هو أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود، ضرب لبنان، ذاك البلد الصغير الذي لطالما فضّل النأي بنفسه عن كل ما حوله، لتأتيه المصائب من حيث لا يدري.
فمع أزمة السيولة التي أنهكت البلاد وتوقف المصارف عن تزويد المودعين أموالهم بالدولار فضلاً عن ارتفاع معدل التضخم ما جعل نحو نصف السكان تحت خط الفقر، وتبعات جائحة كوفيد-19 والإغلاق الذي رافقها، جاء قانون قيصر الأميركي الذي استهدف الجارة سوريا وهلّ بتبعاته إلى ما حولها أيضاً.
وفي محاولة لتدارك الوضع، خصوصاً بعد توقف الأفران عن بيع المحلات الصغيرة، ما فجر غضباً واسعاً، أعلن مصرف لبنان المركزي عزمه توفير النقد الأجنبي لمستوردي الصناعات الغذائية الأساسية والمصنعين بسعر 3900 ليرة للدولار.
إبرة مسكن لوقت قصير
إلا أن هذا الإجراء لن يكون على قدر الحمل الثقيل الملقى على عاتق اقتصاد بلد الأرز، فبحسب مراقبين، ما هذا القرار إلا "إبرة مسكن" تعمل لوقت قصير لا أكثر.
وفي حديث خاص له مع "العربية نت" ، أفاد المحلل المالي اللبناني عماد ديراني، بأن قرار المصرف المركزي يمكن له أن يخفف قليلاً من الطلب على الدولار في السوق السوداء، إلا أن الوضع بجاجة لانتظار خطوات تطبيق القرار على الأرض، وهو ما يعاني منه لبنان في أغلب الأحيان مع قرارات المصرف، حيث يصدر القرار ويأتي الخلل عند التطبيق، بحسب تعبيره.
وأضاف ديراني أن السوق بحاجة لمعرفة تفاصيل أخرى، مثلا كم كمية الدولار المتوقع ضخها من قبل المصرف، وكم المسموح به للعمل، وكذلك الأوراق المطلوبة، والأهم الشروط الوافر توفرها بالتجار للاستفادة منه، وتبعاً لذلك فإن قرار المركزي بحاجة لوقت كي تظهر نتائجه جليّة.
مخرج لتفادي قيصر!
وعن قانون قيصر الذي أصدرته الولايات المتحدة الشهر الماضي، معاقبة للنظام السوري وشركائه وجاء بتبعاته على لبنان ودول الجوار، شرح ديراني أنه وفي الوقت الحالي لاتوجد علاقات اقتصادية واضحة بين الحكومة اللبنانية وحكومة النظام في سوريا، إلا أن من المهم توضيحه أن لبنان لا يملك حدوداً برية إلا مع سوريا وبالتالي فهو أكثر المتضررين من القرار.
والحل في ذلك بحسب ديراني، أن يحصل لبنان على استثناءات من الحكومة الأميركية بشأن تطبيق القانون، لأنه في أولا الأمر وآخره فإن لبنان مجبور على التنفيذ، فهو لا يقوى على مجابهة العقوبات الأميركية في حال العصيان.
من جهة أخرى، لا يستطيع لبنان الالتزام الكامل بحذافير القانون، وهو ما على الولايات المتحدة أن تعيه تماماً، وبالتالي عليها أن تمنح بيروت استثناءات كما جرى مع حكومات أخرى في أوقات سابقة في زمن العقوبات.
لبنان والديون وعمل الحكومة
وأمام هذا الوضع الاقتصادي الحرج، كشف ديراني أن لبنان أضحى في ورطة بعد تخلفه عن سداد الديون الخارجية، وهو ما جعل من الصعب عليه فتح اعتمادات جديدة للحصول على أموال تغطي المواد الأساسية للبلد.
فلبنان خسر في هذه الأزمة موارد رئيسية تمكن اقتصاد أي دولة من النهوض، كالصادرات مثلاً وهي غير موجود في لبنان أصلاً لأنه بلد مستورد بامتياز، وكذلك أموال المغتربين التي تقلصت بشكل كبير بسبب الأوضاع في العالم أجمع وفي لبنان خصوصاً، والسياحة التي ذهبت مع الريح بفعل كورونا والوضع الأمني وتبعاته، لذلك لم يبقى أمام لبنان إلا المساعدات الخارجية من البنك الدولي التي وضع مقابلاً لها شروطاً وإصلاحات يصعب على حكومة حسان دياب تطبيقها لاعتبارات سياسية على الرغم من وعودها بالالتزام.
كما تابع أن الحل يكمن بضخ العملة الصعبة من الخارج الذي لن يحدث لو لم تنفذ الحكومة الحالية ما أكدت التزامها به.
شهور لا تنذر بالخير!
وأما هذا الوضع الصعب، أشار ديراني إلى أن الوضع في لبنان تحول من أزمة اقتصادية إلى أزمة اجتماعية، مشيراً إلى أن حالات الانتحار التي تكررت كثيرا في الأونة الأخيرة وبزمن قصير، وكذلك حالات السرقة، والاضطرابات الأخرى لا تنذر بالخير أبداً.
وبحسب ديراني، فإن تسارع الأحداث الذي أفقد الليرة اللبنانية ما يعادل 80% من قيمتها بوقت سريع جداً لم يعطي للسلطات مجالاً للتفكير، كما منعها من أخذ القرارات والتصرّف.
وأمام هذا الوضع الصعب، توقع المحلل المالي لبناني في معرض حديثه أن أمام لبنان شهور قليلة ليشهد انفجارا شعبياً واسعاً لم يشهده من قبل.
يشار إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتردية كانت شكّلت شرارة الانطلاق لموجة احتجاجات غير مسبوقة عمت المناطق اللبنانية في خريف 2019 رفضاً لأداء الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والفشل في إدارة الأزمات المزمنة في البلاد.
ومازال بلد الأرز يعيش منذ تلك أواخر العام الماضي حتى اليوم انهياراً اقتصادياً متسارعاً يُعدّ الأسوأ في البلاد منذ عقود، لم تستثن تداعياته أي طبقة اجتماعية.