بعد التطور الكبير الذي حصل في القرن العشرين في مجال العمارة والخدمات في المدن والقرى وإلغاء أو تقلص أهمية خدمة الحمامات العامة .. أصبح قليلين الذين يعرفون المعنى المجازي للمثل القائل ( ضايعة الطاسة ) فالطاسة هي الوعاء النحاسي الذي ينقل به المستحم الماء من الجرن أو الحنفية إلى رأسه وجسمه ليزيل الصابون .. ولندرك معنى المثل يجب أن نتخيل الصراخ والهرج والمرج والارتطام والتعثر والارتباك الذي يحصل في الحمام إذا رغا المستحمون الصابون على وجوههم ولم تجد الأيدي الباحثة عن الطاسات مبتغاها
هذه هي بلادنا اليوم مواطنون طيبون أغلقوا أعينهم خوفاً من الحرحرة التي تسببها رؤية الحقيقة والطاسة التي تساعدهم لفتح أعينهم دون ألم مفقودة ( ضايعة )…
العيون مغلقة والخيال واسع … كلٌّ يتكلم عما يخمن وكأنه مبصر مفتِّح العينين .. أوهام يتداولها الناس وكأنها حقائق صراخ من فرد إلى آخر وهو قابع بقربه … وأخر يهمس في لرفيقه وهو بعيد .. تهم بالعلن والسر من فريق لآخر بسرقة الطاسة .. كفر وتكفير ومحاولات تخطي الآخرين وإلغائهم في سبيل الطاسة .. والطاسة موجودة أمامهم وهم لا يبصرون … واحد يجزم بوجودها وآخر يجزم بسرقتها من فاعل مجهول ، وآخر يأمر أتباعه بفتح أعينهم وهو مغمض بإصرار .. واحد يحذِّر من انقطاع الماء والدخول في حالة الحمام المقطوعة ماؤه … وآخر يطمئن الناس بأن الماء في هذا الحمام لا ينضب دون أن يعرف مصدره.
البعض من كثرة الأوهام لم يعد يعرف نفسه .. وآخرون شعروا من كثرة الثرثرة والصراخ بالغربة ونسوا أنهم أصحاب الحمام .. مغمضون أمسكوا بأيدي بعضهم ليشكِّلوا جماعات مختلفة الأهواء والأهداف .. جماعة يربطهم الخوف من الانزلاق والتعثر وأخرى يربطها هوس البحث عن الطاسة المفقودة وهم مغمضون … جماعة يربطهم حقدُ على شخص مزعوم سرق الطاسة وأخرون يشد أواصرهم وروابطهم البحث عن باب الحمَّام للهروب من هذا التجمع الأعمى .. كل هذا وكلفة رؤية الحقيقة لا تتعدى القليل من الحرحرة
وبانتظار من تتوفر فيه الشجاعة الكافية لتحمل الألم فيفتح عينيه ويكتشف مكان الطاسة قبل انقطاع الماء وفوات الأوان … أو بانتظار من تصبح آلامه أكبر من آلام الحرحرة فيفتح عينيه ويرى الحقيقة … ستبقى الطاسة ضايعة والوعي ممزوج بالخيال .. والحقائق كلها مشكوك بها ..