أميل إلى الاعتقاد بأن انضمام المرأة إلى مجلس الشورى سيمر بهدوء. ولن نسمع الأصوات العالية التي اعتادت التهويل بالويل والثبور وعظائم الأمور، كلما طالبت المرأة السعودية بحق أو حصلت على حق من حقوقها. تولد عندي هذا الاعتقاد حين تابعت هؤلاء الناس أنفسهم، وهم يتغنون بفضائل الثورات العربية، رغم ما تنطوي عليه مما وصفوه سابقا بالكفريات وعظائم الذنوب، ومنها بطبيعة الحال مشاركة النساء في الانتخابات البرلمانية ترشيحا وتصويتا، وظهور النساء المتدينات وسط الرجال، في الاجتماعات والنقاشات وسائر الأعمال. هؤلاء الرجال هم أنفسهم الذين أقاموا الدنيا وأقعدوها في عام 2005، حين أصدر مجلس الوزراء قراره المعروف بتأنيث محال بيع الملابس النسائية، قائلين – يومئذ – إن خروج المرأة من بيتها، سيدخل البلاد والعباد في دار الشيطان.
لن نسمع هذه الأصوات، لأن أصحابها تغيروا. ما كان منكرا عندهم في 2005 أصبح مقبولا ومعروفا في 2013، لأننا ببساطة عبرنا عتبة 2012 التي غيرت مسلمات كثيرة في أنفسنا وفي الواقع.
لا يقرر الناس تغيير ثقافتهم، ولا يقررون تغيير القيم التي يحملونها. بل يقررون أولا الانحياز إلى مواقف جديدة، أي دوائر مصالح جديدة، فيشعرون بالحاجة إلى تبرير هذا التغيير، فيصطنعون فكرة جديدة، أو يعيدون تفسير فكرة قديمة، كي يرضوا أنفسهم ومن يتبعهم. وهكذا يحدث التحول في ثقافة المجتمع. انحياز بعض الدعاة والناشطين إلى النموذج الذي طرحه الربيع العربي يفرض عليهم تبرير ما ينطوي عليه، مما كانوا يعتبرونه سابقا خطيئة أو كفرا. شعورهم بالحاجة إلى هذا التبرير، هو الذي يحملهم على السكوت عن التحولات التي تجري في البلد، أو ربما تقبلها وتبريرها أيضا.
تغير سبل العيش وأنماطه ومصادره، وتغير معادلات القوى في المجال العام، يؤدي بالضرورة إلى تغيير السلوكيات الفردية والاجتماعية. هذا يدفع المجتمع إلى إعادة صوغ القيم والأعراف القديمة، كي تبرر شكل الحياة الجديد. ويتأثر بهذا التغيير معظم – أو ربما كل – مسارات الحياة. في مجتمعنا مثلا، كان عمل المرأة يضعف احتمال حصولها على زوج. وكان الشبان المقدمون على الزواج يطلبون "ربة بيت"، لا تخرج للعمل كل يوم، ولا تختلط بالرجال. أما اليوم فإنهم يسألون أولا عن "وظيفة" الفتاة المرشحة للزواج. كما تشترط الفتاة عند العقد إقرار الزوج بحقها في العمل، والتزامه بعدم منعها منه.
في السابق كنت تسمع من هؤلاء مبررات، وتسمع اليوم منهم مبررات نقيضة، دينية أو اجتماعية أو أخلاقية. حقيقة الأمر أن الناس يغيرون أنفسهم، لأنهم يعيشون في زمن متغير. هكذا تسير الحياة وهكذا يعيش الناس.