في تمام الساعة الثانية صباح اليوم الجمعة دخلت الهدنة واتفاق وقف النار في الأراضي الفلسطينية حيز التنفيذ بعد وساطة مصرية، وهو ما لاقى تأييدا وإشادة دولية وعربية بجهود القاهرة للوصول لهذا الاتفاق.
ولعبت الوساطة المصرية دوراً مهما في المفاوضات التي تكللت بوقف النار بعد 11 يوماً من تصعيد عسكري هو الأعنف بين الطرفين منذ 2014.
وخلال جولات مكوكية قام بها مسؤولون أمنيون مصريون، عقدوا لقاءات مع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني ناقشوا خلالها احتواء التصعيد والاتفاق على هدنة ووقف النار، وبعدها يمكن مناقشة الخلافات والملفات العالقة التي تسبب التوتر والتصعيد.
وفدان أمنيان إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية
وأمس الخميس، أرسل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وفدين أمنيين إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية للعمل من أجل دعم وقف إطلاق النار ومتابعة إجراءات تنفيذ الهدنة والاتفاق على الإجراءات اللاحقة التي من شأنها الحفاظ على استقرار الأوضاع بصورة دائمة.
وفق معلومات حصلت عليها"العربية.نت" فإن الوساطة المصرية ركزت على حماية الأرواح أولًا، ومنع العنف والتصعيد ووقف النار واستدامته ووقف أي استفزازات في القدس، فيما حاولت إسرائيل المماطلة في القبول بوقف النار لرغبتها في إطالة أمد العمليات العسكرية ومحاولة استنزاف القدرات العسكرية لحماس والفصائل، وتبعه تأكيد الفصائل بالرد بالمثل، وبأسلحة نوعية وصواريخ جديدة تصل للعمق الإسرائيلي.
وتدخل الوفد المصري لإقناع الطرفين بقبول الهدنة أولا، وبعدها التفاوض حول المطالب الأخرى للجانبين، وصولا لتثبيت الهدنة، وتهيئة الأجواء للشروع في مفاوضات سلام حقيقية جادة للوصول إلى حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية.
تحركات المستوطنين ووقف مصادرة ممتلكات الفلسطينيين
وشملت المقترحات المصرية إعداد اتفاق يتضمن التزاما إسرائيليا بالسيطرة على تحركات المستوطنين، ووقف مصادرة ممتلكات الفلسطينيين، ومنع الاستفزازات في الأقصى، مع التزام الفصائل الفلسطينية بالتهدئة ووقف النار ومنع إطلاق الصواريخ.
وطلبت الفصائل من الوفد المصري الضغط على إسرائيل للقضاء على أسباب التصعيد ومنع تكرارها مجددا، ومنها وقف اقتحام الأقصى والسماح بدخول المصلين لأداء صلواتهم بحرية.
وخلال الأيام القادمة ستواصل مصر جهودها لاحتواء كافة الخلافات والوصول لتثبيت الهدنة أملا في الوصول لاتفاق آخر حول إحياء مفاوضات سلام حقيقية.
ويكشف اللواء محمد رشاد وكيل المخابرات المصرية الأسبق، الذي كان يتولى ملف الشؤون العسكرية بالجهاز لـ"العربية.نت" أن نجاح الوساطة المصرية في الوصول لهدنة في الأراضي الفلسطينية يرجع لسابق خبراتها في هذا الملف وثقة وقبول الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بها، وتأكدهما من إيجابية الدور المصري ونزاهته وابتعاده عن المزايدات السياسية ولعبة المصالح.
ويقول إن مصر لها ثقل إقليمي وتدخلها يجد قبولا لدى الفصائل الفلسطينية، ومطالبها منهم تجد التزاما كبيرا، وهو ما تعلمه وتدركه إسرائيل لذا تطلب الأخيرة وساطة مصر لإقناع الفصائل، والتأثير عليها، خاصة مع علمها أن الوساطة المصرية نزيهة وهدفها وقف العنف ومنع التصعيد في الأراضي الفلسطينية كهدف إنساني يسعى لحماية الفلسطينيين، ويحول دون استمرار عدم الاستقرار في المنطقة.
ويضيف أن السلطات المصرية أصدرت عدة قرارات خلال العدوان الإسرائيلي الأخير لاقت ترحيبا فلسطينيا، وهو ما دفع حماس والفصائل للقبول بمطالب مصر عرفانا بهذه القرارات، ومنها قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتبرع بـ500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، وفتح معبر رفح لنقل الفلسطينيين وفتح المستشفيات في شمال سيناء والإسماعيلية لعلاج الجرحى.
ويتابع أن بعض الوساطات الإقليمية يكون هدفها الضغط على الفلسطينيين لتحقيق مصالح إسرائيل وبعض التدخلات الإقليمية تهدف لاستمرار النزاع والتوتر في غزة لتحقيق مكاسب سياسية واستخدام ذلك كأوراق ضغط يمكن من خلالها انتزاع مكاسب، مشيرا إلى أن بعض الوساطات كذلك تسعى لتحقيق إسرائيل أهدافها العسكرية والسياسية والتي تتمثل عسكريا في تحقيق الردع لحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وتدمير القدرة العسكرية والصاروخية لهما، وتدمير الأنفاق وتحقيق الردع بمفهومه الإسرائيلي.
وذكر أن هدف إسرائيل في كل عدوان لها على الأراضي المحتلة هو تحقيق أكبر خسائر ممكنة في غزة تجعل قادة الفصائل يفكرون مرات عديدة قبل تكرارها، وتقوم السلطات الإسرائيلية يوميا بتقييم نتائج تحقيق هذه العمليات للردع في إطار تحقيق أهدافها.
وذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبحث من خلال مثل هذه الاعتداءات عن دعم سياسي داخلي من خلال تحقيق انتصار في غزة لتوصيل رسائل للناخبين أنه المنقذ والقادر على تحقيق الأمن الإسرائيلي وبالتالي أمن المواطن الإسرائيلي المفقود، ولذلك فإن الوساطة المصرية تتحمل العبء الأكبر للوصول لصيغة تفاهم تحقق الاستقرار في الأراضي المحتلة وغزة حفاظا على الفلسطينيين أولا وحماية للأمن القومي المصري ثانيا.