في تطوّر قضائي لافت بقطاع الطاقة "المُهترئ" في لبنان نتيجة الفساد وغياب الرقابة، قرر القضاء اللبناني قبل أيام احتجاز بواخر تركية تزوّده بالطاقة الكهربائية ومنعها من مغادرة السواحل اللبنانية، في إطار تحقيق باحتمال وجود شبهات فساد بملايين الدولارات في عملها.
وطلب المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، من وزارات عدة والأجهزة الأمنية المختلفة بما فيها الجيش، تطبيق القرار.
كما تضمن القرار طلبا موجها إلى وزارة المالية قضى بعدم دفع أي مستحقات لشركة "كارباور شيب" التركية المسؤولة عن بواخر الطاقة التي توفر نحو 40% من حاجة لبنان من الكهرباء، إلى جانب شركة "كاردينيز" التركية.
البواخر لن تُغادر
واكتفى القاضي إبراهيم بالتأكيد لـ"العربية.نت": "إن القضاء لن يفكّ الحجز عن البواخر التركية قبل أن تُحصّل الدولة اللبنانية البند الجزائي الموقّع بـ25 مليون دولار".
كما لفت إلى "أن الشركة المُشغّلة للبواخر التركية لم تقدّم حتى الآن أي طلب مراجعة بالقرار القضائي".
"صفقة البواخر"
ويهدف القرار المعلن إلى "ضمان حقوق الدولة في تحصيل البند الجزائي الموقع بـ 25 مليون دولار أميركي في حال التثبت من دفع عمولات"، وهي شبهة قد تطال كبار المسؤولين اللبنانيين إذا تم إثباتها، في ما يُسمّى في لبنان "صفقة البواخر" التي بدأت بتوفير الكهرباء منذ العام 2013.
غير أن قرار القضاء اللبناني لم يُناسب الشركة التركية المُشغّلة للبواخر، إذ أوضحت "كارباورشيب" لـ"العربية.نت" "أن قرار المدّعي العام المالي غير قانوني ولا أساس له"، مضيفة أنه "لم يتم اتّباع الإجراءات القانونية الواجبة والادّعاءات تفتقر إلى المصداقية".
كما أعلنت "أنها مستعدّة للشروع في التحكيم الدولي"، وذلك في ردّ على سؤال عمّا إذا كانت ستردّ على القرار اللبناني.
إلى ذلك، أكدت "أنها عملت باستمرار بحسن نيّة وواصلت مدّ لبنان بالكهرباء رغم عدم تلقيها أي مدفوعات من شركة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة لأكثر من 18 شهراً".
تهديدات غير قانونية
وأضافت "أمضينا أشهراً عدة في البحث عن حلّ عملي لاستمرار توفير الطاقة للبنان رغم تخلّف المعنيين عن سداد الديون المُستحقة لنا". فهناك قدر هائل من الديون غير المسددة، وبدلاً من العمل معنا لإيجاد طريقة للمضي قدماً، نتلقى الآن تهديدات "غير قانونية" لاحتجاز سفننا قبالة الساحل اللبناني وتعليق المدفوعات المستحقة".
وفي إشارة إلى اتّجاه الشركة لسحب بواخر الطاقة من لبنان، قالت "كنا مرنين بشكل غير عادي طوال الـ 18 شهراً الماضية، لأننا نتفهم الصعوبات التي يواجهها البلد، لكن لا يمكننا العمل في لبنان في ظل هذه الظروف".
رشاوى دفعت
من جهته، أكد النائب عن حزب "القوات اللبنانية" الذي يُتابع ملف الكهرباء والصفقات المشبوهة المُتربطة به، أنطوان حبشي لـ"العربية.نت" "أن المسألة ليست مرتبطة ببند جزائي بقيمة 25 مليون دولار وإنما بمئات ملايين الدولارات التي هُدرت تباعاً في قطاع الطاقة".
واعتبر "أن على القضاء اللبناني عدم التوقّف فقط عند مسألة البند الجزائي، بل التدقيق بمناقصة البواخر ككل، لأن هناك رشاوى دُفعت لجهات معيّنة كي ترسو المناقصة على شركة "كار باور شيب" التركية المسؤولة عن بواخر الطاقة دون سواها من الشركات".
دفتر شروط "مُركّب"
كما أشار إلى "أن دفتر الشروط لمناقصة البواخر "رُكّب" على قياس الشركة التركية ما يطرح علامات استفهام عديدة حول حصول رشاوى وصفقات من بواخر الكهرباء".
تلزيم دون مناقصة
من جهته، أوضح مدير عام إدارة المناقصات جان العلية لـ"العربية.نت": "أن بين العامين 2012 و2013 رفعت وزارة الطاقة (يتولاها التيار الوطني الحر برئاسة صهر رئيس الجمهورية، النائب جبران باسيل منذ العام 2011) إلى مجلس الوزراء، نص الاتّفاق مع شركة "كارباور شيب" التركية لاستئجار البواخر من دون إجراء مناقصة".
وقال "هناك معطيات شبه أكيدة لدى المدّعي العام المالي على دفع عمولات للحصول على عقد وهذا يؤشّر إلى وجود فساد مالي كبير".
وإدارة المناقصات هي هيئة رقابية تمرّ عبرها مشتريات الدولة، حيث تجري مناقصات واستدراج عروض لشراء حاجات الدولة، وهو ما لم يحصل مع البواخر التركية كما أكد العلية، حيث تمّ الأمر باتّفاق في وزارة الطاقة.
حقائق مُرعبة حول صفقة البواخر
إلا أنه ونتيجة الضجّة التي أُثيرت في الإعلام كما يقول العلية، تم إجراء مناقصة لبواخر الطاقة في العام 2017 في مكتب وزير الطاقة، وكانت المفاجأة أن شروطها وُضعت لتتناسب مع عرض الشركة التركية وحدها دون سواها من الشركات الأخرى، وهو ما يضع علامات استفهام عديدة حول حقائق "مُرعبة" خلف صفقة البواخر".
وشدد رئيس دائرة المناقصات على ضرورة "إجراء تدقيق جنائي شامل للصفقات العمومية لوضع حدّ للهدر في المال العام".
يذكر أنه منذ أشهر، تتابع السلطات اللبنانية تحقيقاً بشأن ما يُعرف بـ"صفقة البواخر"، وأوقفت بموجبه عدة أشخاص للاشتباه بوجود رشا دفعت عند تجديد العقد بين وزارة الطاقة اللبنانية والشركتين التركيتين.
العتمة الشاملة
يأتي قرار القضاء اللبناني في وقت تطرق العتمة الشاملة أبواب اللبنانيين عشية بدء موسم الاصطياف، حيث يتزايد الضغط على الخدمة الكهربائية، في حين أن تعثّر التعاون بين البواخر التركية ووزارة الطاقة اللبنانية من شأنه زيادة ساعات التقنين.
وتخلّف لبنان عن دفع 100 مليون دولار من الأموال المتأخّرة لصالح شركة "كاردينيز" التركية منذ العام الماضي، علماً بأن الاتفاق المُبرم بين الطرفين ينتهي في شهر سبتمبر/أيلول المقبل.