تستعد الولايات المتحدة الأميركية لعقد جولة جديدة من مفاوضات الحوار الاستراتيجي مع العراق قبل نهاية هذا الشهر، على أن تعقد هذه المرة في العاصمة الأميركية وجهاً لوجه، فيما تعتبر إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أن العراق هو "حجز الزاوية" في استقرار منطقة الشرق الأوسط.
ينظر أعضاء فريق دونالد ترمب إلى سيادة العراق كشرط أساسي لتطبيق مفهوم "الدولة" التي تمارس صلاحياتها على كامل أراضيها، ويأملون أن يتمّ تطبيق هذا النموذج في دول المنطقة، حيث تتدخل إيران في شؤون دول ضعيفة وتشهد اضطرابات مثل سوريا ولبنان.
وصف مرشد الثورة الإيراني خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي له الحضور الأميركي "حيثما حلّ، بأنه يجلب الفساد والدمار"، ويعتبر الأميركيون أن تداعيات اجتياح العراق، والحملات الإعلامية التي تشنّها إيران، تتسبب في رسم صورة سلبية عن الأميركيين، لكن إدارة الرئيس الأميركي الحالي ترفض القبول بذلك وتريد مقاربة العراق من باب أن "الولايات المتحدة هي قوة خير" مقابل إيران و"إيران قوة شرّ" لا تعترف بسيادة العراق.
"عراق قوي"
مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية تحدّث إلى "العربية" ووجّه كلامه قائلاً "للشعب العراقي الذي يسعى للإصلاح، ولحكومة بدون فساد، ومتحررة من التدخل الإيراني، نقدّم دعم أميركا وصداقتها الدائمة" وشدّد على أن "الولايات المتحدة تقدّم التزامها الدائم للشعب العراقي، وبعراق قوي وسيّد ومزدهر".
من السهل على معارضي الدور الأميركي أن يلجأوا إلى الاستهزاء بهذا الكلام، لكنه في الحقيقة يعكس موقفاً أميركياً يقوم على أن البلدان الحرّة، وذات السيادة، تستطيع أن تكون دولاً صديقة، وترغب الولايات المتحدة في رؤيتها مستقرّة، فهذا يفسح في المجال أمام انسحاب القوات الأميركية وتصبح هذه الدول شريكاً تجارياً وأمنياً، فيما أن عراق مضطرب وضعيف سيبقى دائماً ضحية إيران وساحة لانتشار الإرهاب والتطرف.
العراقيون يريدوننا
تنشر الولايات المتحدة حوالي 5000 جندي أميركي على أراضي العراق، وقال المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية "إننا واثقون من أن الشعب العراقي يريد الولايات المتحدة وقوات التحالف أن يبقوا هناك إلى جانبهم لمحاربة داعش وبقاء العراق مستقراً".
ويتهم الأميركيون الإيرانيين مباشرة بالتسبب بزعزعة الاستقرار في العراق ويعتبرون، بحسب تصريح المسؤول في الخارجية الأميركية، "أن المجموعات المدعومة من إيران وتعمل خارج سيطرة حكومة العراق تبقى مشكلة كبيرة وتشكّل تحدّيا لحكومة الكاظمي".
ستكون قضية هذه المجموعات التابعة لإيران على طاولة الحوار الاستراتيجي في دورته التالية، خصوصاً قصف هذه الميليشيات للسفارة في بغداد ومراكز انتشار القوات الأميركية في العراق، وقال المسؤول في الخارجية الأميركية: "إن العراقيين أكدوا أنهم سيعملون قدماً ويفون بالتزاماتهم، ليس فقط لأننا شركاء جيدون، بل أيضاً لأن القانون الدولي يحتّم عليهم حماية المقرّات الدبلوماسية وطبعاً عناصر التحاف وهم موجودون هناك بدعوة من العراق".
الاختراق الإيراني
عملت إيران منذ سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين على تثبيت نفوذها في العراق، من خلال شبكة من الميليشيات الموالية لها، ووسّعت حضورها على أراضي الدولة الجارة من خلال إضعاف الدولة، ومن خلال قبولها في حواضن الطائفة الشيعية وحتى لدى بعض مكونات الدولة العراقية.
لكن هذا القبول العراقي انهار منذ سنة، عندما شعر العراقيون أن إيران تسببت بإفلاس التجار الصغار عن طريق إغراق العراق بمواد تجارية إيرانية رخيصة، كما أغرقت شوارع العراق بالمخدرات وتسببت بظاهرة الإدمان بين آلاف الشباب العراقيين.
كان من الملاحظ أيضاً أن بعض أصوات إدارة ترمب عبّرت منذ أوائل هذا العام أنها لن تترك العراق ولن تقدّم هذا العراق للإيرانيين على طبق من فضة.
"الميليشيات المارقة"
يعتبر الأميركيون أن لديهم فرصة جيدة لصدّ النفوذ الإيراني، ويرون أن وجود مصطفى الكاظمي يفتح باباً لتقليص هذا النفوذ، وقد أكد المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لدى تصريحه لـ"العربية" "أنه من حواراتنا مع حكومة الكاظمي نفهم أنهم ملتزمون بإعادة بسط السيادة والسيطرة على هذه الميليشيات المارقة، وأن يكون لديهم جهاز أمن موحّد" ونبّه المسؤول في الخارجية الأميركية أن الوضع الحالي "ما زال يشكل خطراً، ليس فقط على الأميركيين بل على الحكومة العراقية والاستقرار هناك".
يفهم الأميركيون إلى حدّ كبير خطر هذه "الميليشيات المارقة" التابعة لإيران على العراق وعلى حكومته لكنهم في الوقت ذاته يبدون ثقة عالية بقدرات القوات العراقية مقابل هذه الميليشيات المدعومة من إيران، ويقول الجنرال مارك كيميت "إن القوات العراقية جنودها شجعان وهي منظمة بشكل جيّد، ولكنها ستحتاج إلى مساعدة في مجال الدعم الاستخباري والتدريب والعتاد لسنوات".
الجنرال المتقاعد، وهو عمل في العراق خلال سنوات خدمته وبقي على اتصال بالعراقيين خلال العقد الماضي، قال لـ"العربية" إن القوات العراقية "أثبتت تفوقها على على الميليشيات المارقة"، وأشار إلى أن هذه الميليشيات تشبه غيرها في المنطقة، وتبقى تهديداً للاستقرار والأمن في الدول التي تدّعي مساعدتها".
خط الدفاع العراقي
المثير في كل هذا، أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ترى حقيقة أن العراق ليس حلبة للصراع أو الصراع النفوذ مع إيران ولا تريد العراق أن يكون ساحة لتصفية الحسابات، بل إنها تعيد إلى الواجهة "العراق، خط الدفاع" ضد التمدّد الإيراني، ويرى أعضاء إدارة الرئيس الأميركي أن حكومة عراقية قوية وقوات مسلحة تستطيع بسط سيطرتها على أراضي العراق، ستكون هي بالذات من يقطع طريق الإيرانيين إلى سوريا ولبنان، ويعتبر الأميركيون أن لديهم أصدقاء في العراق يفوقون عدداً وقوة كل ما فعلته إيران منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، وكل ما يحتاج الأميركيون فعله هو مساعدة العراقيين على استعادة بلدهم، ودعمهم لطرد النفوذ الإيراني ومنع عودة "داعش".
ومنع عودة "داعش"، وجه مهم للحضور الأميركي، ويعتبره الأميركيون "حيوياً للأمن العالمي"، وقال المسؤول في وزارة الخارجية الأميركي الذي تحدّث إلى "العربية" إن الولايات المتحدة ستتابع "التشاور مع حكومة العراق والشركاء في التحالف في مجال الوجود العسكري الطويل الأجل، وهو يبقى حيوياً للعراق وللأمن العالمي".
تعطي إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الانطباع أنها لن تتخلّى عن مكتسباتها في العراق، سواء أكان ضد "داعش" أو ضد النفوذ الإيراني، والأكثر إثارة هنا هو أن الأميركيين في ظل الرئيس ترمب، يربطون النجاح في المنطقة بالنجاح في العراق.