وقالت صحيفة "الاقتصادية" في افتتاحيتها اليوم التي كانت بعنوان (النفط .. براعة اقتصادية سعودية ) : كان الحديث الذي أجراه الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، ضمن ملتقى الميزانية 2021 تحت عنوان "تحديات أسواق الطاقة" في الرياض عبارة محاضرة اقتصادية تعادل نصوص كتب في علم الاقتصاد، خاصة في قطاع الطاقة. فالمفاهيم الاقتصادية التي ناقشها والعلاقات التشاركية بين الاقتصاد الكلي واقتصاد قطاع الطاقة وبين الصحة، تؤكد أن إدارة الاقتصاد السعودي اليوم تتم بطريقة مدروسة تماما، وتتوافق مع مفاهيم راسخة، تم تطويعها لمصلحة المرحلة الحرجة، وأن المملكة اليوم تقدم للعالم دروسا يجب فهم تطبيقاتها لترجع إليها الأجيال في المستقبل. فكما أشارت "الاقتصادية" في كلمة سابقة لها، فإن جائحة كورونا قد أفرزت تحديات لم تكن النظرية الاقتصادية الحديثة نظرت إليها، وهو ما يراه عدد من الاقتصاديين مثل ميرفين كينج الذي يعمل أستاذا للاقتصاد في جامعات كامبريدج وبرمنجهام في بريطانيا وهارفارد ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، أنه من غير المنطقي معالجة الأزمة الاقتصادية الراهنة وفقا للقواعد الاقتصادية المعهودة في مثل هذه الظروف. وأضافت أن المملكة بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد استطاعت فهم الوضع الاقتصادي الخطير الذي خلفته أزمة انتشار فيروس كورونا منذ بداياتها، فتعاملت المملكة معها بحكمة وحنكة على عكس كثير من دول العالم التي رأتها مجرد أزمة صحية عابرة لن تكون لها أبعاد اقتصادية، وفي هذا يسجل وزير الطاقة للتاريخ أن المملكة كانت من أوائل المحذرين من ضعف الطلب على النفط وخطورة جائحة كورونا على الأسواق. ولفهم هذه المعاني الاقتصادية العميقة التي أشار إليها وزير الطاقة في معرض حديثه عن تحديات أسواق الطاقة، نشير إلى مفهوم حرية السوق الذي كانت معظم دول العالم تراه عقيدة في السوق النفطية العالمية والبعض قد يربط قرار الإنتاج بالحقوق السيادية، غير أن مثل هذا المفهوم الاقتصادي وفي وضع مثل جائحة كورونا لم يكن ليقود السوق إلا للهاوية، فالسوق وفقا للنظرية الاقتصادية النفطية السعودية تدار بالتفاهمات فقط ولا يمكن إخضاعها لمفهوم حرية السوق. ورأت :بالتأكيد كان من الصعب على دول واقتصادات عريقة أن تفهم هذا بسهولة، مثل أيام الكساد الكبير، فإن تغيير القناعات كان يحتاج إلى صدمة هائلة، ففي حديث وزير الطاقة، قال "في البداية لم يكن هناك توافق في أول شهرين من العام بل كان هناك إمعان في التصرف في اتخاذ القرار، وانتهى اجتماع آذار (مارس) دون اتفاق ما يعني أنه ليس هناك قيد على دولة في إنتاج ما تريده". وهذا يؤكد ما ذهب إليه الاقتصادي ميرفين كينج بأن الدول تحاول معالجة نتائج كورونا بالطريقة المعهودة، رغم اختلافها شكلا وموضوعا، فمن الواضح أن حرية السوق والقرار السيادي كان مسيطرا على تفكير الدول المنتجة للنفط دون إدراك كاف لحجم الكارثة الاقتصادية التي حلت مع كورونا، وهذا المفهوم الكارثي قاد الأسواق إلى الانهيار حتى وصلت الأسعار إلى مرحلة حرجة جدا. ففي يوم واحد انخفضت إلى ما دون الصفر، ثم استقرت عند مستوى 19 دولارا، عندها أدرك الجميع حجم التحديات وأن المفاهيم الراهنة لن تعطي حلا للمشكلة، وكان العالم بحاجة إلى قائد اقتصادي جديد وهنا كانت المملكة حاضرة بحلول جذرية للمشكلة. وأردفت :وقد أشار وزير الطاقة السعودي إلى أن أسواق الطاقة كانت أمام خيارات صعبة وفكرة السوق الحرة لا تتناسب معها بل إنها بحاجة إلى منظم، وبينما كانت دول تحارب "أوبك"، وتطالب بإلغائها، كان الحل في توسيع نطاق اتفاق "أوبك +" لضبط الأسواق الذي شاركت فيه دول من خارج المنظمة. لكن هذا الحل يحتاج إلى قائد له حضور وقبول دولي واسع، فكان ولي العهد الذي تمكن من إدارة تداعيات أزمة النفط في ظل الظروف الصعبة وقاد هذا العمل باقتدار وحكمة، وتم إنجاز اتفاق "أوبك +" في نيسان (أبريل) الماضي الذي أنقذ الصناعة البترولية العالمية، رغم صعوبة اللقاءات والعمل عن بعد في تلك الأوقات الصعبة وتمكنت في ثلاثة أيام من جمع دول "أوبك +" وخفض الإنتاج، فارتفع سعر برميل النفط من 19 دولارا في نيسان (أبريل) إلى 51 دولارا حاليا. لم يكن الاتفاق عاديا بكل المقاييس بل هو تاريخي كما وصفه الأمير عبدالعزيز بن سلمان وهو الرجل الأكثر خبرة بتاريخ "أوبك" فلم يحدث توافق من قبل على اتفاقية تتجاوز عاما، بينما الاتفاق هذا لمدة عامين قابلة للتمديد من باب تعزيز مفهوم استقرار السوق، مبينا أن سوق النفط لن تترك دون إجراء التحوط المطلوب. وأبانت :وفي مفهوم اقتصادي أكثر براعة يؤكد وزير الطاقة أنه لا قيمة لأسعار مرتفعة ما دامت حاضنة لأسعار منخفضة في المستقبل، هذه النظرية الاقتصادية تحتاج إلى كثير من التأمل والدراسة والمتابعة الفكرية، فهذه العبارة وردت في حديثه بعدما أكد ضرورة استقرار الأسواق خاصة في قطاع الطاقة. إن ترك السوق للمضاربات أمر خطير عليها، فالسوق التي ترتفع لأسعار قياسية ستعود كذلك إلى انخفاضات قياسية، وهذا تذبذب يربك الاقتصاد العالمي وخطط التنمية، والاستثمارات العالمية في كل القطاعات، وهي نظرية شمولية، فليست محصورة في قطاع الطاقة، بل هي في كل قطاع يواجه مضاربات حادة، وهي غير موجهة للمنتجين بل حتى للمستهلكين فلا يتم الفرح كثيرا بالأسعار المنخفضة قياسيا لأنها ستكون حاضنة لأسعار مرتفعة قياسيا في المستقبل، وهنا تظهر أهم تنبؤات وزير الطاقة بمستقبل مرتفع للأسعار رغم أن "أوبك +" تحاول ضبط الأمور فلا نعود إلى الدائرة نفسها والموجات التي تخلفها. وختمت:فقد أضاف بعد هذا العرض الاقتصادي المبهر قوله "لا نستهدف أسعارا معينة للنفط ولم نذكر ذلك أبدا، وما نهدف إليه بالأساس هو استقرار أسواق النفط العالمية"، مشيرا إلى أن التزام "أوبك +" بالاتفاق الأخير كان الأقوى مقارنة بالاتفاقيات السابقة. وفي ظل هذه المفاهيم الواضحة التي وضعها الأمير عبدالعزيز أمام العالم بشفافية كاملة فإنه يبعث برسالة أكثر أهمية للشعب والعالم بأن المملكة لم تعد رهينة للمراهنات على أسعار النفط. فقد أثبتت أزمة كورونا والميزانية العامة للدولة أننا استطعنا تنويع دخل السعودية وتقلص الاعتماد على إيرادات النفط بشكل كبير وفقا لما تنبأت به رؤية المملكة 2030، فهي النظرية الاقتصادية الأكثر ثباتا حتى الآن، فالدولة اتبعت برامج تطوير شاملة وأصبح لديها برنامج للربط الكهربائي الخليجي وتستهدف تصدير الطاقة للدول العربية وتخطط للوصول إلى أوروبا. // يتبع //07:05ت م 0007