لا تزال تداعيات الاشتباك الذي وقع الاثنين على الحدود اللبنانية مستمرة، فقد أعلن الجيش الإسرائيلي، مساء أمس، تعزيز قواته في المنطقة الشمالية بمنظومات نارية متطورة وقوات خاصة وجنود في الاستخبارات وجمع المعلومات، في ظل التوتر السائد مع حزب الله.
وكان حزب الله استهدف، الاثنين، دبابة إسرائيلية بصاروخ كورنيت المضاد للدبابات وسيارة إسرائيلية بنيران رشاشة في منطقة جبل الشيخ، فردّت المدفعية الإسرائيلية بقصف مناطق عند الحدود مع لبنان على المرتفعات الشرقية لبلدة كفرشوبا وفي محيط موقع رويسات العلم.
غير أن العملية الخاطفة التي استمرت أقل من عشرين دقيقة واستدعت استنفاراً عسكرياً وسياسياً من جانب إسرائيل، سارع حزب الله بعد ساعات قليلة إلى نفيها جملةً وتفصيلاً، واضعاً الرواية الإسرائيلية في خانة المسرحية الإعلامية، إلا أن الإعلام الإسرائيلي بقي متمسكاً بالرواية العسكرية الرسمية، التي أشارت إلى وجود "مشاهد مصورة" تثبت ذلك.
نفي العملية
نفي حزب الله لما جرى في جنوب لبنان في وقت كان العديد من مناصريه يحتفلون عبر منصات التواصل الاجتماعي وحتى في بعض مدن الجنوب، بالثأر لمقتل أحد عناصره في سوريا، وضعه المحلل العسكري والاستراتيجي العميد خالد حمادة لـ"العربية.نت" في خانة احتمالين: إما أن حزب الله فشل في عملية الرد، لذلك لجأ إلى رواية النفي كي لا يظهر أمام جمهوره وقاعدته بأنه "عَجِز" عن تحقيق نصر، وإما أنه فقد عدداً من العناصر التابعة له التي تسللت إلى داخل المنطقة التي تمت فيها العملية، وبالتالي لا يمكن للحزب القول لجمهوره إنه قام بعملية ثأرية لأحد عناصره كلّفته سقوط أكثر من عنصر".
وسأل "هل هناك أشخاص يتسللون إلى داخل الأراضي التابعة لمزارع شبعا من دون علم حزب الله؟ إذا كان الجواب نعم فهذه مشكلة للحزب، ومعناه أن هناك فصيلاً مسلّحاً يعمل ضمن نطاق مناطق حزب الله ضد العدو الإسرائيلي".
كما أضاف "ما معنى أن يعلن حزب الله في بيان نفي العملية أن ردّه لم يحصل بعد؟ لماذا ترك أبناء تلك المناطق الحدودية في حالة ترقّب وانتظار لساعة الصفر؟ ولماذا الردّ من لبنان على عملية إسرائيلية حصلت في سوريا؟".
وجاءت هذه التطورات بعد أيام من موجة تصعيد بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله بسبب الغارة التي استهدفت مركزاً مشتركاً للحزب والحرس الثوري الإيراني في سوريا وأدّت إلى مقتل أحد عناصر الحزب، إلا أنها بقيت كما قال حمادة مضبوطة و"ضمن قواعد الاشتباك"، التي أرساها الطرفان في جنوب لبنان منذ بدء مسلسل الغارات الإسرائيلية ضد مواقع إيران وحلفائها في سوريا ودخول عنصر الطائرات المسيّرة في الأجواء الحربية بين إسرائيل وحزب الله.
وفي الإطار، أكدت مصادر لبنانية فضّلت عدم الكشف عن هويتها لـ"العربية.نت": "حصول الاشتباك على الرغم من نفي حزب الله ذلك"، ولفتت إلى "أن سرعة العملية أكبر دليل على أن الردّ كان مدروساً وضمن قواعد الاشتباك الجديدة".
ومنذ أن بدأت إسرائيل حرب الغارات الجوية ضد قواعد تابعة لإيران وحزب الله في سوريا، لجأ الحزب إلى سيناريو الرد من جنوب لبنان.
ففي أغسطس/آب الماضي، تعرّض حزب الله لهجوم قُتل فيه اثنان من عناصره بضربة من طائرة من دون طيار إسرائيلية بالقرب من الجولان. واتّهم الحزب إسرائيل في تلك الفترة بشنّ هجوم بواسطة طائرة من دون طيار في ضاحية بيروت الجنوبية وتعهد بالرد.
جاء ردّ الحزب في 1 سبتمبر/أيلول 2019، باستهداف عربة عسكرية إسرائيلية بصواريخ من طراز كورنيت بالقرب من أفيفيم وييرون، على طول الحدود.
وفي أبريل/نيسان الفائت، قام مقاتلو حزب الله باختراق ثلاث نقاط مختلفة على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وقص الشريط السياجي للحدود، في ردٍ على استهداف إسرائيل لآلية للحزب على الحدود مع سوريا، لم تسفر عن وقوع إصابات.
حفظ ماء الوجه
والاثنين تكرر هذا السيناريو حسب المصادر اللبنانية، ليحفظ الحزب بذلك ماء الوجه من خلال القدرة على إثبات قدرته على الردّ، لاسيما أمام قاعدته الحزبية، وبيئته التي باتت ترزح كما بقية اللبنانيين تحت ضغط الأزمة المعيشية الحادة.
وأتى هذا التصعيد بعد أيام قليلة على رسالة نقلها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش إلى قيادة حزب الله بلقاء أحد مسؤوليه، كما أفادت معلومات خاصة "العربية.نت" من دون أن تعطي مزيداً من التفاصيل لناحية مضمونها.
كما أتى ضمن السياسة الجديدة التي رسمها أمين عام حزب الله حسن نصرالله منذ استهداف إسرائيل لعناصر حزبه في سوريا، قائلاً في حينه "إن اعتداءاتها لن تمر"، بحيث إن كل عملية تُنفّذ هناك سيرد عليها بأخرى من لبنان الذي يعاني تدهورا اقتصاديا غير مسبوق منذ أكتوبر الماضي، ما دفع العديد من اللبنانيين إلى انتقاد استئثار حزب الله بقرار ملايين اللبنانيين، وقرار الدولة الرسمي في فتح الجبهات والحروب.