يُجمع جميع العقلاء العرب أننا في هذا الوقت بالذات نحتاج إلى تُوحد ولحمة حقيقية، ولذا لا نستغرب –في هذا السياق- قيام أحد أهم القادة العرب وهو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بقيادة الوحدة والائتلاف والمصالحة العربية، بلغة صادقة وصريحة، لإدراكه الحكيم بأن الأمة العربية يُتربصُ بها الدوائر، وهي تحتاج إلى حُكماء وعقلاء يجتازون بها تلك المحن التي يُراد لها أن تكون (فوضى خلاقة)!
في ظل هذا التنادي من قبل العقلاء، قطع الهدوء النسبي في منطقتنا العربية تصريح المسئول الإيرانية بأن مملكة البحرين الشقيقة مجرد مقاطعة إيرانية!
ثم تلاه الاعتداء الآثم الذي وقع في مصر من تفجير إرهابي في منطقة الحسين بالقاهرة، وقد أعلنت مصر القبض على إيراني مشتبه به وباكستانيـين قادمين من البحرين!
ثم تبع ذلك نداءات طائفية من زعمات شيعية خليجية معروفة بولائها لإيران وائتمارها بأوامر طهران، إلى الفتنة الطائفية وإلى الثورة و المظاهرات ونحوها.
وقد دعا الشيخ الشيعي الراديكالي (نمر النمر) قبل أربعة أشهر الشيعة للتحرك لإثارة الفتنة في المدينة المنورة وخصوصًا البقيع، وأخذ يؤجج للفتنة في خطبه ومواعظه مذكرًا بأهمية التحريض ودوره في تحقيق الأهداف!
يقول (نمر النمر) في خطبته المشهورة المسجلة والمثبتة في موقعه الرسمي، محرضًا الشيعة على التحرك في منطقة البقيع والمدينة المنورة: (أدعو نفسي وأحرض جميع المؤمنين وبالخصوص محبي أهل البيت عليهم السلام وبالأخص مواليهم وأتباعهم لتجديد العهد، وعقد العزم، ومضاعفة الجهد للسعي بكل إمكانياتنا.. فلنكافح ونجاهد ونناضل ونقاوم من أجل البناء الشامخ قبل مضي قرن على الهدم الغاشم).
وقد سبقت تلك الخطبة دعوة صريحة من أحد شيوخ الشيعة وهو (ياسر الحبيب) للتمرد الدموي على أهل السنة ووجوب هدم مساجدهم، ومما قاله: (مكة والمدينة اليوم تحت الاحتلال ويجب تحريرهما).
ثم تداعت النداءات الطائفية من قبل شيوخ الشيعة الموالين للنظام الإيراني، حيث أكد عضو كتلة الوفاق الشيعية النائب الشيعي البحريني (حمزة الديري) أن أهل السنة كلهم نواصب أي غير مسلمين، ولذا الصلاة خلفهم في الحرمين الشريفين باطلة، حيث قال: (شيوخ أهل السنة وعلماءهم وأئمة الحرم نواصب، وإن صلاتكم في المسجد الحرام تعتبر صلاة وراء ناصبي).
وعلى أساس هذا الفكر المتطرف حصلت الأحداث الآثمة من تفجيرات مكة التي حصلت قبل سنوات، واليوم نشهد تجديدًا لهذه الفتنة الطائفية على أيدي الموالين للنظام الإيراني في دول الخليج، حيث بدأت الدعوة إلى احتلال الحرمين الشريفين من قبل الشيخ (ياسر الحبيب)، ثم تبعه فتوى من قبل (حمزة الديري) بأن أهل السنة نواصب ولا تجوز الصلاة خلفهم في مكة والمدينة، ثم تبعه تحريض على الجهاد في مكة والمدينة من قبل الشيخ (نمر النمر).
وبعد كل ذلك التأجيج الطائفي المليء بالكراهية والعنف، توجهت مجموعات منظمة من الشيعة في المدينة المنورة يوم الأحد والاثنين الماضيين، لتنفيذ التوجيهات الطائفية، فباشروا التجمهر الكثيف، ورص الصفوف، ومعهم مكبرات الصوت وكاميرات الفيديو، وهم يُصورون تحركاتهم –مما يدل أن العملية كلها مرتبة ومنظمة- واشتبكوا مع رجال الأمن الذي يحمون المصلين والزائرين، ثم توجهوا وحاصروا مباني حكومية، وهم في كل خطوة يُصورون بكمراتهم الخاصة كل ما يجري، ويرجمون رجال الأمن وبعض المصلين بالأحجار والخشاب والأحذية.
ثم تطور الوضع واشتبكت المنظمات الشيعية القادمة من القطيف بترتيب دقيق مع رجال الأمن. ثم انتقلت موجهات التنظيمات الشيعية نحو المواطنين المسالمين، حيث قام الشيعة بالهجوم على العديد من المحلات التجارية وتكسير زجاج الكثير من السيارات. وأكد شهود أعيان أن مجموعة من قيادات الشيعة وجهة شتائم مُقذعة لأبي بكر الصديق وعمر الفاروق ومن يتولاهما، ثم قامت مجموعة من الشباب الشيعة بإيقاف سيارة مواطن في حي العوالي في المدينة وإنزاله بالقوة منها وضربه، وتحطيم السيارة بالكامل.
ثم تطورت الأحداث لتأخذ منحًا أكثر عنفًا، حيث ردد المتجمهرون شعارات تمجيدية لإيران, وأناشيد حماسية، ثم قام بعض المتجمهرين بالاعتداء على أفراد دورية كانت بجانب الحرم النبوي, وعملوا بعد ذلك على قلب سيارة الدورية يدوياً لإرغام رجال الأمن على النـزول. وفي نفس الوقت أصيب اثنين من رجال الأمن في مكان آخر بعدة طعنات في أنحاء متفرقة من أجسامهم.
وكان المتوقع أن يتدخل بعض شيوخ الشيعة الذين يُصفون بالاعتدال، لكن الرأي العام تفاجأ ببيان للشيخ (حسن الصفار) يقف فيه ويتعاطف مع دعاة الطائفية والمعتدين، بدل أن يشجع على السلم المدني والأخوة والمواطنة!
إن ما يحدث يجعل القارئ يُدرك بعمق مدى التأثير السلبي الذي تلعبه إيران في منطقتنا العربية، ولعل هذا يؤكد ما نشرته مجلة مختارات إيرانية العدد 71 ـ يونيو 2006م، نقلاً عن قول مسئول رفيع المستوى في وزارة الاستخبارات الإيرانية، حيث قال: (إيران تعتبر السعودية هي منافسها الرئيسي ليس فقط في المنطقة، ولكن في العالم الإسلامي ككل، ومن ثم فإن عملياتنا في العراق وفي الخليج تمثل وسائلنا الأساسية لموازنة ذلك).
وللأسف أن ينساق شيوخ شيعة خليجيين وسعوديين وراء أطماع إيران التخريبية، والتي لن تنجح –لا قدر الله- إلا في جلب الدمار والخراب إلى بلادنا الآمنة، ومما يؤسف له حقًا أن ينجر شيوخ الشيعة للتحريض الطائفي والانصياع للتوجيهات الإيرانية، تاركين مصلحة مواطنيهم وبلدانهم.
إنني أتألم على كل جريح سواء كان شيعيا أو سنيا، لأن المستفيد من الفتنة الطائفية هي جهات معادية لا تهتم بالشيعي العربي، بل إنها تستخدمه لأغراضها الاستعمارية التوسعية، ولا تهتم بإزهاق الأرواح، أو زعزعة الأمن.
إنني أوجه نداءً إلى شيوخ الشيعة في الخليج لاستنكار التصريحات الإيرانية بأن البحرين عبارة عن مقاطعة إيرانية، وأدعوهم إلى استنكار الدعوات التحريضية التي يطلقها شيوخ شيعة موالين لإيران لزرع الفتنة. كما ادعوهم لاستنكار صمت الشيوخ الشيعة على مثل تلك الدعوات الطائفية، التي لن تحصد إلا المآسي والفتن.