بعدما أعلن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في ليبيا فايز السراج قبل ساعات، نيته الاستقالة من منصبه نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم، وتسليم جميع مسؤولياته لسلطة جديدة يجري التفاوض بشأن تشكيلها بين طرفي النزاع في البلاد، تتوجه الأنظار إلى ما سيكون عليه الوضع بعد الاستقالة.
فقد مضت 5 سنوات على تولي السراج رئاسة الوفاق، فشل خلالها بإعادة بناء بلاده وإخراجها من الفوضى، كما تعرض أداؤه إلى انتقادات كبيرة بسبب تقاربه مع تركيا وتحالفه مع الإخوان، وواجه أيضاً ضغوطا داخلية كبيرة من الميليشيات المسلّحة ومن حركات احتجاجية شعبية ضد الفساد وسوء الخدمات الأساسية.
ويعتبر سياسيون ومراقبون ليبيون أن استقالة السراج المشروطة، وإن كانت حققت أحد المطالب الرئيسية للعديد من الليبيين، فإنها لم تقترن باتفاق نهائي ورسمي على حكومة وسلطة جديدة، وهو ما يدخل البلاد من وجهة نظرهم في حالة من مواجهة المجهول السياسي ومن الغموض.
استقالة قبيل انفجار وشيك!
في هذا السياق، اعتبر النائب بالبرلمان جبريل أوحيدة في تصريح لـ"العربية.نت"، أن إعلان السراج نيته التخلي عن السلطة جاء بعد أن أدرك أن الوضع المزري في ليبيا وصل إلى مرحلة الانفجار، والسراج نفسه من يتحمل العبء الأكبر في ذلك، وكذلك بعد تغيّر أهداف حلفائه في الداخل الليبي الذي أدرك من خلاله ضعفه حتى أضحى من الضروري اشتراكه في لعبة خلط الأوراق لعله يخرج بشيء من السيناريو القادم وإن خرج بسلامته، بحسب تعبيره.
إلا أنه ورغم أهمية هذه الخطوة المشروطة بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة، فإن النائب متفائل بمرحلة ما بعد السراج، حيث يتوقع أن يتم تدوير ما أسماها "النفايات السياسية الموجودة حاليا"، وتقاسم السلطة والنفوذ قبليا وجهويا وأيديولوجيا، ليبقى أساس الأزمة الليبية في استمرار سيطرة الميليشيات وبقاء المرتزقة الأجانب وانتشار السلاح والفساد وتدخل الأجنبي، مشيرا إلى أن جميع من في المشهد الآن غير قادر على إيجاد حلول للمشكل الليبي لأنهم جزء منه.
وأكد في معرض حديثه على أن الوضع الليبي يحتاج اليوم إلى تحكيم حكماء تكنوقراط وطنيين لوضع خارطة وطنية يدعم تنفيذها المجتمع الدولي.
ورقة ضغط لا أكثر!
بدوره، رأى المحلل السياسي سليمان العتيري، أن استقالة السراج أتت بمثابة ورقة ضغط للإسراع في عملية تشكيل سلطة جديدة، إلا أنها تفتح باب الغموض، خاصة أن نتائج الحوار السياسي بين مجلسي الدولة والنواب لا تزال غير واضحة، وفي ظل تعدد مسارات الحوارات وانقسامها بين المغرب وسويسرا.
وأوضح في تصريح لـ"العربية.نت"، أن الطرفين المعنيين بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة وهما مجلسا الدولة والنواب يتشاوران في المغرب، بالمقابل هناك حوار آخر مواز لذلك بين الأطراف الفاعلة في الأرض من تشكيلات مسلحة وممثلين عن النظام السابق وشخصيات القبائل الليبية في سويسرا، لافتا إلى أن هذه "اللخبطة" قد تساهم في تباين المواقف وتضارب النتائج.
أما بخصوص الأسماء المرشحة لتولي المناصب القادمة في المجلس الرئاسي الجديد والحكومة القادمة، فأوضح العتيري أن النقاش مازال يتمحور حول تقاسم المناصب بين الأقاليم، فيما لم يتم بعد التفاوض حول الأسماء أو الشخصيات، متوقعا أن تؤول رئاسة المجلس الرئاسي القادم إلى الشرق، بينما تكون رئاسة الحكومة من نصيب منطقة الغرب، على أن يتم تقسيم باقي المناصب بين الأقاليم الثلاثة.
السراج رمى الكرة
من جانبه، أكد الناشط السياسي الليبي فرج فركاش في حديث مع "العربية.نت"، أن السراج وضع الكرة في ملعب مجلسي النواب والدولة بإعلان تنحيه عن السلطة في حال توافق المجلسين على تعديل المجلس الرئاسي كما هو منصوص عليه في الاتفاق السياسي ووفق مخرجات برلين.
وأضاف أن هذه التطورات تعطي انطباعا عن حدوث ضغوط وتوافقات دولية وداخلية جعلت السراج ومعسكره يتخلون عن فكرة التمسك بانتخابات عامة في مارس/آذار القادم، والتي تبدو خطوة غير واقعية في ظل الانقسام السياسي والمجتمعي الحالي وفي ظل الاستقطاب والتخندق الحاصل، والاقتناع بالحاجة إلى مرحلة انتقالية قصيرة تتوحد فيها البلاد بمؤسساتها خاصة الأمنية والعسكرية ومرحلة يسود فيها الاستقرار والتهدئة ونوع من المصالحة الوطنية، وإيجاد قاعدة دستورية تؤدي إلى مرحلة دائمة.
كما يعتقد فركاش أن ربط السراج تنحيه بتوافق المجلسين يوحي أيضا بتنحٍّ مشروط ومرتبط ارتباطا وثيقا بما سيحصل قبل نهاية أكتوبر، مؤكدا أن انفراج الأزمة الليبية في المستقبل القريب مرتبط كذلك بمواقف القوات الفاعلة على الأرض، ومنها القيادة العامة للجيش في الشرق وقوات حكومة الوفاق في الغرب.
منطقية وواقعية
في المقابل، يبدو رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا أحمد حمزة، أكثر تفاؤلا بالمرحلة القادمة في ليبيا، حيث يرى أن ما بني عليه من تفاهمات وتشكيل رؤية موحدة خلال المشاورات السياسية في المغرب أو مصر أو جنيف السويسرية، تمثل قاعدة يمكن البناء عليها في "حال خلصت النوايا"، وتؤسس إلى تفاهمات وتوافقات شاملة بين الأطراف السياسية.
واعتبر أحمد حمزة في تصريح لـ"العربية.نت"، أن إعلان اعتزام السراج تقديم استقالته المشروطة بتوافق لجنة الحوار بين مجلسي الدولة والنواب على تشكيل سلطة جديدة، "شرط منطقي وواقعي"، لأنه لا يمكن خروج حكومة الوفاق وإحداث فراغ سياسي في المشهد قبل استبدالها بحكومة أخرى تكون نتاجا لاتفاق سياسي بين كل الأطراف السياسية في البلاد.
إلى ذلك، شدد حمزة على أن لجنتي الحوار ملزمتان اليوم بالعمل معا للتوصل إلى اتفاقيات سياسية لتسوية الأزمة الليبية والتوصل لتشكيل حكومة وفاق وطني جديدة تعمل على إنهاء حالة الانقسام والصراع السياسي في البلاد، وتحسين الوضع الإنساني والمعيشي، إضافة إلى الحفاظ على المؤسسات السيادية للدولة والعمل على توفير الظروف المناسبة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قادمة.
يذكر أن الاحتجاجات التي شهدتها مؤخرا العاصمة الليبية أججت التوتر بين السراج ووزير الداخلية فتحي باشاغا، الذي أوقفه عن العمل لفترة وجيزة الشهر الماضي قبل إعادته لمنصبه.
وقد يؤدي رحيل السراج إلى خلافات داخلية جديدة بين كبار المسؤولين في "الوفاق"، وبين المجموعات المسلحة من طرابلس ومدينة مصراتة الساحلية التي ينتمي إليها باشاغا.