شنت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، هجوما عنيفا على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووصفته بالرئيس الديكتاتوري الذي ينكل بخصومه المنتخبين والناقدين وغيرهم، وذكرت أن تركيا الديمقراطية تموت فعلا في عهد أردوغان الذي فقد شعبيته.
وفي التفاصيل، يقول أيهان بيلجين، أحد القلائل الذين احتفظوا بمنصبه بعد عملية تطهير لا هوادة فيها قام بها حزب أردوغان، إن العمل كرئيس لبلدية من الحزب السياسي المؤيد للأكراد في تركيا هذه الأيام، هو بمثابة الخوف من الاعتقال في أي لحظة.
واستحوذ مرشحو حزبه المعارض على 65 بلدية تركية عندما أجريت الانتخابات المحلية في مارس 2019. وخلال حملة القمع التي قامت بها حكومة أردوغان لاحقاً، سيطرت السلطات فعلياً على جميع البلديات ما عدا 10 بلديات، في حين احتجزت ما لا يقل عن 20 عمدة.
وأشار التقرير إلى اشتداد قمع تركيا على أحزاب المعارضة وجماعات المجتمع المدني والمنشقين بعد مزاعم انقلاب فاشل في عام 2016.
ولكن إزالة العديد من رؤساء البلديات المنتخبين - الذين يمثلون إرادة الملايين من الناخبين - كانت دليلاً صارخًا على المخاطر التي تواجه الديمقراطية في البلاد، بحسب جماعات حقوق الإنسان والمحللين وأعضاء حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يشجع حقوق الأكراد في التعبير الثقافي والاستقلالية بشكل أكبر.
لقد أصبح استهداف البلديات التي يسيطر عليها الحزب سمة من سمات السياسة في تركيا. وفي عام 2016، أزالت السلطات رؤساء البلديات المنتخبين بشكل جماعي. ونتيجة لذلك، بات المسؤولون المنتخبون في حالة من القلق.
ويقول بيلجين، عمدة كارس، شرق تركيا: "عندما نخلد إلى النوم كل ليلة، نفكر في إمكانية اعتقالنا في الصباح. كلنا نحمل القلق من احتمال حدوث ذلك في أي لحظة. هذا وضع محفوف بالمخاطر للغاية بالنسبة لدولة القانون".
إن ملاحقة الحكومة لرؤساء البلديات المؤيدين للأكراد تكتيكية إلى حد كبير. وقال المحللون إن حزب الشعوب الديمقراطي كان منذ فترة طويلة مصدر إزعاج سياسي لأردوغان، لقدرته على إبعاد الناخبين الذين شكلوا جزءا من قاعدة أردوغان الانتخابية.
وقالت غونول تول، مدير برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن خطاب أردوغان المناهض لـ"حزب الشعوب الديمقراطي" أصبح أكثر حدة بعد أن تحالف مع حزب قومي متطرف، ولكن حتى تلك الشراكة لم تمنع شعبية الرئيس من الانزلاق والتراجع. وعلقت: "إنه في مشكلة كبيرة".
وينفي المسؤولون الأتراك أن أفعالهم ضد حزب العدالة والتنمية سياسية، ويقولون إنها ببساطة مسألة قانونية. وقد اتهم المسؤولون بانتظام أعضاء الحزب، الذي لا يزال قانونيا، بدعم حزب العمال الكردستاني، وهو حزب متشدد محظور خاض تمردا منذ عقود ضد الدولة التركية. ويشكل الأكراد حوالي خُمس سكان تركيا، لكنهم ما زالوا يكافحون من أجل الاعتراف بهم.
وفي الأسبوع الماضي، فقدت عمدة من حزب الشعوب منصبها، وفقًا لوسائل الإعلام الرسمية. وأفادت وكالة أنباء الأناضول الحكومية أن الشرطة اعتقلت يوم 13 يوليو رئيسة البلدية بيتول يسار بتهم تضمنت عضوية منظمة إرهابية في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني. وبحلول اليوم التالي، تم وضع مكتبها في مقاطعة أغري الشرقية تحت إشراف عمدة بالإنابة عينته الحكومة المركزية.
ويقول ايهام بيلجين في مقابلة بالفيديو، إنه مع اختفاء رؤساء البلديات، فإن أولئك الذين يبقون في منصبهم يتحدثون معًا بشكل متكرر، ويتبادلون النصائح والفكاهة السوداء لقضاء أيامهم.
وقبل انتخاب بيلجين ورؤساء البلديات الآخرين العام الماضي، أصدر أردوغان تحذيرًا إلى حزب الشعوب الديمقراطي يشير إلى أنه لن يُسمح لمرشحيه بالخدمة.
وعندما أجريت الانتخابات في الشهر التالي، تسببت في انتكاسات مذهلة لحزب أردوغان، الذي خسر انتخابات العمد في بعض أكبر مدن تركيا. وكان أكثر ما يزعج أردوغان هو خسائر إسطنبول وأنقرة لصالح مرشحين من حزب الشعب الجمهوري، أكبر حزب معارض في البلاد.
وبحلول آب /أغسطس، كانت الحكومة قد اتهمت 3 عمداء من حزب الشعوب الديمقراطي الذين حققوا انتصارات ساحقة على مرشحين من حزب العدالة والتنمية التابع لأردوغان. وتم استبدال رؤساء بلدية ديار بكر وماردين وفان بمسؤولين حكوميين.
وقد وعد بعض رؤساء بلديات المنتخبين حديثًا - بما في ذلك عدنان سلجوك ميزراكلي، عمدة ديار بكر، أكبر مدينة في المنطقة الجنوبية الشرقية ذات الأغلبية الكردية في تركيا - بالتحقيق في المعاملات المالية لأعضاء الحزب الحاكم الذين شغلوا المناصب سابقًا.
وبحلول فبراير/شباط، كان 32 عمدة من حزب الشعوب قد تم عزلهم من مكاتبهم، بحسب تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش" في ذلك الشهر.
وقالت المجموعة، مستشهدة بفحص 18 قضية قضائية، إن اعتقال العُمد ارتكز على "ادعاءات غامضة ومعممة ضدهم، وبعض المعلومات السرية، وتفاصيل عن أنشطتهم السياسية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لم تثبت شكوكًا معقولة للنشاط الإجرامي الذي يبرر الاعتقال".
وقالت تول من معهد الشرق الأوسط: "في المدن الكبرى في تركيا، سلطت الانتخابات وما أعقبها، الضوء على مدى تحول رؤساء البلديات إلى تهديد حقيقي لأردوغان. خصوصا أن المنافسين الرئيسيين جاؤوا من حزب الشعب الجمهوري بمن فيهم بعض الذين ميزوا أنفسهم باستجابتهم لوباء الفيروس التاجي"، مضيفة "إن استطلاعات الرأي الأخيرة أشارت إلى أن الشباب الكردي يشعرون بعزلة كبيرة، وأنهم ليسوا جزءا من تركيا بعد الآن. الشباب الكردي يتجنب الحديث عن السياسة مع الأصدقاء الأتراك".
لكن القصة في المناطق ذات الأغلبية الكردية في تركيا مختلفة، فهناك عززت الانتخابات مشاعر التهميش. وكتب نيكولاس دانفورث، زميل في مركز ويلسون بواشنطن، في إحاطة مؤخرًا أن "استبدال الحكومة لرؤساء البلديات المنتخبين بأمناء معينين غيّر بشكل أساسي طبيعة الحكومة المحلية في هذه المنطقة على حساب حقوق الناخبين ومصالحهم".