وقالت صحيفة "الاقتصادية" في افتتاحيتها التي جاءت بعنوان ( السياسة البترولية السعودية .. قرار والتزام ): لا يزال العالم يقدر ويثمن للسعودية دورها المهم في توازن الاقتصاد العالمي، فهي المحرك الأساسي لتوازن السوق البترولية وبالتالي قطاع الطاقة الذي يعد المدخل الرئيس في الصناعات كافة والمحرك لاتجاهات الأسعار. ولقد لعبت السعودية ولعقود طويلة دورا مهما في توازن السوق من حيث تخفيض الإنتاج إذا كان المعروض كبيرا أو زيادته إذا زاد الطلب، إلى جانب السياسة الحكيمة للحكومة السعودية وبتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين وما قام به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لترتيب أوضاع السوق وحوكمتها من خلال توسيع المشاركة في "أوبك" لتصبح "أوبك +" بجميع مميزاتها وصلاحياتها وسياساتها. في ظل نهج السعودية الثابت على أهمية التعاون المشترك بين الدول المنتجة للنفط للمحافظة على استقرار أسواق الطاقة، ومن ثم بدأت المملكة في التوازن بين مصالحها الوطنية وأولوياتها الاقتصادية وبين دورها كمنظم للسوق البترولية وحفظ توازنها. لكن رغم كل تلك الجهود فمن المؤكد أن الأشهر الماضية من عام جائحة كورونا كانت صعبة جدا على كل صناع القرار الاقتصادي في أرجاء العالم، فلقد انقلبت محاور الاقتصاد العالمي رأسا على عقب، والدول التي كانت تمني نفسها بمزيد من النمو وجدت نفسها تكافح الكساد، كما أن المؤسسات الدولية التي كانت توجه السياسات العالمية وتنسق بين المتنافسين الدوليين كانت التحديات عميقة ومفاجئة تماما. ولقد كانت السوق النفطية في قلب العاصفة تماما، خاصة أنها دخلت عام 2020 وهي ترزح تحت قلق تباطؤ النمو العالمي بسبب الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة وتبادل الاتهامات والعقوبات التجارية والتعريفات الجمركية ما أضر بالنمو العالمي وبالتالي فرص انتعاش الطلب العالمي على النفط. هكذا كانت الصورة قاتمة عند بداية العام ثم ازدادت قتامة مع الإغلاق الاقتصادي الكبير الذي عم العالم نتيجة انتشار مرض كوفيد - 19، فانهارت الأسعار في السوق النفطية تماما، لعاملين مهمين الأول هو انخفاض الطلب بصورة لم يسبق لها مثيل منذ استخراج أول برميل نفط في العالم، والآخر هو التنافس المحموم على الحصص بين المنتجين. فقد أشارت التقارير التي نشرتها "الاقتصادية" في حينه أن "هناك فجوة تاريخية تفصل بين السعرين المرجعيين لأسواق النفط"، بسبب ضخامة الإنتاج الأمريكي من النفط، ولا سيما من النفط الصخري ومن تراكم احتياطيات هائلة في محطة كوشينج في أوكلاهوما التي فاضت عن طاقتها التخزينية في وجه التباطؤ الحاد للاقتصاد الأمريكي من جراء جائحة كورونا المستجد، حتى أصبح من الواضح أن بائعي النفط الخام لا يواجهون فقط مشكلة في العثور على من يشتري النفط، بل في تخزين الفائض أيضا. هذا الوضع الصعب استمر في تأثيراته الحادة والسلبية في الاقتصاد العالمي، وقد أشارت تقارير عالمية إلى أن نحو ثلاثة أرباع الخسائر في الوظائف بسبب الوباء كانت في قطاعي البترول والكيماويات مع إلغاء نحو 107 آلاف وظيفة في الولايات المتحدة بين آذار (مارس) وآب (أغسطس) الماضي. من المحتمل أن يكون الرقم أعلى من ذلك عند منح الإجازات المفتوحة وغيرها من إجراءات عدد الموظفين إذا تم أخذها في الحسبان. في هذه البيئة الصعبة جدا كانت السعودية تعمل وتسير بحكمة ورؤية وكانت توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إلى جميع المؤسسات بالحفاظ على المنجزات الاقتصادية التي تم تحقيقها منذ انطلاق رؤية المملكة 2030. وفي ظل هذه التوجيهات كان القرار السعودي في السوق النفطية يعمل على مستويين هما الحفاظ على المكتسبات من الحصص والمستوردين الرئيسين، وأيضا الحفاظ على ما تم تحقيقه من حوكمة للسوق النفطية وإعادة الجميع إلى طاولة "أوبك +"، هذا التوازن الصعب الذي تحقق مع السياسات الاقتصادية الرشيدة تجلى في الخطاب الذي ألقاه الأمير عبدالعزيز بن سلمان في اجتماع لجنة "أوبك +" لمراجعة الالتزام بتخفيضات الإنتاج، بأن الامتثال الكامل (بحصص إنتاج النفط) ليس عملا خيريا، لكنه جزء أساس من جهودنا المترابطة لتحقيق أقصى قدر من الفائدة والمكاسب لكل عضو في مجموعة "أوبك +"، كما ظهر جليا في تقارير الوكالات العالمية وأن المملكة التزمت تماما بموجب اتفاقية "أوبك +"، ليصل معدل الإنتاج المستهدف للسعودية أقل بقليل من تسعة ملايين برميل يوميا، فقد ضخت المملكة 8.974 مليون برميل يوميا في أيلول (سبتمبر)، مقارنة بـ8.988 مليون برميل يوميا في آب (أغسطس). وبحسب وكالة بلومبيرج، فإن السعودية حرصت على تقييد إنتاجها منذ أيار (مايو) الماضي، في إطار الاتفاق التاريخي لدول "أوبك +"، الذي يهدف إلى التخلص من نحو عشر المعروض العالمي من النفط للتخفيف من تأثير جائحة كورونا في أسواق الطاقة. // يتبع //08:08ت م 0012