يهدد اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، الذي قاد سعي إيران لامتلاك سلاح نووي على مدى العقدين الماضيين، بشل جهود الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن لإحياء الاتفاق النووي الإيراني قبل أن يتمكن حتى من بدء دبلوماسيته مع طهران، وربما كان هذا هو الهدف الرئيسي للعملية، بحسب مقال تحليلي لصحيفة "نيويورك تايمز" New York Times الأميركية.
ويقول مسؤولو المخابرات، بحسب الصحيفة الأميركية، إن هناك القليل من الشك في أن إسرائيل كانت وراء عملية الاغتيال - فلديها كل السمات المميزة لعملية تم تحديد توقيتها بدقة من قبل الموساد. ولم يفعل الإسرائيليون شيئًا لتبديد هذا الرأي. ولطالما اعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إيران تهديدًا وجوديًا، ووصف العالم المقتول محسن فخري زاده بأنه العدو القومي رقم 1، القادر على صنع سلاح يمكن أن يهدد بلدًا يبلغ عدد سكانه 8 ملايين في انفجار واحد.
ويعتقد نتنياهو أن البرنامج النووي السري مستمر، حتى يوم أمس تحت قيادة فخري زاده، وسيكون غير مقيد بعد عام 2030، عندما تنتهي القيود التي يفرضها الاتفاق النووي على قدرة طهران على إنتاج الكثير من الوقود النووي الذي تريده! وبالنسبة لمنتقدي الصفقة هذا هوعيبها الفادح.
الآن تكمن الإجابة إلى حد كبير في كيفية رد فعل إيران في الأسابيع القليلة المقبلة.
وقال مسؤولون عسكريون أميركيون، السبت، إنهم كانوا يراقبون عن كثب قوات الأمن الإيرانية بعد تعهد إيران بالرد على مقتل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، لكنهم لم يكتشفوا أي تحركات عسكرية أو تحريك لأسلحة إيرانية.
ورفض المسؤولون التعليق على أي مستويات تأهب أميركية مشددة، أو إجراءات إضافية لحماية القوات الأميركية في الشرق الأوسط، مشيرين إلى أن أكثر من 40 ألف جندي في المنطقة في حالة تأهب عالية نسبيًا، وفقا لما أوردته صحيفة "نيويورك تايمز".
لقد تعرضت طهران لثلاث هزات مدمرة للغاية منذ بداية العام: الأولى مقتل الجنرال قاسم سليماني، القائد الإيراني الذي كان يدير فيلق القدس في ضربة بطائرة مسيرة في العراق، حيث قالت إدارة الرئيس دونالد ترمب إنه كان يخطط لشن هجمات على القوات الأميركية.
بعد ذلك، وفي أوائل شهر يوليو، حدث الانفجار الغامض في مركز أبحاث وتطوير أجهزة الطرد المركزي في نطنز، على بعد بضع مئات من الأمتار من مركز إنتاج الوقود تحت الأرض، الذي هاجمته الولايات المتحدة وإسرائيل قبل أكثر من عقد من الزمن بسلاح ألكتروني متطور.
والآن، مقتل العالم النووي فخري زاده، وهو شخصية غامضة غالبًا ما تُوصف بأنها المكافئ الإيراني لروبرت أوبنهايمر العالم الأميركي الذي أشرف على مشروع مانهاتن منذ أكثر من 75 عامًا لتطوير أول سلاح نووي في العالم.
وإذا توقفت إيران عن الانتقام الكبير فإن الخطوة الجريئة لإخراج رئيس البرنامج النووي ستكون قد آتت أكلها، حتى لو دفع الاغتيال البرنامج إلى مزيد من السرية. وإذا انتقم الإيرانيون وأعطوا ترمب ذريعة لشن ضربات عسكرية عليهم قبل أن يترك منصبه في يناير المقبل، فإن بايدن سيرث مشاكل أكبر من مجرد بقايا وثيقة دبلوماسية عمرها 5 سنوات.
لقد أوضح الرئيس المنتخب جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكين أن العودة إلى الصفقة التي انسحب منها ترمب هي أحد أهدافهما الأولى في الشرق الأوسط. ولكن كما قال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي المعين حديثًا، والذي عمل كأحد المبعوثين السريين لبدء المفاوضات التي أدت إلى الصفقة، الأربعاء، في جامعة مينيسوتا: "هذا حقًا متروك لإيران.. إذا عادت إيران إلى الامتثال لالتزاماتها التي تنتهكها، وكانت على استعداد لدفع المفاوضات بحسن نية بشأن الاتفاقيات، فإن بايدن مستعد لفعل الشيء نفسه".
مأزق إيران وخشية من سقوط النظام
وقبل اغتيال فخري زاده، أوضح قادة إيران أن بقاء النظام هو هدفهم الأول، وكانوا حريصين على عدم المخاطرة التي يمكن أن تقلب آمالهم في رفع العقوبات واستعادة الصفقة، بعد انتهاء ولاية ترمب. وبعد مقتل سليماني كان هناك هجوم صاروخي قصير على منشأة أميركية لم يقتل أي جنود أميركيين، كما لم يكن هناك رد فعل حقيقي على الانفجار في نطنز المنسوب أيضًا إلى إسرائيل، وتراجعت الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية في العراق، والتي يشنها وكلاء إيرانيون في الأسابيع الأخيرة.
إلا أن المتشددين غاضبون، ويتصاعد الضغط بالفعل من أجل بعض الردود، إما رد محسوب، على الأرجح بأوامر من المرشد الإيراني علي خامنئي، أو هجوم غير منظم من ميليشيا ترعاها إيران. وقد يكون هذا بالضبط ما يراهن عليه نتنياهو وترمب ومستشاروه. أي انتقام يمكن أن يؤدي إلى عمل عسكري أميركي، وهو بالضبط ما فكر فيه ترمب قبل أسبوعين عندما وردت أنباء عن استمرار إيران في إنتاج الوقود النووي فوق حدود اتفاق 2015.