بين عبارتي "لا أحد فوق القانون" و"لن نسمح بالمساس بالحشد" تأرجحت خلال الساعات الماضية المواقف في العراق، إلا أن الكلمة الفصل كانت للأولى.
فبعد التوتر الذي شهدته العاصمة العراقية أمس الأربعاء، أكد قاسم الأعرجي مستشار الأمن الوطني، استمرار اعتقال القيادي في الحشد قاسم مصلح على خلفية اتهامه باغتيال ناشطين.
ونفى ما تردد عن الإفراج عن قائد ميليشيات الحشد في الأنبار، مؤكدا أن الموقوف في عهدة العمليات المشتركة وأنه تم تشكيل لجنة تحقيق لتتولى التحقيق معه، على أن يبقى للقضاء الكلمة الفصل.
الحشد يتحدى
في المقابل، قال معاون رئيس أركان هيئة الحشد أبو علي الكوفي، في تصريحات تلفزيونية مساء أمس "لن نسمح لأحد بالمساس بالحشد، وسيطلق سراح القيادي قاسم مصلح".
كما وصف عملية إلقاء القبض على مصلح بالمخالفة للقانون، مستنكرا معاملة عناصر الحشد بالخارجين على القانون، وفق تعبيره.
أتى ذلك، بعد أن حاول عناصر من ميليشيات وفصائل تابعة للحشد اقتحام المنطقة الخضراء أمس، قبل أن تسيطر القوات الأمنية على الوضع.
تنديدات دولية
وتدفقت التنديدات الدولية من الأمم المتحدة والبعثات الدبلوماسية الأخرى في بغداد خلال الساعات الماضية، منتقدة محاولة تلك الميليشيات الاستعراض بالسلاح، في محاولة لتخطي القانون وسلطة الدولة.
وكتبت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس-بلاسخارت، على تويتر أن "أي قضية اعتقال يجب أن تأخذ مجراها كما هو الحال مع أي عراقي... لا ينبغي لأحد أن يلجأ إلى استعراض القوة ليشق طريق، معتبرة أن هذا السلوك يضعف الدولة ويزيد من تآكل ثقة العراقيين بمؤسساتهم.
كما أضافت "يجب احترام مؤسسات الدولة في جميع الأوقات، فلا أحد فوق القانون".
بدورها دانت السفارة البريطانية ما جرى، معتبرة أن العراقيين يستحقون دولة يحاسب فيها من يخالف القانون". كما شددت على وجوب عدم لا ينبغي استخدام القوة والتهديد لعرقلة التحقيقات الجنائية.
كما استنكر السفير الكندي استعراض الميليشيات، قائلا: "لا يمكن احترام الحقوق الأساسية للمواطن ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الناشطين وسط انتشار جماعات مسلحة تعتبر نفسها فوق القانون".
وفي نفس السياق، أكد رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم أن كل العراقيين سواء في معيار المساءلة القانونية، داعيا إلى وجوب احترام قرارات مؤسسات الدولة وعلى رأسها السلطة القضائية.
كذلك، نبّه رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي إلى خطورة ما جرى، قائلا: "إما أن تسير الدولة إلى النظام والسيادة، أو أن تنهّد على رؤوس الجميع".
دماء إيهاب
أتت كل تلك المواقف، بعد أن شهدت بغداد ساعات توتر ملحوظ، إثر اعتقال قائد عمليات الحشد في الأنبار قاسم مصلح بتهمة اغتيال الناشط إيهاب الوزني رئيس تنسيقية الاحتجاجات في كربلاء، والذي كان لسنوات عدة يحذر من هيمنة الفصائل المسلحة الموالية لإيران وأردي برصاص مسلّحين أمام منزله، وناشط آخر هو فاهم الطائي من كربلاء أيضاً.
فقد أغلقت المنطقة الخضراء وسط العاصمة بالكامل أمس، بسبب تهديدات الميليشيات التي حاولت الانتشار على مداخلها، ما أثار مخاوف من تفاقم الوضع.
إلا أن قوات مكافحة الإرهاب عادت وانتشرت داخل المنطقة الخضراء، فيما انتشر الجيش العراقي في مناطق أخرى في العاصمة وقطع بعض الطرقات.
اغتيال ناشطين
يذكر أنه رغم أن هذه المرة الأولى التي يجري فيها توقيف قيادي من هذا المستوى في الحشد، إلا أن استعراض القوة الذي تلاها كشف بحسب خبراء ومراقبين مدى جنوح تلك الميليشيات إلى التفلت، ومحاولتها تخطي القانون، وتشكيل تحد كبير لسلطة الدولة، وفق ما أفادت وكالة فرانس برس.
كما أعطى إشارات على صحة بعض الاتهامات التي سيقت ضد تل الفصائل والميليشيات حول إمكانية تورطها باغتيال ناشطين في البلاد على مدى السنتين الماضيتين.
فغالباً ما كانت تلك الاغتيالات تنسب منذ انطلاقة "ثورة تشرين" في العام 2019، إلى فصائل مسلحة موالية لإيران.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العراق قبل نحو عامين، تعرّض أكثر من 70 ناشطاً للاغتيال أو لمحاولة اغتيال، فيما خطف عشرات آخرون لفترات قصيرة، في عمليات تتهم الفصائل الموالية لإيران بارتكابها.