طرح الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية ذات النفوذ الواسع في تونس، مبادرة للحوار الوطني، في شكل خطة إنقاذ تستهدف إخراج البلاد من الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تعيش على وقعها هذه الفترة، واستعادة السلم الإجتماعي.
ومع اقتراب الذكرى العاشرة للثورة التونسية، ارتفعت وتيرة الإحتجاجات الإجتماعية في مختلف مناطق تونس، للمطالبة بالوظائف وبالتنمية وتحسين مستوى الخدمات، وسط دعوات للإنقاذ والتهدئة، قبل الإنزلاق الوضع إلى الأسوأ.
وتبعا ذلك، قال الإتحاد في بيان نشره مساء الثلاثاء، أن مبادرته جاءت مدفوعة بـ"الأزمة غير المسبوقة والخطيرة التي تعيشها البلاد على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والإجتماعية والأمنية والمجتمعية وأزمة التشتت الحزبي والحكم والتنافر الملحوظ بين السلط الثلاثة التي ألقت بضلالها على كل مناحي الحياة وعلى الوضع العام، مما أصبح ينبىء بانفجار اجتماعي قد تكون كلفته باهضة وغير محمودة العواقب".
كما اعتبر أن هذه المبادرة "تشكل أرضية واقعية ومناسبة للخروج من كل هذه الأزمات وتجنيب البلاد مخاطر الإنزلاق نحو الفوضى"، مضيفا إلى أنها "مفتوحة على كل القوى الوطنية التي تؤمن بالدولة المدنية الديمقراية وتنبذ العنف وترفض الإرهاب وتدافع عن السيادة الوطنية ولا تصطف مع الأحلاف الخارجية"، داعيا رئيس البلاد قيس سعيد إلى ضرورة تبني هذه المبادرة والإشراف عليها وتوفير شروط نجاحها.
واقترح اتحاد الشغل في مبادرته أن يشمل الحوار الوطني 3 مجالات، أولها الجانب السياسي، ويتركز أساسا حول تقييم شامل للنظام السياسي وتقييم قانوني الأحزاب والجمعيات في اتجاه مراجعتهما لسدّ الثغرات وتحسين مراقبة مصادر التمويل ومدى انسجام أهدافها وممارساتها مع أحكام الدستور.
وتعرض المبادرة كذلك، تقييم القانون الإنتخابي وتعديله بما يحقّق تماسك الحياة السياسية وتوفير كل ضمانات الممارسة الديمقراطية التي تقطع الطريق أمام المال السياسي الفاسد والجمعيات المشبوهة والتوظيف الإعلامي والتدخّل الخارجي الذي أثبتت تقارير محكمة المحاسبات تأثيراتها السلبية على تغيير نتائج الانتخابات وعلى شفافيتها ونزاهتها، وتطالب بتحييد المرفق القضائي وإصلاحه دفاعا عن استقلاليته وتحقيقا للعدل وفي نفس الوقت استكمال إحداث المحكمة الدستورية بعيدا عن المحاصصة الحزبية.
وتدعو المبادرة إلى تقييم أداء الهيئات الدستورية واستكمال تركيزها وضمان كلّ شروط الحياد فيها وعدم السقوط في تداخل للأدوار والصلاحيات مع مؤسّسات الدولة الأخرى، كما تؤكد على ضرورة الإنطلاق في حوار مجتمعي حول النظام السياسي يتواصل خارج روزنامة الحوار ولا يتقيّد بسقفه الزمني ويمكن أن تكون مخرجاته لاحقة تؤدّي إلى التفكير في تعديل النظام السياسي أو تغييره.
وفي الجانب الاقتصادي، دعت المبادرة الى الإسراع بفتح حوار وطني يؤسّس لمنوال تنموي بديل دامج ومستدام يكرّس العدالة الاجتماعية والجبائيّة والتّوزيع العادل للثّروات، كما شدّدت على أهمية أن يستند الحوار بين الفرقاء، على تقييم واقع الإقتصاد الوطني وتحديد الفرص والمخاطر، وتدقيق المالية العمومية والوقوف نهائيّا على حقيقة الوضع، وأوصت بوجوب التدقيق في أوضاع المؤسّسات العمومية وإصلاحها ودعمها.
وفي المجال الإجتماعي، أكدت مبادرة المنظمة النقابية الأقوى في تونس، على ضرورة معالجة الأوضاع الإجتماعية للفئات الهشة من الشباب الذين ارتفعت في صفوفهم نسب الفقر والبطالة، وإرساء منوال تنموي يقطع مع الحلول الترقيعية والهشاشة.
هذا وتحيط الشكوك بهذه المبادرة ومدى قدرتها في وضع حد للأزمات التي تعيشها البلاد، خاصة أنّها تستثني كتلة "ائتلاف الكرامة" التي يتهمها اتحاد الشغل بتبييض الإرهاب، كما يتمسك الرئيس قيس سعيد بعدم إشراك ما أسماهم بالفاسدين، في إشارة إلى حزب "قلب تونس" الذي يقوده نبيل القروي، فضلا عن أنّ هذه المبادرة تهمّش "حزب النهضة" والبرلمان وتعطي لمؤسسة الرئاسة و لقيس سعيد اليد العليا في هذا الحوار الوطني.