بعيداً عن "الخيانة الجماعية" التي ارتكبتها الأحزاب السياسية في لبنان إثر الفشل في تشكيل الحكومة كما قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، واعتذار الرئيس المكلّف مصطفى أديب عن المهمة، تستوجب المرحلة قراءة متأنية للتطورات اللبنانية والاصطفافات السياسية على المستوى الوطني، استناداً إلى ما أفرزته مطالبة الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل بوزارة المال التي كانت محور الخلاف على تشكيل الحكومة الجديدة.
فالاصطفافات السياسية في البلاد كانت تغيّرت منذ انتهاء الحرب الأهلية في أوائل التسعينيات حين كان الانقسام السياسي بين القوى المختلفة في وجهات النظر متوازياً حيال كيفية إعادة بناء الدولة بين مؤيّدي النظام السوري ومعارضيه، ولاحقاً بين 8 آذار بقيادة الثنائي الشيعي وحليفه "التيار الوطني الحر"، و14 آذار الذي يضمّ تحالفاً من أحزاب سيادية مثل "تيار المستقبل"، وحزب "القوات اللبنانية" وغيرهما.
إلا أن هذه المعادلة الانقسامية تغيّرت اليوم وباتت للمرّة الأولى على النحو الاتي: الثنائي الشيعي، وتحديدا حزب الله في مقلب وكل الأطراف السياسية بمن فيها حلفاء الحزب في المقلب المواجه.
فيما يقف حزب الله اليوم وحيداً في المواجهة مفتقداً الحلفاء، خصوصاً "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل الذي رفض تخصيص وزارة المال لطائفة معيّنة بما يناقض الدستور، داعياً إلى تحييد لبنان عن صراعات المنطقة مشيراً في سياق مموه إلى مشاركة الحزب في حروب إقليمية، وذلك بعد 15 سنة نسج خلالها كل التحالفات على امتداد لبنان، ووظّفها لمصلحة مشروعه الإقليمي، حيث منع تشكيل حكومات وعطّل استحقاقات دستورية عديدة.
إلى دائرة الاتهام
ومع سقوط المبادرة الفرنسية التي كان تشكيل حكومة مستقلّة بعيداً من الأحزاب أحد أبرز بنودها، وُضع الثنائي الشيعي، ولاسيما حزب الله في دائرة الاتّهام بتعطيل البلد وأخذه الى المجهول تنفيذاً لأجندة إيران.
بدوره، كشف رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة لـ"العربية.نت"، أن معظم القوى السياسية باستثناء الثنائي الشيعي كانوا مع مبدأ المداورة بالحقائب، ولو كان أداء الثنائي بوزارة المال في الحكومات السابقة جيداً لكان يُمكن فهم مطلبهم بالإصلاح، لكن التجربة كانت عكس ذلك، لذلك هو اليوم في مواجهة مع القوى السياسية كافة.
كما لفت إلى أن الثنائي الشيعي وعد الرئيس ماكرون بتسهيل مهمة الرئيس أديب بتشكيل حكومة بعيداً عن الأحزاب، إلا أن إعلان واشنطن إدراج الوزيرين علي حسن خليل، ويوسف فنيانوس على لائحة العقوبات بسبب علاقتهما بـ"حزب الله" جعل الإيرانيين يدركون أن ما كانوا يعوّلون عليه من رضى أميركي على المبادرة الفرنسية لم يتحقق، وبالتالي عرقلوا ولادة الحكومة بحجّة وزارة المال، بحسب تعبيره.
وأشار أيضاً إلى أن إجهاض المبادرة الفرنسية في هذه الأوضاع الاقتصادية والمالية الخطيرة سيقوّض مبادرات دولية أخرى تجاه لبنان من أجل إنقاذه، وللأسف القوى السياسية الحاكمة تتصرّف وكأن لا انتفاضة شعبية ضدهم تُحمّلهم مسؤولية ما وصل إليه البلد، وفقاً لكلام السنيورة.
في السياق أيضاً، حمّل حزب الله مسؤولية ما وصل إليه البلد، لأنه أطبق على الدولة اللبنانية وأصبح يتحكّم بقراراتها ومرافقها العامة.
كما اعتبر أنه ومع دخول سلاح العقوبات الأميركية في الصراع القائم أصبح لبنان أمام مسارين، الأوّل خارجي يضغط على الداخل اللبناني ويُجربه على تسليم البلاد إلى القبضة الإيرانية، والثاني يريد تثبيت دور الدولة وتقوية مؤسساتخا الدستورية.
وزير المالية مربط الفرس
من جهته، قال الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية العميد المتقاعد خالد حمادة لـ"العربية.نت"، إنه و"بقدر ما لم يستطع الفرنسيون فرض مبادرتهم لحلّ الأزمة اللبنانية التي حملها الرئيس ماكرون إلى بيروت خلال زيارتيه المتتاليتين عقب انفجار المرفأ بعدم تشكيل حكومة جديدة، بقدر ما عجز الثنائي الشيعي، خصوصاً حزب الله عن فرض شروط بالاحتفاظ بوزارة المال، وهذا يعني أننا أمام عملية تعطيل متبادلة. فلنتذكّر أن في الاستحقاقات الدستورية السابقة، كان حزب الله يفرض رئيس الجمهورية ورئيس الحكومات، أما اليوم فلم يستطع فرض وزير مالية على من يُشكّل الحكومة".
كما أكد أن بلاده دخلت في أزمة مفتوحة، وأن مشروع حزب الله يتهالك داخليا وخارجيا، لأنه محاصر في الخارج بالعقوبات الأميركية التي ارتفعت وتيرتها وستشتد في الأيام المقبلة، كما أن سيناريو الانفجار الذي استهدف مركزاً تابعاً للميليشيا في عين قانا في جنوب لبنان منذ أيام سيتكرر قريباً في مناطق لبنانية أخرى، بحسب تعبيره.
في الإطار، تحدّثت مصادر مطّلعة لـ"العربية.نت"، كاشفة أن انفجار عين قانا الذي استهدف مخزن سلاح تابع لـ"حزب الله" هو عمل أمني بتوقيع إسرائيلي، خصوصاً وأن أجواء الجنوب كانت تعجّ بالطيران الحربي الإسرائيلي الذي كان يُحلّق على علو منخفض فوق مناطق عدة، قبل ساعات من الانفجار.
سيناريو انفجار عين قانا سيتكرر
وفي حين شبّهت المصادر انفجار عين قانا بانفجار مرفأ بيروت لجهة حجم الدمار الذي لحق بمنطقة التفجير وتدمير المبنى بشكل كامل، جزمت بأن انفجار قانا الذي وقع لن يكون الأخير، مشيرة إلى أن الفترة القادمة ستشهد الأسابيع المقبلة استهدافات لمراكز تابعة لـ"حزب الله" في مناطق لبنانية أخرى، لاسميا في البقاع.
كذلك لفت حمادة إلى أن الصراع مفتوح بين الولايات المتحدة الأميركية وايران، والأخيرة تريد المنازلة في لبنان وإستعماله كورقة للتفاوض مع الأميركي وليس مع الفرنسي، من هنا سقطت المبادرة الفرنسية. وحزب الله "المأزوم" يريد إنقاذ وجه إيران في لبنان في وقت يتراجع نفوذها في العراق منذ وصول الرئيس مصطفى كاظمي الى سدّة الحكم، وفي وقت لا ترى إيران لنفسها أي دور في سوريا بحكم الضربات الاسرائيلية ضدها والتضامن الروسي مع هذه الضربات، وكذلك في ظل إتّفاقات التطبيع التي تُجريها واشنطن بين دول عربية وإسرائيل".
وأضاف أن إيران تحاول تعويض خسارتها بالمنطقة في لبنان، إلا أن البنية اللبنانية التي ضاقت ذرعاً بـ"حزب الله"، وآخرها المسيحية، وتحديداً حليفه التيار الوطني الحر لن تقبل بأن يكون لإيران موطئ قدم في لبنان. معتقداً أن مستقبل الثنائي الشيعي على صعيد إعادة ترتيب السلطة في لبنان لن يكون رابحاً.
إلى ذلك، أكد أن إيران التي تراهن على نتائج الانتخابات الاميركية المقررة في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لجهة عقد اتّفاق مع الإدارة الجديدة، سيكون خاسراً، لأن الاستراتيجية الأميركية ثابتة.