ينهي دونالد ترمب اليوم 4 سنوات من ولاية رئاسية هي الأكثر جدلاً في التاريخ الأميركي، سيتذكرها الجميع لا محالة لما تخللها من إثارة بقدر ما كانت نهايتها دراماتيكية بين أروقة الكابيتول.
لتلك السنوات الأربع التي قضاها ترمب في البيت الأبيض لمستها الخاصة التي كسرت الكثير من القواعد في السياسة الأميركية من نواحٍ عدة.
لكن رياح السياسة كما الاقتصاد لم تجرِ وفق المرجو منها، خاصة في السنة الأخيرة التي عَنونها وباء كورونا، وهذا بدا جلياً في كون الحجج الاقتصادية التي اعتمد عليها ترمب في محاولة إعادة انتخابه، لم تأتِ أكلها، فانحازت الولايات التي تشكل 70% من الناتج المحلي الإجمالي للديمقراطي جو بايدن.
وبغض النظر عن الحالة الخاصة التي مثلها ترمب، فمن الضروري بعد انتهاء ولايته تقييم ما إذا كان الاقتصاد الأميركي قد تحسن وفق سياساته أم لا، منذ أن وعد وصوله لسدة الحكم في 2016 بتعطيل سياسات سلفه باراك أوباما.
من أجل تقييم نتائج سياسات ترمب بشكل صحيح، لا بد من استحضار موقع الاقتصاد الأميركي ومؤشراته الرئيسية في بداية ولايته وفي النقطة التي انتهت عندها.
بالطبع، يجب الأخذ في الاعتبار حقيقة الأمر الواقع الذي فرضه وباء كورونا الذي شوه ملامح معظم المؤشرات الاقتصادية.
الاقتصاد في يد ترمب
إذا وضعنا الأمور في السياق، نجد أنه مع اقتراب نهاية إدارة أوباما الديمقراطية حدث اتجاه نحو التباطؤ في الاقتصاد الأميركي. فبعدما نما في عام 2015 بمعدل 2.9%، سجل نمواً بـ 1.6% فقط في 2016.
لكن هذا الاتجاه سرعان ما انعكس بعد دخول إدارة ترمب، وفي عام 2017، حقق الاقتصاد الأميركي نمواً بنسبة 2.4%، ثم تسارع إلى 2.9% في العام الذي تلاه، أما في 2019 فتراجع نسبياً إلى 2.3%.
هذا النمو تسارع في جزء منه ضمن سياق ارتفاع أسعار الفائدة الذي استمر حتى سبتمبر 2019، بل وصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.9% كحد أقصى في الربع الأخير من 2017. لكن حتى عام 2019، كان متوسط معدل النمو 2.5%، تماشياً مع الاتجاه الموروث.
جزء آخر يعود لسياسة مالية توسعية بشكل خاص، كان لها أثرها البالغ على العجز العام للبلاد. فخلال فترة ولايته، زاد العجز الفيدرالي بشكل مطرد حيث وضعت سياسات ترمب ديون الولايات المتحدة في ذروة مسارها منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن مع استبعاد تأثير فيروس كورونا، فإن التخفيضات الضريبية الهائلة التي أقرها الكونغرس في عام 2017، أضافت بالفعل مئات المليارات من الدولارات إلى العجز.
إذا ما نظرنا إلى الدين الفيدرالي للولايات المتحدة، فسنصل إلى نسبة 98% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الأخيرة، بينما كان في 2019 عند 79%، وعندما دخل ترمب البيت الأبيض كانت النسبة عند 70% فقط. هذا يعني أن ما يقرب من 30% من الديون الأميركية الحكومية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي تراكمت في السنوات الأربع الأخيرة فقط.
وفي عام الوباء، تم الترويج للإنفاق قصير الأجل بحيث وصل العجز الأميركي إلى 3.3 تريليون دولار هذا العام وحده، وهو ما يترجم إلى 16% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. بهذا يكون عجز هذا العام تجاوز العجز السنوي المسجل منذ عام 1945 أي السنة التي سجلت نهاية الحرب العالمية الثانية.
ونتيجة لتداعيات الوباء، ستغلق الولايات المتحدة دفاتر العام المنصرم بانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.3%.
سوق العمل ما قبل كورونا
إذا فحصنا سوق العمل الأميركية، نجد أن معدل البطالة بلغ 6.7% في ديسمبر، بينما كان 4.8% عند وصول ترمب للرئاسة في عام 2017، فقد خلف فيروس كورونا والتباطؤ الاقتصادي نسبة بطالة بلغت 14.7% في أبريل، وهو أعلى مستوى منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات. والآن، عاد معدل البطالة إلى نفس المكان الذي كان فيه قبل أن يتولى باراك أوباما منصبه وسط أزمة مالية شلت الاقتصاد العالمي آنذاك.
لكن في الحقيقة، إذا ما استثنينا تأثير الوباء، فإن عهد ترمب حقق نتائج مبهرة لجهة خلق فرص عمل جديدة. ففي عام 2019، بلغ معدل البطالة 3.5%، وهو أدنى معدل منذ خمسة عقود. وفي الفترة ما بين 2016 و2019، أضاف الاقتصاد أكثر من 7 ملايين وظيفة، متجاوزًا بكثير توقعات كانت تحوم حول 1.9 مليون وظيفة لفترة ولاية ترمب.
من المهم النظر إلى أن معدل البطالة للعديد من الفئات المحرومة تاريخياً قد وصل إلى مستويات منخفضة قياسية في عهد ترمب. وقد بلغ معدل البطالة للأميركيين من أصل أفريقي أدنى مستوى على الإطلاق، بحسب بيانات مكتب العمل التابع للحكومة الأميركية.
وكان تراجع البطالة أحد أصول الحد من الفقر خلال ولاية ترمب، مع مستوى غير مسبوق من الانخفاض. وإذا ما تم التركيز على الفترة 2016-2019، يظهر أنه تم انتشال 6.6 مليون شخص من الفقر، وهو أكبر انخفاض في ثلاث سنوات تلت بدء الرئاسة منذ عام 1964.
لعنة الحرب التجارية
قد يعتقد كثيرون أن بيانات سوق العمل الجيدة ترجع إلى السياسة الحمائية للولايات المتحدة التي تهدف إلى دعم الصناعة التحويلية الوطنية. إلا أن نتائجها كانت متواضعة للغاية من حيث زيادة التوظيف في الولايات المتحدة.
في مارس 2010 (أدنى نقطة بعد أزمة 2008-2009)، بلغ التوظيف الصناعي 11.453 مليون شخص، وعندما وصل ترمب إلى السلطة في 2017، ارتفع هذا الرقم إلى 12.38 مليون ليسجل 12.83 مليون في مارس 2020.
بعبارة أخرى، ظهرت حوالي 400 ألف وظيفة جديدة فقط في قطاع التصنيع في عهد ترمب بحلول ربيع عام 2020.
منذ توليه منصبه، فرض ترمب من جانب واحد العديد من التعريفات الجديدة على الصلب والألمنيوم ومجموعة متنوعة من المنتجات الصينية، مما خلق ضغطًا تصاعديًا على الأسعار في الولايات المتحدة. وبناءً على مستويات الاستيراد لعام 2019، تؤثر الرسوم الجمركية الانتقامية في الولايات المتحدة حالياً على أكثر من 460 مليار دولار من الواردات والصادرات.
وغالباً ما يتحمل المستهلك عبء الرسوم الجمركية، التي تترجم زيادةً في التكاليف السنوية التي يتحملها المستهلكون بحوالي 57 مليار دولار، وهو خطأ تقديري من إدارة ترمب دفع ثمنه الأميركيون.
وفيما كانت الغاية الأولى من حرب التجارة تقليص العجز التجاري الأميركي مع الصين، إلا أن الرهان يبدو خاسراً ومع نهاية ولاية ترمب، سجل الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة رقماً قياسياً وظل أعلى من الفجوة البالغة 254 مليار دولار التي سجلت في عام 2016.
كما أعلنت الصين عن زيادة في الناتج المحلي الإجمالي تفوق 2% في عام 2020، ليكون اقتصادها هو الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي تجنب الانكماش خلال هذه الأزمة.
وبعد الصمود في وجه حرب ترمب التجارية، زادت حصة الصين من التجارة العالمية مع ارتفاع الصادرات المرتبطة بالوباء، حيث تعد الصين بالفعل أكبر مصدر في العالم، مع زيادة الشحنات الصينية بنسبة 3.6% في عام 2020، وفقًا للبيانات الرسمية.
في وقت من المحتمل أن يكون إجمالي التجارة العالمية قد تقلص بنسبة 5.6%، وفقًا لتقديرات هيئة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة unctad.
عموماً، من المتوقع أن يكون الربع الأول من عام 2021 صعباً، فتصاعد الإصابات بفيروس كورونا لا يقتصر تأثيره على الولايات المتحدة فحسب، بل أيضاً على أوروبا والاقتصادات الرئيسية الأخرى. وهذا التراجع في النشاط الاقتصادي سيتبلور في الأسابيع القادمة.
ركود في الأشهر الأولى من رئاسة بايدن؟
في الواقع، بات من المسلم به في "وول ستريت" حدوث ركود في الأشهر الأولى من رئاسة بايدن، بينما يتوقع الاحتياطي الفيدرالي الحفاظ على الاستراتيجية الحالية دون تغيير حتى عام 2023.
وقبل كل ذلك، ثمة وضوح تام لدى الجميع بأن الخطوة الأولى للخروج من الأزمة تتمثل في هزيمة الفيروس.
يقول رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول: "لن يكون التعافي الكامل ممكناً حتى يثق الناس بأن استئناف النشاط الطبيعي آمن".
ومع التوزيع الشامل للقاح يرى الفيدرالي نمواً في الاقتصاد الأميركي بنسبة 4.2% لهذا العام.. لكن لا يزال هناك طريق طويل للخروج من النفق.