"الوضع لم يعد يطاق".. بهذه العبارات توجه 100 قيادي من حركة النهضة برسالة إلى رئيسها راشد الغنوشي، كشفوا فيها عن مناورات وضغوطات يقوم بها للبقاء في منصبه لولاية أخرى، وتحدثوا فيها عن تدهور أوضاع البيت الداخلي للحزب وانقسامه إلى شقين، أحدهما مؤيد لبقاء الغنوشي وآخر معارض.
وقال القياديون المعارضون للغنوشي، إن السبب في توجيه هذه الرسالة يعود إلى "ما وقفنا عليه من سعي رئيس الحركة راشد الغنوشي إلى التمديد وتغيير القانون الأساسي للحركة والتمطيط وتأخير البدء في الإعداد للمؤتمر الحادي عشر الذي تم تجاوز موعده المحدد بسبب الدحرجة التي اعتمدها الغنوشي حتى إنه أعلن عن رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية 2024".
وأكد باعثو الرسالة التي انفردت بنشرها إذاعة "موزاييك" الخاصة، اليوم الأربعاء، على موقعها الإلكتروني، أن "الوضع داخل حركة النهضة تفاقم وآل إلى ترد مخيف وتدهور لم يسبق أن بلغته الحركة في كامل تاريخها، بسبب عدم تجاوب رئيسها راشد الغنوشي مع المطالب التي تدعوه إلى احترام القانون وتنقية المناخات الداخلية وتدارك وضع الحركة وأداء دوره وواجبه في توحيد الصفوف".
وشدّد باعثو الرسالة على ضرورة الامتناع عن تغيير القانون الداخلي للنهضة الذي ينص على عهدتين فقط لرئاسة الحركة، والذي سعى الغنوشي إلى تنقيحه في المؤتمرين السابقين بأي أسلوب كان، من أجل الذهاب إلى المؤتمر القادم بكل السلاسة التي وضعها القانون.
وأشاد معارضو الغنوشي بإيجابيات التداول على رئاسة الحركة، وقالوا إن "اسمها كاد يتماهى مع اسم رئيسها راشد الغنوشي"، معتبرين أن هذا التماهي "مضر بالجميع"، مشدّدين على أنه "لا يعقل أن يختزل كيانا ثريا وتاريخا أثريا في اسم".
واتهم الموقعون على هذه الرسالة راشد الغنوشي بهرسلة القياديين المعارضين له وتشويه سمعتهم، من خلال إقصاء أعضاء التنف?ذي الذ?ن أمضوا على الرسالة وتغ??بھم عن اجتماعات المكتب التنف?ذي ثم العدول عن ھذا التصرف، واتهامهم بـ"الانقلاب??ن" وتشب?ھهم بـ"العساكر والقول بالزعامة التي تعلو على القانون وتُستثنى منها"، إضافة إلى الضغط على النواب الذين وقعوا على الرسالة وإحراجهم وهرسلة الكتاب العامين وإقالة أحدهم دون وجه حق.
وهذه الرسالة، هي امتداد لرسالة أخرى وجهها القياديون للغنوشي الشهر الماضي، دعوه فيها إلى الترشح لرئاسة الحركة في المؤتمر القادم المرتقب عقده قبل نهاية العام الحالي.
ومؤخرا، اتسعت جبهة المعارضة من داخل النهضة لبقاء الغنوشي على رأسها، وعلت الأصوات التي تدعو لاستبعاده من هذا المنصب وعدم تمديد ولايته لفترة ثالثة، في خطوة تدلّ على تصاعد حالة الرفض والاختناق الناجمة عن طموحات الغنوشي الذي عمّر طويلا في قيادتها، وهو ما يفتح الباب أمام تصعيد مرتقب داخل النهضة.
ويواجه الغنوشي انتقادات كبيرة داخل حزبه واتهامات باحتكار الحزب وتمويلاته والتفرّد بالرأي من قبل قيادات معارضة له باتت تشكل أغلبية بالحركة، وتدعوه إلى التنحي عن منصبه واحترام النظام الداخلي للحزب.
وبدأت تحركات الإطاحة بالغنوشي داخل النهضة منذ شهر مايو الماضي، عندما طالبت مجموعةٌ من قيادات الصف الأول للحركة أطلقت على نفسها مجموعة "الوحدة والتجديد" بضمان التداول القيادي في الحركة، بما يسمح بتجديد نخبها وذلك وفق مقتضيات نظامها الأساسي والأعراف الديمقراطية وسلطة المؤسسات.
ضمّت المجموعة آنذاك، كلا من رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني، ومسؤول مكتب العلاقات الخارجية رفيق عبد السلام (صهر الغنوشي)، ومسؤول المكتب السياسي نور الدين العرباوي، ومسؤول مكتب الانتخابات محسن النويشي، ونائب رئيس مجلس الشورى مختار اللموشي، ومسؤول مكتب المهجر فخر الدين شليق، ونائب رئيس مكتب العلاقات الخارجية سهيل الشابي، ومسؤول المكتب النقابي محمد القلوي، وآخرين.
وتعد مسألة انتخاب رئيس جديد للحركة في المؤتمر القادم المتوقع عقده قبل نهاية العام الحالي، من أكثر المسائل الخلافية داخل حركة النهضة التي انقسمت إلى تيارين، أحدهما يرى في بقاء الغنوشي ضرورة ملحة لاستقرار الحزب في هذا الظرف المتوتر الذي تشهده الساحة السياسية الداخلية والإقليمية، وجبهة معارضة تدعو إلى تغييره وضخ دماء جديدة في الحركة.
وعلى إيقاع معركة خلافة الغنوشي، شهدت النهضة نزيف استقالات في الأشهر الماضية، احتجاجا على تسلّط الغنوشي واحتكاره للقرار وانفراده بالرأي، أبرزها استقالة الرجل الثاني للحركة ونائب رئيسها عبد الفتاح مورو، وقائدها التاريخي عبدالحميد الجلاصي وأمينها العام زياد العذاري، وقبله رياض الشعيبي وزبير الشهودي وحمادي الجبالي، فضلا عن استقالة قيادات شبابية، مثل زياد بومخلة وهشام العريض، وهي الاستقالات التي عكست حالة الانقسام والتشتت والتصدّع الذي تعيشه الحركة هذه الفترة، وسط توقعات باستمرار نزيف الاستقالات في صورة تمسك الغنوشي بالبقاء على رأس الحزب لفترة أخرى.