حكمُ لُبْسُ الخَاتَمِ :
يختلفُ الحكمُ الشرعي للبسِ الخاتمِ باختلافِ نوعهِ وموضعهِ وتفصيلُ ذلك نوردهُ كما يأتي :
أولاً : التختمُ بالذهبِ :
اتفقُ العلماءُ على جوازِ التختمِ بالذهبِ للنساءِ ، وتحريمِ ذلك على الرجالِ ، و نقل ابنُ عبدِ البرِ – رحمه اللهُ - في " الاستذكار " الإجماعَ على جوازِ التختمِ بالذهبِ للنساءِ ، وأنهُ يحرمُ على الرجالِ .
قال صاحب " الهداية شرح البداية " :" والتختم بالذهب على الرجال حرام " .
قلت : جاءت أحاديث صحيحة في الرخصةِ بلبسِ خاتمِ الذهبِ للرجالِ في أولِ الأمرِ ، ووردت آثارٌ صحيحةٌ عن بعضِ الصحابةِ بلبسِ خاتمِ الذهبِ ، فيحملُ ذلك على أنهُ كان قبل النهي ثم نسخ بهذه الأحاديث .
قال الطحاوي - رحمه الله - في " شرح معاني الآثار (4/262) : " فثبت بهذه الآثار أن خواتيم الذهب قد كان لبسها مباحاً ،ثم نهي عنه بعد ذلك ، فثبت أن ما فيه تحريم لبسها : هو الناسخ لما فيه إباحة لبسها ... ولكن السنة في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن ذلك ،قد حظرت ذلك ، ومنعت منه " .
وقال ابنُ رجبٍ - رحمه الله - في " أحكام لبس الخواتم ( ص 60 ) : " ويحملُ فعلُ من لبسهُ من الصحابةِ على أنهُ لم يبلغهم الناسخ " .
ثانياً : تختمُ الصبي بالذهبِ :
اختلف أهلُ العلمِ في هذه المسألةِ ، فذهب الأحنافُ والمالكيةُ إلى أن تختمَ الصبي الذكرِ بالذهبِ مكروهٌ ، ونقل ابنُ عبدِ البر - رحمه الله - في " الاستذكار " (26/174) الإجماعَ على كراهتهِ فقال : " وكلهم يكرهونهُ لذكورِ الصبيانِ ،لأن الآباءَ متَعبدون فيهم " .
والمعتمدُ عند الشافعيةِ أن الصبي غير البالغِ مثلُ المرأةِ في جوازِ التختمِ بالذهبِ ، وأن للولي تزيينهُ بالحلي من الذهبِ أو الفضةِ ولو في غيرِ عيدٍ [ انظر : حاشية الجمل 2/83 ] ، بينما نص الحنابلةُ على حرمةِ إلباسِ الصبي الذهب ومنه الخاتم [ انظر : الانصاف (1/480) ، شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/292) ] .
ثالثاً : التختمُ بالفضةِ :
اتفق الفقهاءُ على جوازِ تختمِ المرأةِ بالفضةِ أما الرجلُ فعلى التفصيلِ الآتي :
- ذهب الأحنافُ إلى أن التختمَ بالفضةِ سنةٌ لمن يحتاجُ إليه كالسلطانِ أو القاضي ، وتركهُ أفضلُ لمن لم يكن محتاجاً إليه [ انظر : البناية (11/133) ] ، بينما يرى المالكيةُ أنهُ لا بأس بالخاتمِ من الفضةِ بل يستحبُ بشرطِ قصدِ الاقتداءِ برسولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - ولا يجوزُ لبسهُ عُجباً ومباهاةً ونحوهما .
قال الشيخُ عليش المالكي - رحمه اللهُ - في " منح الجليل " (1/58) : " فيجوزُ لبسهُ - أي خاتم الفضة - للذكرِ البالغِ إن قصدَ به الاقتداءَ بالنبي - صلى اللهُ عليه وسلم - وكان واحداً ووزنهُ درهمين شرعيين أو أقل وإلا حرم ، وإن استوفى الشروطَ ندب " ، ويري الشافعية أنه يسن للرجل لبس الخاتم من الفضة سواء من له ولاية أم من ليس له ولاية [ انظر : مغني المحتاج (1/579) ] .
وذهب الحنابلةُ في الصحيحِ من المذهبِ إلى أن اتخاذَ الفضةِ للرجالِ مباحٌ وليس مستحباً ، كما جزم به المرداوي - رحمه اللهُ - في " الإنصاف " (3/142) فقال : " اتخاذُ الفضةِ للرجلِ مباحٌ على الصحيحِ من المذهبِ وعليه أكثرُ الأصحابِ " .
الراجحُ في هذه المسألةِ :
لبسُ خاتمِ الفضةِ للرجالِ مباحٌ وليس سنةً ، والأدلةُ على ذلك ما يلي :
- إن النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - لم يلبس الخاتم حتى قيل له : إن الملوكَ لا يقبلون كتاباً إلا مختوماً فاتخذ الخاتمَ ، كما في الصحيحين من حديث أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ ، فَقِيلَ : " إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٍ " ، فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا حَلْقَتُهُ فِضَّةً ، وَنَقَشَ فِيهِ : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " . [ البخاري (5872) ، ومسلم (2092) واللفظُ له ] .
- أفعالُ النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - التي لم يدل دليلٌ على أنهُ قصد بها القربةَ فلا يندبُ فعلها ، وأما قوله تعالى : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " [ الأحزاب : 21 ] فتأويلها أنهُ يجبُ علينا متابعةُ قصدِ النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - فإن قصدَ الإباحةَ لا يجوز لنا أن نقصدَ الطاعةَ والتقربَ ، فنخالفهُ في قصدهِ وندعي أننا تابعناه وأتسينا به ، فما فعلهُ - صلى اللهُ عليه وسلم - بحكمِ الاتفاقِ ولم يقصدهُ مثل أن ينزلَ بمكانٍ ما ويصلي فيه ، لكونه نزله لا قصداً منه لتخصيصهِ بالصلاةِ والنزولِ فيه ، فمن نزل وخصص ذلك المكانَ بالصلاةِ لا يكونُ متأسياً به - صلى اللهُ عليه وسلم - لأنه لم يقصد ذلك المكانَ بالعبادةِ .
- عدمُ وجودِ القرينةِ التي تدلُ على أن لبسَ النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - للخاتمِ كان على وجهِ القربةِ والطاعةِ ، فلبسُ الخاتمِ مباحٌ ليس بمستحبٍ ، وهذا ينطبقُ على رفضهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - التنشيف من الغسلِ بالمنديلِ ونفضه الماء بيده ، واستعمالهِ آنيةً معينةً في الوضوءِ ، وأكلهِ من كبدِ أضحيتهِ يوم عيد الأضحى ، وذهابهِ إلى عرفة من طريق ضب ، ورجوعهِ من طريق المأزمين ، وركوبه أثناء الطواف والسعي والوقوف ، وكونُ الركوب في تلك المواضع على بعيرٍ ، والتفاته بالصلاة وقت الخطرِ ، وسيرهِ فيها حتى فتح البابَ لعائشةَ ، وإشارته بيده ليرد السلام ، واختيارهِ ما أكله وشربه أثناء حجه ، ونزوله في خيمةٍ حينذاك ونحوه ، فكلُ ذلك يدلُ على الإباحةِ فقط ، ولا قدوة فيه ولا استحباب .
- من قال باستحبابِ لبسِ خاتمِ الفضةِ يلزمهُ القول بأن لبسَ الرداءِ والإزارِ مستحبٌ ، وهو الأفضلُ لكلِ أحدٍ أن يرتدي ويأتزر ولو مع القميصِ ، وكذلك لبسُ العمامةِ والنعالِ السبتيةِ ، فالنبي - صلى اللهُ عليه وسلم - لم يقصد القربةَ في هذهِ الأفعالِ ، فيحمل لبسه - صلى اللهُ عليه وسلم - للخاتمِ على الإباحةِ في حقهِ وحقِ أمتهِ .
رابعاً : التختمُ بالمعادنِ الثمينةِ كاليواقيتِ أو اللآلئ للرجالِ :
نقل النووي – رحمه الله - في " المجموع " (4/466) عن الشافعي – رحمه الله - قوله : " قَالَ فِي الْأُمِّ : وَلَا أَكْرَهُ لِلرِّجَالِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ ، وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ ، ولا أكره لبس ياقوت أو زبرجد إلا من جهة السرف والخيلاء " ، هذا نصه , وكذا نقله الأصحاب واتفقوا على أنه لا يحرم" .
وقال الشلبي الحنفي في " حاشيته على تبيين الحقائق " (6/15-16) : " نقل صاحب الأجناس لا بأس للرجل أن يتخذ خاتما من فضة فصه منه , وإن جعل فصه من جزع أو عقيق أو فيروزج أو ياقوت أو زمرد فلا بأس" .
وقال ابن حزم - رحمه الله - في " المحلى " (10/86) مسألة 1920 : " والتحلي بالفضة , واللؤلؤ , والياقوت , والزمرد : حلال في كل شيء للرجال والنساء "
وقال ابن مفلح – رحمه الله - في " الفروع " (2/480) : " وللرجل والمرأة التحلي بالجوهر ونحوه . ..واختلفوا في ذلك للرجال , إلا في الخاتم فإنهم اتفقوا على أن التختم لهم بجميع الأحجار مباح من الياقوت وغيره " .
وقال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - في " المنتقى " (5/336) : " أما الخاتم من غير الذهب من الفضة أو غيرها من أنواع المعادن فيجوز للرجل أن يلبسه، ولو كان من المعادن الثمينة " .
خامساً : حكمُ لبسِ خاتمِ الحديدِ :
اختلف أهلُ العلمِ في هذه المسألةِ على التفصيلِ الآتي :
يرى الأحنافُ أن التختمَ بالحديدِ محرمٌ في حقِ الرجالِ والنساءِ ، جاء في " الجوهرة النيرة " (2/381) ، وفي " الهداية مع تكملة شرح القدير " (10/22) : " وفي الجامع الصغير : ولا يتختم إلا بالفضة وهذا نص على أن التختم بالحجر والحديد والصفر حرام " .
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله - في " فتاوى إسلامية " (4/255) : " لا حرج في لبسِ الحديدِ من الساعةِ والخاتمِ لما ثبت عن النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - في الصحيحين أنه قال للخاطب : " الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ " أما ما يروى عنه - صلى الله عليه وسلم - في التنفيرِ من ذلك فشاذٌ مخالفٌ لهذا الحديثِ الصحيحِ " .
سادساً : حكمُ التختمِ في اليمينِ أو اليسارِ :
يجوزُ التختمُ في اليمينِ أو اليسارِ ، فقد ثبت : " أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَلْبَس خَاتَمه فِي يَمِينه " رواهُ أبو داود في السننِ وإسنادهُ على شرطِ الشيخين [ راجع إرواء الغليل (3/2989 و 302) ] ، كما ثبت " كَانَ الْحَسَن وَالْحُسَيْن يَتَخَتَّمَانِ فِي يَسَارهمَا " [ رواه الترمذي (1743) ، وإسناده صحيح ] .
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في " مختصر الشمائل المحمدية " (ص 63) : " وهذه الأحاديث تدل على أن الغالب هو تختم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – باليمين وهذا لا يمنع جواز التختم باليسار كما ثبت في بعض الأحاديث " .
سابعاً : حكمُ التختمِ في السبابةِ أو الوسطى :
أخرج الإمامُ مسلمٌ في صحيحهِ (2078) من حديثِ علي - رضي الله عنه - : " نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي إِصْبَعِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ ، قَالَ : " فَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى ، وَالَّتِي تَلِيهَا " ، وبوب الإمامُ النووي - رحمه الله - باباً فقال : " باب النهي عن التختم في الوسطى والتي تليها " فقال في " شرح مسلم " (14/71) : " وَيُكْرَه لِلرَّجُلِ جَعْله فِي الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا لِهَذَا الْحَدِيث , وَهِيَ كَرَاهَة تَنْزِيه " .
وقال أبو العباس القرطبي - رحمه الله - في " المفهم " (5/414) : " ولو تختم في البنصر لم يكن ممنوعا ، وإنما الذي نهي عنه في حديث علي - رضي الله عنه - الوسطى والتي تليها من جهة الإبهام ، وهي التي تسمى المسبحة ، والسبابة " .
وذهب الإمامُ ابنُ حزمٍ - رحمهُ اللهُ - إلى حرمةِ التختمِ بالسبابةِ والوسطى فقال في " المحلى " (4/50) بعد أن ساقَ حديث علي - رضي الله عنه - : " وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ صَلَّى مُتَخَتِّمًا فِي إصْبَعٍ نُهِيَ عَنْ التَّخَتُّمِ فِيهَا وَبَيْنَ مَنْ صَلَّى لَابِسَ حَرِيرٍ أَوْ عَلَى حَالٍ مُحَرَّمَةٍ ، لِأَنَّ كُلَّهُمْ قَدْ فَعَلَ فِي الصَّلَاةِ فِعْلًا نُهِيَ عَنْهُ " .
قلتُ : ما ذهب إليه الإمامُ ابنُ حزم - رحمهُ اللهُ - في حرمةِ التختمِ في السبابةِ أو الوسطى هو الصوابُ ، لأن الأصلَ في النهي الحرمةُ ما لم تأتِ قرينةٌ تصرفهُ من الحرمةِ إلى حكمٍ آخر ، واللهُ تعالى أعلم .
ثامناً : وزنُ خاتمِ الرجلِ :
اختلف الفقهاءُ في الوزنِ المباحِ لخاتمِ الرجلِ ، فعند الحنفيةِ لا يزيدُ الرجلُ خاتمهُ عن مثقال ، وقال المالكيةُ : يجوزُ للذكرِ لبسُ خاتمِ الفضةِ إن كان وزنُهُ درهمين شرعيين أو أقل ، فإن زادَ عن درهمين حرم . [ انظر : رد المحتار 5/229-230 ، جواهر الإكليل 1/10 ] .
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في " آداب الزفاف " ( ص 150 ) : " وفي هذا الحديثِ - أي قوله : فاتخذ خاتماً من ورقٍ - أيضاً جوازُ اتخاذِ خاتمِ الفضةِ ، وإطلاقه يقتضي إباحته ولو كان أكثرَ من مثقالٍ ،وأما حديث " ولا تتمه مثقالاً " فضعيف " .
تاسعاً : عددُ خواتمِ الرجلِ :
ذهب المالكيةُ إلى أنهُ لا يباحُ للرجلِ أكثر من خاتمٍ واحدٍ ، فإن تعدد الخاتمُ حرم ولو كان في حدودِ الوزنِ المباحِ شرعاً .
وقال البهوتي الحنبلي في " كشاف القناع " (2/238) مقرراً مذهبَ الحنابلةِ في هذه المسألةِ : " وَلَوْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ عِدَّةَ خَوَاتِيمَ أَوْ مَنَاطِقَ وَنَحْوِهَا فَالْأَظْهَرُ جَوَازُهُ " .
عاشراً : النقشُ على الخاتمِ :
اتفق الفقهاءُ على جوازِ النقشِ على الخاتمِ ، وعلى أنهُ يجوزُ نقشُ اسمِ صاحبِ الخاتمِ عليه [ انظر : الموسوعة الفقهية (11/28) ] ، واختلفوا في تفاصيلِ ذلك وهي كما يأتي :
مسألة : هل يجوزُ نقشُ لفظِ الجلالةِ أو ألفاظِ الذكرِ ؟
قال الحنفيةُ والمالكيةُ والشافعيةُ : يجوزُ أن ينقشَ لفظُ الجلالةِ أو ألفاظُ الذكرِ على الخاتمِ [ انظر : رد المحتار (5/230) ، حاشية الخرشي (1/184) ، المجموع (4/463) ] .
إن نقشَ على الخاتمِ صورةَ حيوانٍ لم يجز للنصوصِ الثابتةِ المستفيضةِ في تحريمِ التصويرِ .
قال الشيخ الرحيباني الحنبلي - رحمه الله - في " مطالب أولي النهى " (2/95) : " ( وحرم نقش صورة حيوان) على الخاتم (ولبسه بها) أي : الصورة كالثوب المصور " ، وإلى هذا ذهب الأحنافُ ولكنهم قالوا: لا بأس في نقش ذي الروح إن كان صغيراً بحيث لا يبصر عن بعد .
ذهب الفقهاءُ إلى أنهُ يجوزُ أن يكونَ لخاتمِ الرجلِ المباحِ فصٌ من مادتهِ الفضيةِ ، وفصُ الخاتمِ تارةً يكونُ منه ، وتارةً من غيرهِ فإن كان منه ، وكان الخاتمُ فضةً فهو مباحٌ ، فإن أنساً روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ " أخرجهُ البخاري .
واختلفوا فيما لو كان الفصُ من الموادِ الأخرى على التفصيلِ الآتي :
إن كان الفصُ من ذهبٍ وكان يسيراً ففيه قولان :
- أحدهما : التحريمُ ، وهو قولُ المالكيةِ والشافعيةِ واختيار القاضي وأبي الخطاب من الحنابلة [ انظر : كتاب الخواتم لابن رجب 82 ] لعمومِ قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم - : " هَذَانِ حَرَام عَلَى ذُكُور أُمَّتِي حِلّ لِإِنَاثِهَا "أخرجه أبو داود (4/50 ) .
- القولُ الثاني : الإباحةُ : وهو قولُ أبي حنيفةَ ومالك وظاهر كلامِ الإمامِ أحمدَ واختارهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ .
واستدلوا بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه : " نَهَى عَنْ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا " [ أبو داود 4/67-68 وقال الألباني في " آداب الزفاف " ( ص163 ) : " إسناده صحيح " ] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - في " الفتاوى " (21/82) : " وَفِي يَسِيرِ الذَّهَبِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ عَنْ أَحْمَد أَقْوَالٌ :
قلتُ : وهذا القول اختاره الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في " الشرح الممتع " (6/125) .
اثنا عشر : تحريكُ الخاتمِ في الوضوءِ أو الغسلِ :
المتوضأُ أو المغتسلُ إذا كان في يدهِ خاتمٌ فله حالتان :
- إحداهما : أن يكونَ الخاتمُ ضيقاً بحيثُ يشكُ وصولُ الماءِ إلى ما تحتهُ أو يغلبُ على الظنِ ذلك ، فهنا ذهب جمهورُ أهلِ العلمِ من الأحنافِ والشافعيةِ والحنابلةِ إلى وجوبِ تحريكِ الخاتمِ أثناء غسل اليدِ في الوضوءِ أو الغسلِ .
وخالف المالكيةُ في ذلك وقالوا: " لا يجبُ تحريكهُ ولو كان ضيقاً " .
قلتُ : والصوابُ : هو ما ذهب إليه الجمهورُ ، لأنهُ يجبُ إزالةُ جميعِ ما يمنعُ وصول الماء إلى البشرة .
قال ابن قدامة في " المغني " (1/153) : " وَإِذَا شَكَّ فِي وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ وَجَبَ تَحْرِيكُهُ ؛ لِيَتَيَقَّنَ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُصُولِهِ " . والله تعالى أعلم .
- الحالة الثانية : أن يكونَ الخاتمُ واسعاً بحيثُ يبلُ الماءُ ما تحته بدون تحريكٍ ، فذهب جمهورُ الفقهاءِ من الحنفيةِ والشافعيةِ والحنابلةِ استحبابهُ .
الثالث عشر : نزعُ الخاتمِ في التيممِ :
ذهب الجمهورُ - المالكيةُ والشافعيةُ والحنابلةُ - إلى أنهُ يجبُ على من يريدُ التيممَ نزع خاتمهِ ليصل الترابُ إلى ما تحته عند المسحِ ، ولا يكفي تحريكُ الخاتمِ ، لأن الترابَ لا يسري إلى ما تحت الخاتمِ بخلافِ الماءِ في الوضوءِ .