مكة المكرمة / المدينة المنورة 24 جمادى الأولى 1442 هـ الموافق 08 يناير 2021 م واس أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بليلة المسلمين بتقوى الله. وقال في خطبة الجمعة اليوم في المسجد الحرام :لمَّا اقتضتْ حِكمةُ أحكم الحاكمين أنْ يجعل في هذه الأرض خليفةً، كبُر ذلك على ملائكتِه لكنَّهم سُرعانَ ما استجابوا لأمر ربِّهم مُطيعين مُسلِّمين؛ فسجدوا كلُّهم أجمعونَ لآدمَ عليه السلام، وأظهرَ إبليسُ مخبوءَ الحسدِ، والكِبْر، فأبى السُّجودَ لهذا المخلوق الطِّينيِّ ومنذ ذلك الحينِ نصبَ عدوُّ اللهِ لبني آدمَ عَداوةَ الأبدِ، ورفع لواءَ الغَواية والفِتنةِ، وأخذ على نفسه العَهدَ أن يتربَّص بهم ويكيدَ لهم وها هو قد جعل من الآدميِّ عدُوًّا له في كلِّ حالٍ، منذ الولادة حتى الموت، لا يدعُ مجالا لإيذائه وإغوائه إلا ركِبه، يتلوُّن له في شتَّى الحِيَل، ويمكرُ به في صورٍ من التَّلبيس، في دأَبٍ لا ينقطع، وعزمٍ لا يخمُد، وطَمَعٍ لا يخبو فأوَّلُ ما يُحاوله من الأذى والكَيد حينَ ولادة الإنسان وخروجه من بطن أمِّه؛ أنْ يطعَنَ في جنبيه بإصبعه؛ فيستهلُّ صارخًا من ذلك؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من بني آدمَ مولودٌ إلا يمَسُّه الشَّيطانُ حينَ يولَد؛ فيستهلُّ صارخًا من مَسِّ الشَّيطانِ غيرَ مريمَ وابنِها». وأضاف يقول : ومن خفيِّ كيدِه ومكره: ما يلقيه إليه من الوَساوسِ المخوِّفة وما يبثُّه في رُوعِه من الخواطرِ المُزعجة: في اليقظة والمنامِ؛ وإذا أرادَ الإنسانُ أنْ يُصلِّيَ؛ أفرطَ الشَّيطانُ عليه بكيدِه وأذاه؛ وذلك أنَّ الصَّلاةَ شعارُ المؤمنِ، وعنوانُ صلاحِه وفلاحِه، وأشرفُ ما فيها السُّجودُ الذي هو غايةُ الذُّلِّ لله تبارك وتعالى، ذلك الذُّلُّ الذي أباهُ إبليسُ في أوَّل أمره، فأرغمه اللهُ وكتب عليه الصَّغارَ والحَسرة، وجعل سجودَ ابنِ آدمَ لربِّه مثارًا لندمه؛ لهذا؛ كانَ له مع الصَّلاة شأنٌ عجيبٌ؛ فإنَّه يحاوِلُ ابتداءً صدَّ الإنسانِ عن فعلها بتثقيلها عليه وصَرْفه عنها بصوارفِ اللَّهو والمعصية. وبين الشيخ بندر بليلة أن من مكايِده في الصلاة أيضًا: أنْ يثبِّطَ عزمَ المؤمنَ عن المبادرة إليها، ويزيِّنَ له التَّراخي عنها وتأخيرَها، ويمنِّيَه بانفساحِ الوقت واتِّساع المُهْلة؛ خداعًا وتلبيسًا، و إيقاعُ الوساوِس فيها وتلبيسُ أمرِها على المُصلِّي، لكي يَسلُبَ منه الخشوعَ الذي هو روحُها ولُبُّها وأعزُّ ما فيها. وأوضح أن للشَّيطانِ سعيًا دؤوبًا في إثارة النِّزاعات وإذكاءِ نار العداوات بين الأحبَّة خاصَّةً الزَّوجين؛ لأنَّ في الأُلفةِ ووفور المودَّة مرضاةَ الربِّ، وصلاحَ الشَّأنِ، ولأنَّ صلاحَ حال الزَّوجين على طاعة الله مؤذنٌ بالفلاحِ، ومن خبيثِ كيده: أنَّه إذا عجَز عن الإفسادِ الأعظمِ، لم ييأسْ ممَّا دونه، بل هو ماضٍ فيه، حريصٌ عليه؛ فإذا عجَز عن إيقاع أهلِ الإيمانِ في الشرك الذي هو أعظمُ مَفسَدةٍ، حرَص على أن يحرِّشَ بينهم بالعداوة والبغضاءِ الحالقةِ للدِّين. وأشار الى أن من عَجيبِ كيدِه ومكرِه: تحسينَ القبيحِ، وتقبيحَ الحسنِ، فيزيِّنُ للإنسانِ فعلَ المعصية ويُزخرفُها في عينيه، حتَّى يراها سلوةً لنفسه وإطلاقًا لبدنه، ويقبِّح عنده فعل الطَّاعات ويثقِّلَها حتَّى يراها عذابًا لروحه ولِجامًا لبدنِه، فيُريَه العِزَّة والجَسارة في العصيان، والذُّلَّ والهوانَ في الطَّاعة، تلبيسًا وخداعًا، ومن هنا؛ فقد زيَّنَ عدوُّ الله لكثيرٍ من بني آدم محبَّةَ التَّعرِّي والكشف عن السَّوءاتِ وما يُستقبح من العورات؛ لإيقاع الفتنة، وإيقادِ نار الشَّهوة، وسَلبِ نورِ الإيمانِ، وهتك جمالِ السِّتر، وتغيير فطرةِ اللهِ وشرعه وأمره، وهو كيدٌ قديمٌ كاد به الأبوينِ حتَّى نزع عنهما لباسَهما. // يتبع //14:04ت م 0035