يواجه العرب في تركيا كغيرهم من الأقليات العرقية والدينية سياسات الدولة التي تسعى من خلالها لإلغاء هويتهم، ولكنهم رغم ذلك يسعون للمحافظة على خصوصيتهم لا سيما في المناطق الواقعة جنوب غربي البلاد والتي يتواجدون فيها بكثافة، كما هي الحال في مقاطعة "هاتاي" الواقعة على الحدود مع سوريا والتي تعرف بالعربية بـ "لواء اسكندرون".
في هذا السياق، قال علي إحسان قبلان وهو عربي ينحدر من مدينة أنطاكيا، عاصمة "اللواء" إن "السكان العرب يحاولون التغلب على سياسة التتريك في هذه المنطقة من خلال تعليم أولادهم اللغة العربية قبل التركية". وأضاف قبلان وهو محلل سياسي وموظفٌ حكومي لـ "العربية.نت" أن "الهوية العربية موجودة في أنطاكيا وحيّة في معظم المدن القريبة منها، لكنها تكاد تختفي في مدنٍ أخرى يتواجد فيها العرب بكثافة مثل مارسين وأضنة نتيجة التتريك".
"مهمّشون بلا مناصب كبرى"
كما تابع قائلاً "العرب يعملون في مختلف المهن في هذه المناطق، لكنهم مهمّشون ولا يقلدون مناصبٍ كبرى أو مهمة في مؤسسات الدولة، لأنهم يواجهون التمييز خاصة من الناحية الدينية إذا ما كانوا عرباً علويين".
ولا يقتصر الوجود العربي في تركيا على مدن لواء إسكندرون الحدودية مع سوريا أو المدن الأخرى القريبة منها مثل مارسين وأضنة وإنما يتواجدون بكثافةٍ في مقاطعات شانلي أورفا وماردين وسرت أيضاً، بالإضافة لبعض أحياء اسطنبول. وهم مسلمون سنة وعلويون مع أقلّية مسيحية.
ويحاول العرب دخول الحياة السياسية، لكن مختلف الأحزاب التركية تقبل عضويتهم على أساس أنهم "أتراك من أصولٍ عربية"، باستثناء حزب "الشعوب الديمقراطي"، المؤيد للأكراد والذي يقوده البروفيسور العربي مدحت سانجار الذي انتخب رئيساً مشاركاً للحزب في شهر شباط/فبراير الماضي، مع السياسية الكردية بروين بولدان. ولدى هذا الحزب برلمانيين عرب منهم، تولاي حاتم أوغولاري.
تعليقا على ذالك، قال بركات كار، عضو لجنة الشؤون الخارجية في حزب "الشعوب الديمقراطي" التعددي إن "حزبنا ليس تياراً كردياً وإنما هو حزب لكل شعوب البلاد، لذلك تعني الترجمة الحرفية لاسمه من اللغة التركية: (الحزب الديمقراطي للشعوب)". وأضاف أن "الأعضاء العرب ضمن صفوف هذا الحزب يستطيعون التعبير عن خصوصيتهم القومية وبإمكانهم بكل بساطة أن يعرّفوا عن أنفسهم كعرب، لا كأتراكٍ من أصولٍ عربية كما يحصل ضمن أحزابٍ تركية أخرى".
وكار هو أيضاً عربي وينحدر من مدينة أنطاكية التي تعد واحدة من مدن لواء إسكندورن الذي تسيطر عليه أنقرة منذ العام 1939 رغم أن سوريا تعتبره المحافظة رقم 15 من أراضيها.
إلى ذلك، أوضح ضمن مقابلةٍ مطوّلة مع "العربية.نت" قائلاً : "أنا أممي، لكن حين يسألونني هل أنت تركي؟ أجيب: أنا عربي من تركيا، فالفارق شاسع بين أن أكون تركياً كانتماءٍ قومي، وبين أن تكون جنسيتي تركيّة كمواطنٍ من هذا البلد". وأضاف "كان ثلثي سكان لواء إسكندرون من العرب، لكن نتيجة سياسات التتريك وترحيلهم من المنطقة، بالإضافة إلى الهجرة الطوعية من قبلهم لمدنٍ أخرى، باتوا يشكّلون اليوم ثلث السكان فقط، ولا يُسمح لهم بالتدرّيس باللغة العربية، لكن المسنين والقرويين يتحدّثون بلغتهم الأم".
بين 7 إلى 8 مليون عربي
وبحسب كار، لا توجد احصاءات دقيقة عن عدد السكان العرب في تركيا، لكن التقديرات غير الرسمية تشير إلى وجود ما يتراوح بين 7 إلى 8 مليون عربي في البلاد التي يشكّل سكانها نحو 80 مليون نسمة. وقال في هذا الصدد: "إذا كان هناك مطالبة من العائلات العربية بتعليم أطفالهم للغتهم، فيسمح لهم بتعلّمها بدءاً من الصف الرابع الابتدائي".
كما أضاف "أما على المستوى الحكومي، فهناك شخصياتٍ عربية في أماكنٍ حسّاسة كالجيش، لكن معظمهم لا يعترفون بهويتهم العربية كما يحصل ضمن الحزب الحاكم في البلاد، لكن الأمر مختلف في حزبنا وعلى سبيل المثال رئيسنا المشارك مدحت سانجر هو عربي ويقرّ بذلك وهو بروفيسور بالقانون الدستوري والعام".
يذكر أن حزب "الشعوب الديمقراطي" المعارض لحزب "العدالة والتنمية" الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان، هو ثالث أكبر حزب في تركيا ولديه 58 مقعداً في البرلمان بعد أن اُعتقل 9 من نوابه بينهم رئيسه المشارك الأسبق صلاح الدين دميرتاش ورئيسته المشاركة السابقة فيغن يوكسك داغ.