفقيه"، وأن لديه العديد من الملاحظات النقدية على الأداء السياسي للنظام الحاكم في إيران.
أحد العارفين بشؤون "الحوزة العلمية"، يشير إلى أن "الشيخ صادق لاريجاني، شقيق علي، يتمتع بعلمية جيدة جداً، وهو فقيه، وشخصية مؤهلة للمرجعية، ولو أنه لم يدخل العمل الحكومي كرئيس للجهاز القضائي وتالياً رئيساً لمجلس تشخيص مصلحة النظام، لكان الآن من كبار أساتذة الحوزة العلمية في قم، وأيضا واحداً من الأسماء التي يرجع لها في التقليد مستقبلاً".
الالتحاق بالركب!
هذه التوليفة الخاصة لعائلة لاريجاني، أتت من خلفية تاريخية مهمة، حيث أنهم لم يكونوا "رأس حربة" إبان الحركة الثورية التي قادها السيد الخميني، لأن والدهم هاشم آملي، كان عالماً يهتم بالفقه والأصول، فضلاً عن أنهم كانوا متهمين في البدايات بأنهم ليسوا "مناصرين للثورة"، إلا أن العائلة التي لم تكن ترفع الشعارات "الرنانة" استطاعت أن تكون جزءا من "النخبة الحاكمة والمؤثرة"، وهذا ما يفسر الهجوم الشرس الذي شنه الرئيس السابق أحمدي نجاد ضد عائلة لاريجاني، واتهامه إياها بالفساد؛ دون أن يُغفل السجالُ العلني الذي دار بين الرئيس السابق لـ"جماعة مدرسي الحوزة العلمية" آية الله محمد يزدي، وآية الله صادق لاريجاني.. وجميع هذه المعارك التي شنها "متشددون" دون أدلة ناهضة يمتلكونها، ضد عائلة لاريجاني، كانت بسبب الجذور الفكرية والمسلك الخاص لعائلة لاريجاني، وكيف أنهم تمكنوا بمثابرتهم وعلمهم وشبكة علاقاتهم وبذكاء كبير، أن يكونوا "قوة مؤثرة" من خارج "الحرس الثوري".
بندر لاريجاني!
كل ذلك دفع بعلي لاريجاني لأن يكون شخصية حوارية، رغم إيمانها العميق بمبادئها. فهو إبان توليه منصب أمين "المجلس الأعلى للأمن القومي" الإيراني، قاد مباحثات مباشرة مع الأمين العام السابق لـ"مجلس الأمن الوطني السعودي" الأمير بندر بن سلطان، حيث التقى بندر في العاصمة السعودية الرياض، كما زار الأمير بندر العاصمة الإيرانية طهران، وجرت مباحثات طويلة بين الشخصيتين.
أطراف مطلعة على مجريات اللقاءات حينها، وصفتها بـ"الإيجابية"، وأنه كان "هنالك تقدم يحرز، إلا أن السبب الرئيس لتدهور العلاقات بين الرياض وطهران كان أحمدي نجاد، بسياساته المرتجلة وغير العقلانية"، يقول مصدر لـ"العربية.نت"، مضيفاً "كان هنالك احترام متبادل بين الأمير بندر بن سلطان والسيد علي لاريجاني، حتى إن المفاوضات رغم كونها شاقة وجادة، إلا أنه تتخللها الكثير من النكات والأريحية في الحديث".
الرئيس غير المتوج!
شخصية كلاريجاني، كان "مشروع رئيس جيد جدا في هذا الوقت الحساس"، يقول برلماني سابق لـ"العربية.نت"، مضيفاً "لو تم قبول ترشيح لاريجاني في الانتخابات، فإنه على الأغلب سيكون الرئيس، وبذلك يمكن أن تكون هنالك شخصية عاقلة غير متعصبة يمكن الحوار معها من أجل مصلحة الخليج، إلا أن ذلك للأسف لم يتم".
لكن أليست السياسة الخارجية بيد مرشد الثورة السيد علي خامنئي؟ الجواب: نعم، إنما بحسب العارفين بعلي لاريجاني، يعدونه شخصية قادرة على الحوار والإقناع والنقاش مع المرشد، خصوصاً أنه ليس بالمتمرد على "الولي الفقيه"، وهو مُوكلٌ من قبله بعدد من الملفات، ما سيجعله لو تم قبول ترشحه قادراً على إقناع خامنئي، وبالتالي تمرير سياسات "مرنة" من خلال نفوذه وشبكة علاقاته، وهو النفوذ الذي تم الإجهاز عليه، بُعيد أن تم رفض قبول أهليته، ولم يكن من الأسماء السبعة التي أعلن عنها "مجلس صيانة الدستور". رفضٌ أثار استغراب وامتعاض الكثير من أبناء الثورة ذاتها، وفي مقدمتهم: آية الله صادق لاريجاني، والرئيس حسن روحاني، والسيد حسن الخميني، ود.زهراء الخميني.. وسواهم.
ربما هي بداية تحجيم دور آل "لاريجاني"، بعد أن كثر منافسوهم، والحُساد، وباتت الثورة أكثر إقصاءً لغير المؤمنين بنهجها الأعظم "تشدداً" والأوضح ولاءً، وهو ولاءٌ بات يقرره "عسكر الثورة" اليوم، أكثر من أي وقت مضى!