سلطت دراسة صادرة عن معهد "رصانة" للدراسات الإيرانية، الضوء على الخطر الذي يشكله برنامج إيران الصاروخي، عسكرياً واقتصادياً على المنطقة والعالم.
وركزت الدراسة التي جاءت تحت عنوان "برنامج إيران الصاروخي.. من العقيدة إلى الانتشار"، على عقيدة إيران العسكرية وتبنيها نهج المواجهة في الفضاء الإقليمي، في ظلِّ محافظة النظام الثيوقراطي على قبضته في السلطة.
كما استعرضت تشكيلةً من الصواريخ الباليستية وصواريخ "كروز" المتنوعة التي تمتلكها إيران، ويجري تطويرها باستمرار لتكون جاهزةً لحمل الرؤوس النوويّة.
وأكدت الدراسة أن "الاستراتيجية العسكرية الإيرانية تركز على مكونات جيوسياسية، من ضمنها إعاقة الوصول إلى مضيق هرمز"، مشيرة إلى تدريبات إيران باستهداف نماذج "تشبيهية" لحاملات طائرات وسفنٍ أميركية.
برنامج مبهم
وأشارت الدراسة إلى برنامج الفضاء الإيراني الذي وصفته بـ "المبهم" وقالت إنه " لا يختلفُ عن برنامجها النووي ذي البُعد العسكري الذي تنكره، وتسعى إلى تطويره بتعاملها في السوق السوداء مع كياناتٍ ودولٍ تلتف على العقوبات الأميركية".
وتشير الدراسة إلى أن استراتيجية "الدفاع الأمامية" تعتمد على "استغلال ضعف خصومها في إيجاد حلول فعّالة من حيث التكلفة لحماية ووقاية أراضيها من الهجمات المحتملة".
العقيدة الهجينة
وذكرت أنّ عقيدة الدفاع الإيرانية يمكن أن توصف بـ "العقيدة الهجينة" التي "تمزج جميع أدوات القوة والإكراه بأسلوب التفاعل بين الأنماط النظامية وغير النظامية للقتال الحربي، مع إبقاء أراضيها بعيدة عن الصراع نفسه".
وأضافت أن "حالة الضعف المعترف بها تدفع إيران إلى إنشاء منطقة رمادية للقيام بعملياتها العسكرية وبسط نفوذها دون الدخول في حرب، لكن اعتمادها على القوة الصاروخية قد يجعلها تواجه أعلى درجات التصعيد وترزح تحت طائلة عقوباتٍ شديدةٍ، فقد نجحت في إدارة التهديدات باستخدام الصواريخ من خلال وكلائها في لبنان والعراق واليمن، ولكن أصبح من الصعب عليها الاستمرار في سياسة الإنكار".
كما نوهت إلى أنه "قبل اندلاع ما أُطلق عليه أحداث الربيع العربي، اتخذت إيران عقيدة الدفاع الفسيفسائي" التي أرستها منذ عام 2005 وهي قائمة -شأن العقيدة العسكرية التقليدية- على تكتيكٍ غير منتظم، يعتمد في الأساس على نهج الكرِّ والفرِّ واستنزاف الخصم"، وفق ما جاء في الدراسة.
الصواريخ
وقالت الدراسة أن إيران تتميز من بين الدول بامتلاكها مجموعةً واسعةً من الصواريخ التي يجري تطويرها باستمرار مع صعوبة شراء طائرات مقاتلة جديدة مع لجوئها إلى صنع الطائرات المُسيّرة واستخدامها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
وأكدت أن طهران تعمل على تطوير قدراتها المحلية في مجالات الصواريخ الباليستية وصواريخ «كروز» والطائرات دون طيار، وذلك في ظلّ القيود المفروضة على استيراد طهران للأسلحة بسبب العقوبات التي جعلتها معزولةً عن التكنولوجيا، كما قيدتها بسقفٍ محددٍ من الميزانية العسكرية، وبالتالي ليس عليها الاستفادة المثلى من المنصات أو الأنظمة الموجودة في ترسانة الأسلحة فحسب، بل أيضًا التركيز على الإنتاج المحلي".
وأضافت أن "اقتناء إيران صواريخ صينية وكورية شمالية وروسية الأصل وتعديل قدرتها على حمل الوقود أو نوعه وحمولته، وما إلى ذلك، خطوة متقدمة تمكنها من ضرب أهداف معينة في المنطقة".
واستعرضت الدراسة حصول إيران علي مختلف الصواريخ منذ عهد الشاه وحتى السنوات الأخيرة عندما رفعت طهران الستار عن صاروخ «رعد-500» الباليستي قصير المدى في 09 فبراير2020م.
وقبل ذلك بشهر، أطلقت إيران 16 صاروخًا من صواريخ «فتح» و«قيام» على قاعدتين تستضيفان القوات الأميركية في العراق، أصابت منها ستة صواريخ أهدافها بدقة، بينما فشلت أربعة، كما جاء في التقرير.
ووفقا للدراسة، فإن تعدُّد أنواع الصواريخ الإيرانية من نفس المدى والحمولة ونوع الوقود جعل المحللين العسكريين يغرقون في حيرة، فإيران تُجري تعديلات طفيفة أو تغييرات في الحمولة ثم تعطي القذيفة اسمًا جديدًا".
وشملت الصواريخ البارزة الأخرى التي اختُبرت صاروخ «شهاب-3» الباليستي متوسط المدى، وصاروخ «قيام» الباليستي قصير المدى، وصاروخ «ذو الفقار» الباليستي قصير المدى. وعلى الرغم من أنّ صاروخ كروز «سومار» حلَّق لمدى 600 كلم خلال اختبار أُجري في فبراير 2017م، لكن يُقال إنّه قادر على حمل أسلحة نووية إلى مدى يتراوح بين 2000 إلى 3000 كلم اعتمادًا على وزن الحمولة، بحسب الدراسة.
الرؤوس الحربية النووية
هذا وسلطت الدراسة الضوء على محاولات إيران للحصول على صنع رؤوس نووية للصواريخ بعيدة، مستشهدة بتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرّية في فبراير 2010م والذي يفيد بأنّ طهران ربما عملت على تصميم رأس حربيّ للصواريخ الباليستية النووية.
وكانت المحاولة على الأرجح تهدف إلى هندسة هياكل الصواريخ ودراسات «التصميم والنمذجة الحاسوبية» التي تركز على إنتاج تصميمٍ جديد للرأس الحربي الصاروخي، وفق ما أشارت الوكالة، في نوفمبر من العام التالي (2011م)، إلى أنّه وفقًا للمشروع رقم 111 يُعتقد أنّ إيران عملت على نشر حمولةٍ جديدة على صاروخها الأساسي «شهاب-3» تضمنت حزمتها مكونات شديدة الانفجار خاصة بجهاز تفجير داخليّ".
قدرات الدفاع الجوي
وتطرقت الدراسة الى استمرار إيران بمحاولاتها لتطوير قدرات الدفاع الجوي من خلال نظام الدفاع الجوي «باور-373» الذي كشفت عنه في أغسطس 2019م، وذكرت أنّه متفوِّق على نظام «إس-300» الروسي ومماثل لنظام «إس-400» في بعض الجوانب.
كما أشارت إلى أنه منذ إسقاطها الطائرة الأميركية المسيّرة «آر كيو-170» في 05 ديسمبر 2011م، كانت إيران تطمح إلى تحقيق مزيد من هذه العمليات بإسقاط أهداف الاستطلاع الأجنبية العديدة التي تُحلِّق فوق مجالها الجوي.
لكن الدراسة أن اعتبرت أن " تصوُّر التهديد على أرض الواقع إيران في الطرف المتلقّي له، إذ إنّ قوّتها الجوّية متهالكة وقد عفا عليها الزمن. ومن الناحية التكنولوجية، تعتبر أنظمتها أقلّ شأنًا أيضًا، فبالنسبة إلى سلسلة «صياد» والصواريخ المضادة للسفن وأنظمة الرادار، فإنّ طهران مدينة بكثير لبكين التي نقلت إليها التكنولوجيا خلال التسعينيات، ودرّبت القوى العاملة الإيرانية على الهندسة العكسية وإنتاج المعدّات العسكرية".
وأشارت الدراسة إلى أن "إيران ستبقى في وضع الحرب التقليدية في حالة دفاع، أمّا دول الخليج فمِن المرجَّح أن تستثمر الصراع لتثبيط القدرات الهجومية الإيرانية وأنظمتها من الإنذار المُبكّر وقوّاتها الجوية".
مضيق هرمز
إلى ذلك، ذكرت دراسة معهد "رصانة" للدراسات الايرانية، أن تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز في حالة نشوب حرب، ومنعِ حركة الملاحة في المضيق، " تبقى جزءًا أساسيًّا في استراتيجيتها في التهديدِ وبثِّ عدم الاستقرار، لكن فاتورة هذه الخطوة ستكون مرتفعة جدًا على إيران، وبالتالي يعتبر ذلك ورقة ردع لن تقدم على استخدامها".
وذكرت أن تطوير إيران للصواريخ المضادة للسفن «غدير»، تم اعتمادًا على طراز الصواريخ الصينية "سيلك وورم" التي اشترتها في الثمانينيات من القرن الماضي بإجراء تعديلاتٍ على أنظمتها الثانوية وشكلها الخارجي.
وأكدت أن "التعاون الصيني جزءًا محوريًّا في القدرات الصاروخية الإيرانية، فقد اشترت طهران من بكين صواريخ «أرض-جو» من طراز «إتش-كيو2و بي-2» وهي نسخ من الصواريخ السوفييتية «إس-75».
برنامج الفضاء المُبهَم
وتطرقت الدراسة الى أن برنامج الفضاء الإيراني في الأساس لا يختلف عن برنامجها النووي ذي البُعد العسكري الذي تنكره إيران، إذ يهدف إلى استخدام مجال الاتصالات والمراقبة والاستطلاع، لخدمة الأغراض العسكرية.
وذكرت أن "الحرس الثوري الإيراني يطمح في تصنيع وإطلاق قمر تجسُّس صناعي عالي الدقة في المستقبل، متجاهلًا المخاوف المتصاعدة حول الاستخدام المزدوج لهذه الأقمار (استخدامات عسكرية وغير عسكرية)." وقالت إن إطلاق صاروخ «نـور-1» كان استثنائيًّا للغاية، إذ لم ينطلق من منصة الإطلاق الثابتة في «قاعدة الإمام الخميني الفضائية»، بل من منصّة إطلاق متحرِّكة في القاعدة الإيرانية لاختبار الصواريخ في شاهرود".
وأكدت أنه بما أن "البرنامج الفضائي الإيراني السرّي أصبح معلَنًا الآن، تعمل إيران على إرسال أقمار صناعية أكثر كفاءة عبر مركبات/صواريخ لإطلاق الأقمار الصناعية (المعروفة اختصارًا بـslv) التي تعمل بالوقود الصُّلْب، غير أنّه ليس من المتوقع أن تطلق مزيدًا من الأقمار الصناعية هذا العام".
السوق السوداء
ومن الإنجازات التكنولوجية الأخرى التي حققتها إيران مستفيدةً من السوق السوداء في روسيا والصين وكوريا الشمالية في التحسينات على صناعة إطلاق الصواريخ، إلى جانب مرحلة الوقود الصُّلْب، هي «الرأس الدوار» لإطلاق الصواريخ الذي يتحكم بتحليق الصاروخ ويتميز بغطاءٍ مصنوع من الألياف الكربونية يَزيد من مدى الصاروخ"، وفقا للدراسة.
وتوقعت الدراسة أن تبقى إيران متشبّثة بتصريحاتها بأنّ برنامجها الفضائي مخصَّص لأغراض سلمية، وأنّ ما تطوره من تكنولوجيا صواريخ إطلاق المركبات الفضائية لا تهدف من خلاله إلى تصنيع صواريخ باليستية متوسطة وطويلة المدى، ولكنها في الحقيقة غيّرت قواعد اللعبة، فالحسابات الاستراتيجية في الغرب تغيّرت كليًّا، خصوصًا أنّ قدرة إيران الهجومية ستثير ردود أفعال متعددة دبلوماسيًّا وقانونيًّا وإستراتيجيًّا".
وخلصت الدراسة إلى أنَّ "قوة إيران الصاروخية لن تمكِّنها من الانتصار في حربٍ على خصومها في الخليج وحلفائهم من الغرب، إذ يشوب قوتها ضعفٌ وقصور، نظرًا للاختلافات في موازين القوة التسليحية بين الدول، ولكنها كافية لرفعِ تكلفة الحرب ماديًّا وبشريًّا في حال إشعالها".