قطع رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، أمس الشك باليقين، معلناً أنه باق في منصبه على الرغم من إعلانه سابقاً أنه سيرحل في نهاية أكتوبر، نزولاً عند مقتضيات المرحلة التي تعيشها ليبيا، لاسيما مع الأمل في اقتراب التوصل إلى حل برعاية أممية يفتح مرحلة جدية في البلاد الغارقة منذ سنوات في الفوضى.
إلا أن مواقف مسؤولي وقيادات حكومة الوفاق بشأن الحوار الليبي الذي من المنتظر أن تحتضنه تونس في التاسع من نوفمبر المقبل، عكست على مدى الأيام الماضية وجود خلافات حقيقية وأزمة ثقة وشرعية بين أجنحة الوفاق، لا على مستوى جدوى مخرجات الحوار، بل أيضا على مستوى المشاركين فيه، لتجعل من بداية الانطلاق نحو هذا الحوار غير مشجّعة، وهو ما قد يهدد بإجهاض مساعي الأمم المتحدة في تجميع الليبيين حول طاولة واحدة تنتهي بالاتفاق على تشكيل حكومة موحدة، تتولى الإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية تنهي المرحلة الانتقالية في ليبيا .
والمشاركون الـ75 الذين اختارتهم الأمم المتحدة للمشاركة في الحوار، وقالت إنهم يمثلون كل أطياف الشعب الليبي، تضم إضافة إلى ممثلي البرلمان الليبي وعدد من الشخصيات المستقلة، ممثلين من المجلس الأعلى للدولة الموالي لتنظيم الإخوان والمتحالفين معه، ينتظرون المشاركة في الحوار للدفاع عن مواقعهم ووجودهم بالسلطة، لكنهم يواجهون رفضا من قبل تيّار آخر داخل حكومة الوفاق شكّك في شرعية وجدوى مشاركتهم، يتقدمه وزير الدفاع صلاح الدين النمروش وقواته في "بركان الغضب"، التي ترفض الاعتراف بهذا الحوار طالما لا تشارك فيه قيادات "بركان الغضب" وبمخرجاته التي تضمن بقاء قائد الجيش الليبي خليفة حفتر في المشهد، وهو ما يوحي بتضارب قوي بين أجنحة الوفاق حول من يمثلها في الحوار المرتقب.
هجوم على مشاركي الوفاق
وأخرج وزير الدفاع بحكومة الوفاق صلاح الدين النمروش هذه الخلافات إلى العلن، أمس عندما هاجم الشخصيات الممثلة لحكومة الوفاق التي تعتزم المشاركة في الحوار وتدعم التعامل مع قوى الشرق الليبي، ولا ترى مانعا من الاتفاق معها حول تسوية سياسية للأزمة، وقال إنها "تلهث وراء المناصب والمكاسب الشخصية"، كما اتهمها بخيانة دماء الشهداء وبيع القضية، معتبرا أنّهم يبحثون عن "حلول تلفيقية" للأزمة.
ويقود النمروش وقوات "بركان الغضب" تيار حكومة الوفاق الرافض للأسماء المشاركة في الحوار السياسي، والمعارض لأي مخرجات أو نتائج يكون الجيش الليبي ممثلا فيها، ما أثار مخاوف من إمكانية اعتراضهم على أيّ حل سياسي يخرج من الحوار المرتقب، بقوّة السلاح.
استفتاء شعبي
في هذا السياق، اعتبر ما يسمى بـ"ائتلاف القوات المساندة لعملية بركان الغضب" أن الأطراف المشاركة بالحوار السياسي "فاقدة للشرعية ومرفوضة"، وطالب بإنهاء المرحلة الانتقالية وتنظيم استفتاء شعبي على الدستور.
كما أضاف هذا المكوّن الجديد، الذي يجمع ميليشيات من طرابلس موالية لحكومة الوفاق، في بيان هذا الأسبوع "نرفض تمثيل كافة أطراف الحوار الحالية الفاقدة للشرعية والمعايير المجتمعية والتي كانت سببا في ما نحن فيه اليوم من عدم استقرار وتردي الأوضاع، ونستنكر دور عمل البعثة غير المتوازن ونطالبها بالكف عن العبث بمصير الليبيين ونطالبها أيضا بالالتزام بمهامها وفق القوانين الدولية المنظمة لعمل البعثات".
وتعليقا على تلك المواقف، اعتبر المحلل السياسي الليبي أبو يعرب البركي، أن الخلاف والتناقض غير المسبوق بين أجنحة حكومة الوفاق حول الحوار السياسي المرتقب في تونس، يتمحور حول أزمة التمثيل وأعضاء الوفد المشارك في الحوار، حيث ترفض الميليشيات المسلحة وترفع الصوت عاليا ضد الشخصيات التي تم اختيارها لتمثيل الوفاق، والتي ستدافع عن مصالح أطراف أخرى، وتطالب بمشاركة قادتها فيه، بما يتناسب مع ما قدمته من تضحيات في الحرب الأخيرة بالعاصمة طرابلس.
وأضاف في تصريح لـ"العربية.نت"، أن "الميليشيات المسلحة فهمت متأخرا أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه في جنيف لا يخدم مصالحها، فالسلاح هو ذراعها الوحيدة للبقاء في السلطة، وبالتالي ستحاول هذه المجموعات ضمان مشاركتها في الحوار السياسي طمعا في حكومة ضعيفة يستطيعون ترهيبها، خصوصا أنهم استفادوا من الوفاق والأموال الفاسدة التي جمعوها".