شهدت الأيام الأخيرة نقاشات محتدمة فوق العادة حول علاقة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع القوات المسلحة والعسكريين الأميركيين، حتى أن ترمب استعمل كلاماً قاسياً لدى التطرق إلى خبر مفاده أنه وقبل زيارة مدافن جنود أميركيين في فرنسا قبل عامين سأل: "لماذا عليّ أن أزور المدافن؟.. إنها مليئة بالفاشلين!".
وقد تمّ إلغاء الزيارة بسبب سوء الأحوال الجوية، وقد أكد ترمب ذلك في المؤتمر الصحافي في البيت الأبيض، موضحاً ظروف الإلغاء، وشدّد على أن كلام "جيفري غولدبيرغ" في مجلة أتلانتيك مجرّد كذب، قائلاً: "هذا عيب، من يقول كلاماً من هذا النوع؟ حيوان فقط يقول كلاماً كهذا!".
فيما يبدو أن وصف "الحيوان" موجّهاً للكاتب ورئيس تحرير المجلة، وإن لم يرد مباشرة بهذا الشكل، ويعكس غضب الرئيس الأميركي من الهجوم الذي يتعرّض له، إلا أنه يكشف أيضاً مسألة انتخابية مهمة جداً لترمب ومنافسه الديموقراطي جو بايدن.
فهناك مليون وثلاث مئة ألف ضابط وجندي في القوات المسلحة الأميركية ويحقّ لأغلبيتهم الساحقة الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية ويسعى أي مرشح لكسب العدد الأكبر منهم.
بايدن المفضّل
أرقام الرئيس الأميركي مع العسكريين الأميركيين تدعوه للقلق، ففي آخر إحصاء للرأي قامت به "ميليتيري تايمز" شهر أغسطس/أب من عام 2020 في صفوف العسكريين حظي ترمبعلى تأييد 37.4 % من أصوات العسكريين، فيما نال منافسه الديموقراطي جو بايدن بتأييد 41.3 % من العسكريين.
ولربما يشعر الرئيس الأميركي بحنق شديد من هذه النتيجة لأنها تعارض أرقام الحملة الرئاسية السابقة، ففي العام 2016 أشار الإحصاء إلى تأييد العسكريين بنسبة 40.5 % للمرشح ترمب مقابل 20.6 % للمرشحة هيلاري كلنتون، وهذا فرق شاسع ليس لترمب، بل للمرشح الديموقراطي حيث صعد التأييد من 20 % لهيلاري كلنتون إلى 41 % لبايدن.
وأستغلّ بايدن خلال الأيام الماضية أيضاً "قصة مجلة أتلانتيك" قائلاً في بيان حذر: "إنه لو ثبتت الإدعاءات فهي تعكس كم اختلف عن الرئيس ترمب واختلف معه حول دور رئيس الولايات المتحدة، وشدّد على أنه لو أصبح رئيساً فإنه سيحرص على الدعم الدائم لـ "الأبطال الأميركيين".
كما نشر المرشح الديموقراطي في فيديوهات انتخابية صوراً له مع ابنه الراحل الذي توفي منذ سنوات ويبدو فيها بايدن في لباسه العسكري عندما كان يخدم في العراق من ضمن القوات الأميركية التي انتشرت هناك.
ولا يعني هذا أن الرئيس الأميركي فاقد الحيلة في جذب المزيد من أصوات العسكريين خلال الأسابيع المقبلة والأهم عائلات العسكريين.
ومنذ أيام، قررت وزارة الدفاع الأميركية وقف تمويل مجلة "ستارز اند سترايبس" وهي مجلة مخصصة للعسكريين، لكن الرئيس الأميركي قرر عكس ذلك وبتغريدة قصيرة أجبر البنتاغون على التراجع عن قراره وفي ما يبدو أمراً لم يتشاور فيه مع وزير الدفاع مارك إسبر.
وقال ترمب: "إن الولايات المتحدة لن تمنع التمويل عن مجلة ستارز اند سترابس وأنا في الدوام. ستستمر في إنها مصدراً رائعاً للمعلومات عند قواتنا العسكرية العظيمة".
كما من الواضح أن الرئيس الأميركي يريد القول دائماً إنه يقف إلى جانب القوات المسلحة، خصوصاً الجنود، ويكرر أنه زاد من معاشات العسكريين، ورفع ميزانية التسلّح، كما أنه يقول تكراراً إنه لم يوافق على شنّ حرب العراق وانتقد بشدّة السياسيين الذين أرسلوا الجنود لسنوات طويلة إلى ساحات المعارك، وتسببوا بمقتل آلاف من الأميركيين في أفغانستان والعراق.
سحب القوات "انتخابي"
ومن الممكن أن نفهم إعلان الرئيس الأميركي الآن خفض عدد القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، على أنه رسالة إلى الجنود وعائلاتهم بأن "الرئيس المرشح" يريد أن يبعد هؤلاء الجنود عن الخطر، وأن يعيدهم إلى عائلاتهم في الولايات المتحدة بدلاً من أن يموتوا على أراضي دول أجنبية.
وفي خطوة غير عادية تعكس الهاجس الانتخابي لدى الرئيس الأميركي، قال ترمب منذ أيام أن المرشح جو بايدن "أرسل شبابنا إلى حروب لا نهاية لها ولهذا فإن القوات المسلحة"، وتمهّل قائلاً: "لا أقول أن القوات المسلحة تحبّني لكن الجنود يحبونني".
إلى ذلك، فإن هناك تفسير لهذه التفرقة، فالرئيس الأميركي يعكس حقيقة أن استطلاعات الرأي في صفوف العسكريين تشير إلى أن 59 % من الضباط لديهم انطباع سيء عن الرئيس الأميركي، ويعارضونه بنسبة 50 %، فيما لدى الجنود نظرة سيئة عن الرئيس بنسبة 47 % وتشيرالاستطلاعات إلى أن نظرة الجنود إلى الرئيس كانت دائماً مؤيدة له بنسبة أعلى من نسبة تأييد الضباط.