بدأت الحكومة التونسية مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل جديد لدعم ميزانية الدولة واستخلاص ديونها الخارجية، مقابل وعود بإلغاء الدعم عن المواد الإستهلاكية الأساسية والتخفيض في أجور الموظفين بالقطاع العام، من المرجحّ أن تضعها في مواجهة مباشرة مع الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يرفض بشدّة المساس بكتلة الأجور وخفض الدعم.
وبدأ وفد حكومي تونسي، يقوده وزير المالية علي الكعلي ومحافظ البنك المركزي مروان العبّاسي، الأربعاء، حوارا مهمّا مع مسؤولي صندوق النقد الدولي بمقرّه في واشنطن، للحصول على قرض جديد بقيمة 4 مليار دولار، من أجل تمويل عجز الميزانية واستخلاص الديون الخارجية، لكن لا يبدو الطريق أمام الحكومة سالك والتائج مضمونة للحصول على هذا التمويل ، حيث يشترط صندوق النقد الدولي هذه المرة موافقة اتحاد الشغل والمنظمات الوطنية الأخرى على الإصلاحات الإقتصادية المقترحة لضمان الحصول على هذا القرض.
ووفقا لما ورد في الوثيقة، التي قدمها الوفد التونسي إلى صندوق النقد الدولي، اقترحت تونس حزمة إصلاحات إقتصادية تتضمن إلغاء الدعم تدريجيا على المواد الأساسية الإستهلاكية إلى غاية 2024 وتعويض هذا الدعم بمساعدات مالية مباشرة لمستحقيها، والتقليص في كتلة الأجور بالقطاع العام بنحو 15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 17.4 بالمائة عام 2020، وإصلاح الجباية والمؤسسات العمومية.
وتأمل تونس التي تقع في قلب أزمة إقتصادية منذ 10 سنوات مع عزوف المستثمرين وارتفاع أعداد العاطلين عن العمل وتضرّر الصادرات، الحصول على القرض من صندوق النقد الدولي لدعم ميزانيتها مقابل تنفيذ هذه الإصلاحات التي يبدو الإلتزام بها صعبا، لكن خططها الإصلاحية لإرضاء المقرضين الدوليين تصطدم برفض اتحاد الشغل ذو التأثير القوي في البلاد، الذي يعارض بشدّة خفض الدعم والمساس بأجور الموظفين في القطاع العام ويطالب برفعها، ويؤكد على تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، كما أن الإصلاحات المقترحة قد تفجرّ احتجاجات واضطرابات اجتماعية في البلاد.
وفي هذا السياق، قال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري في بيان، إنه "إذا صح ما تخطط له الحكومة سرا من إجراءات لا شعبية ولا اجتماعية، فإنّ ذلك لن يمرّ وسيشعل حربا اجتماعية"، في إشارة إلى أن الحكومة لم تتشاور ولم تناقش مع اتحاد الشغل الإصلاحات المقترحة على صندوق النقد الدولي وتأكيد على أنه يرفضها بشدّة ولن يوافق عليها.
وتعاني المالية العامة التونسية من وضع صعب، حيث تشير التقديرات إلى بلوغ العجز المالي 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وهو الأعلى منذ ما يقرب من أربعة عقود، فيما نفقات الدعم تقدر بـ6.2 مليار دينار، بينما تهدف ميزانية 2021 إلى خفض العجز المالي إلى 6.6%، لكن صندوق النقد الدولي قال في بيان عقب زيارة لتونس إن العجز قد يتجاوز 9%، وهناك حاجة إلى إجراءات محددة لدعم هذا الهدف، في إشارة إلى ضرورة تدخل الحكومة لضبط كتلة الأجور وكبح الدعم، قبل الموافقة على إقراض الدولة.
وتضاعفت فاتورة الأجور في تونس إلى نحو 20.1 مليار دينار (7.45 مليارات دولار) في 2021، من 7.6 مليارات دينار في 2010، بزيادة بلغت نسبتها 164 بالمائة.