لم يكن عادل ابن الـ 16 عاما ليتخيل أن بضعة لحظات في خضم الفوضى ستقلب حياته رأسا على عقب، لم يكن ليرى نفسه ممددا على سرير أحد المستشفيات عاجزا عن تحريك رجليه.
ابن الناصرية مركز محافظ ذي قار جنوب العراق، كان يتوق لحياة واعدة، لمستقبل أفضل لمدينته، فنزل في ذلك اليوم إلى مبنى المحافظة، مع المئات غيره، مطالبين بإقالة المحافظ وتعيين آخر غير محسوب على الأحزاب.
لكن قوات مكافحة الشغب كانت لهم بالمرصاد، ودفعتهم للابتعاد عن المبنى، فعادوا أدراجهم نحو جسر النصر.
وهناك طالت عادل العصاد 3 رصاصات غدر، اثنتان من رشاش كلاشينكوف وواحد من مسدس. 3 رصاصات أقعدته وشلت أطرافه السفلى، بحسب ما أكد أخوه زايد باتصال مع العربية.نت.
رصاص غدر من الخلف
وأضاف وفي صوته مرارة، أن الرصاص طال أخاه من الخلف وهو عائد أدراجه مبتعدا عن القوات الأمنية، لتستقر واحدة في ظهره، بحسب ما أكد الأطباء وأخرى في رئتيه وثابثة في إحدى كليتيه وطحاله. وتابع قائلا: نقلناه إلى مستشفى الحبوبي في المدينة، إلا أن الأطباء أجروا له العملية في موقف السيارات "كاراج المستشفى"، لكثرة أعداد المصابين في ذلك المساء.
كما أوضح أنه خضع لعملية أولى، حيث استأصل الأطباء إحدى كليتيه والطحال بأكمله، ثم أجريت له عملية ثانية في رئتيه، ولاحقا حين نقل إلى مستشفى الأمل في الناصرية أيضا ، تبين أن الرصاصة الثالثة، اخترقت الحبل الشوكي واستقرت في ظهره.
وتابع قبل يومين خضع أخي لعملية ثالثة، واتضح أنه بات يعاني : بحسب توصيف الأطباء، من شلل سفلي بنسبة 95%.
إلى ذلك أكد أن ما حصل قتل عن سابق تصور وتصميم، مضيفا أخي أصيب وهو هارب ، بسلاح كلاشينكوف، ومسدس، وهو ما لم تجرؤ القوى الأمنية على فعله مع الميليشيات والخارجين عن القانون والعصابات.
دعوى ضد الشرطة والشغب
وردا على سؤال إن كانت العائلة سترفع دعوى وضد من، أكد أنهم تقدموا بدعوى ضد الشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الشغب، والآمر المسؤول عن المجزرة التي حصلت على جسر النصر ، وعلى كافة الضباط والمنتسبين الذين شاركوا في تلك الجريمة، مضيفا "ننتظر الآن فصل القضاء "
أما عن استمرار تظاهرات الناصرية، حتى بعد إقالة المحافظ، الأسبوع الماضي، فأوضح أن الهدف كان الضغط على الكتل السياسية في المحافظة من أجل عدم الاتيان بمحافظ عن طريق المحاصصة، يكون محسوبا على الأحزاب، لا سيما وأن 5 محافظين سابقين منذ تشرين 2019 جيء بهم برغبة وقوة وإرادة الأحزاب، لذا هذه المرة لا يمكن أن يقبل المتظاهرون إلا بشخص يمثلهم، ويجسد إرادتهم وطموحاتهم.
وعن رمزية تلك المدينة التي لم يهدأ هتافها منذ تشرين 2019، فأوضح أن الناصرية من أفقر المناطق في العراق، لا بل أضحت خربة تعاني أسوأ أنواع الاهمال والحرمان من الخدمات، على الرغم من تاريخ الذي يضج بالرموز الثقافية والحضارية ، فضلا عن أن شبانها بلا عمل ولا أمل في المستقبل.
وتابع قائلا: لا توجد مدارس كافية ولا جامعات في محافظة، ربما ثاني أكبر محافظات البلاد من حيث عدد السكان، ناهيك عن أن المنطقة تضم مستشفى واحدة، بنيت في عهد النظام السابق، وهي في حالة يرثى لها، ولم يتغير شي فيها إلا اسمها (كانت تسمى مستشفى صدام حسين)
وأضاف كل تلك الأسباب بالإضافة إلى إرث المدينة الحضاري والثقافي والسياسي، جعل منها قلب الثورة النابض، وقد أطلق عليها اسم آخر معاقل تشرين، لكون صرخات أهلها لم تهدأ ولم ينطفئ حماس شبانها.
أما عند سؤاله عن سر استمرار إطلاق الرصاص على المحتجين على الرغم من أن رئيس الوزراء كان واضحا لجهة منع استخدامه، فقال: "هذه الحكومة لا تختلف بشيء عن سابقاتها ، لجهة الوعود التي أطلقتها ولم يتحقق منها شيء، فحكومة القناصين السابقة بدورها تعهدت بعد إطلاق النار على المتظاهرين لكنها فعلت ذلك مرارا وتكرارا ."
هيمنة الميليشيات
كما أضاف:"هناك سيطرة كبيرة للميليشيات الموالية لإيران على العديد من مفاصل الدولة". وختم قائلاً:" نحن لدينا قوات أمنية يصرف علها الملايين وتدرب على أعلى مستوى، ولكنها لا تمتلك القرار السياسي والحكومي لمواجهة تلك الميليشيات، فالحكومات في البلاد تشكل من أحزاب وتلك الأحزاب نفسها لديها أذرع وميليشيات مسلحة ن ومعروفة بتبعيتها لإيران، لذا تعجز السلطة الرسمية في الدولة عن مواجهة هؤلاء لكها تستقوى على بضعة محتجين فارغي الأيدي يواجهون النار بأجسادهم."