من سوريا إلى ليبيا، تُثير الشراكة التركية – القطرية التي تتمحور حول الدفاع عن "الإسلام السياسي" القلق. ففي تحقيق موسع نشر قبل أيام في صحيفة الفيغارو الفرنسية، ذكّر الصحافي الفرنسي جورج مالبرونو بالهدية القطرية القيمة التي تلقاها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل سنوات، والتي كانت عبارة عن طائرة بوينغ 747 قُدمت له بسخاء من قبل حليفه أمير قطر، كرمز لتعزيز الشراكة القطرية التركية، التي غيرت الموازين في سوريا وليبيا.
وبحسب مصدر سويسري فإن الطائرة التجارية التابعة للخطوط الجوية القطرية، والتي وصلت في 11 ديسمبر 2017 إلى مطار بازل – مولوز الفرنسي السويسري، زادت قيمتها أكثر من الضعف حيث بلغت مليار دولار.
كما كشف التقرير أنه بعد بضعة أشهر من هبوط الطائرة في بازل، وصل فريق إلى زيوريخ من أجل استلام مشاعل حرارية مضادة للصواريخ من شركة إلبيت (Elbit) الإسرائيلية، بهدف تثبيتها تحت جناحي طائرة الرئيس التركي، المعروف بمواقفه الحادّة من السياسة الإسرائيلية، إلا أنه وبحسب ما أكد جندي فرنسي "ففي مجال الأمن الجوي، إسرائيل لا مفر منها تقريبًا، وعندما يتعلق الأمر بحماية قادة العالم لأنفسهم سرعان ما ينسون مبادئهم الرئيسية".
إلى ذلك، ألقى التقرير الضوء على تلك العلاقات الحميمة التي تجمع البلدين، والتي تشمل أيضا تنسيقاً أمنياً ومخابراتياً.
فمنذ العام 2017، تعزز التحالف بين الدوحة وأنقرة، ومثل هذا المحور التركي - القطري الجديد، الذي يقوم على الدفاع عن "الإسلام السياسي" وتنظيمات الإخوان وغيرها، شرخًا في العالم العربي الإسلامي.
الدوحة ومساعدة الليرة التركية
إلى ذلك، عزز الانقلاب الفاشل ضد الرئيس التركي في صيف 2016، تلك العلاقة بين الطرفين، بعد أن هبت الإمارة الغازية الغنية لمساعدة الليرة التركية من خلال إيداع 3 مليارات دولار إلى البنك المركزي.
وبعد ذلك بعام، أنشأت أنقرة جسراً جوياً مع الدوحة، لتجاوز جيرانها.
كما استثمرت قطر المليارات في قطاعي السياحة والمصارف التركية والصناعات التحويلية.
وتجددت الشراكة في 20 مايو عندما حصلت تركيا، لعدم وجود اتفاق مع الدول الغربية، على مصدر جديد للعملات الأجنبية من قطر، بفضل زيادة التبادلات بين البنوك المركزية في البلدين إلى 15 مليار دولار.
تنسيق مخابراتي
إلى ذلك، لفت التقرير الفرنسي إلى أن هذه الشراكة بين البلدين تمتد إلى مجالات حساسة كالدفاع والاستخبارات والسيطرة على العالم الإسلامي.
ولفت إلى أن ضباط المخابرات التركية الخارجية (MIT) أخذوا مكانهم داخل أجهزة المخابرات القطرية، فقد نقل عن ضابط استخبارات فرنسي على دراية بالخليج، تأكيده قيام ضباط من المخابرات التركية الخارجية (MIT) بالعمل داخل أجهزة المخابرات القطرية الداخلية والخارجية، والعكس صحيح أيضا، ما يُسلط الضوء على تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين.
وأشار التقرير إلى أن بعض الدول الأوروبية استفادت من هذا التقارب، لافتا إلى أن فرنسا استفادت من مساعدة المخابرات التركية في إطلاق سراح الرهائن في سوريا عام 2014، كما استفادت إيطاليا مؤخرًا من الدعم التركي والاستخبارات القطرية في إطلاق سراح سيلفانا رومانو، التي احتجزت في الصومال من قبل ميليشيا الشباب المرتبطة بالقاعدة.
فبما أن أنقرة لديها قاعدة عسكرية في الصومال قامت المخابرات التركية بالتواصل مع الخاطفين، في حين قامت الدوحة بدفع الفدية، وفقًا للصحافة الإيطالية.
متطرفو إدلب
وفي سوريا، تتعاون أجهزة التنصت الحكومية التركية والقطرية الكبيرة في إدارة الفصائل المتطرفة، المُحاصرة في محافظة إدلب التي تريد كل من دمشق وموسكو استعادتها.
فقد أوضح التقرير أن أنقرة تحتاج إلى اتصالات القطريين مع المتطرفين لتحقيق هدفها المتمثل في القضاء على الأكثر تطرفاً - من المقاتلين الأجانب المرتبطين بالقاعدة - وإعطاء الانطباع للدول الغربية المعنية بالملف السوري بأن بقية الفصائل الأقل تطرفاً ستطيعها.
تمويل شركة تابعة لصهر أردوغان
بالإضافة إلى دعمها السياسي والتشغيلي، تستثمر الدوحة بشكل متزايد في الصناعات الدفاعية التركية. فبحسب مجلة Raid تعتبر وزارة الدفاع القطرية من أوائل عملاء طائرات المراقبة من دون طيار من طراز (Bayraktar TB-2) القابلة للتسليح، وهي من يُمول تطوير النموذج القادم للشركة التي يرأسها سلجوق بيرقدار، صهر أردوغان.
إلى ذلك، ارتفعت نسبة التمويل القطري لعدد من المشاريع العسكرية، كمشروع شركة BMC، المسؤولة عن إنتاج أول دبابة قتال تركية Altay، والتي يملكها إيثيم سانجاك، رجل أعمال قريب من أردوغان.
فقد أضحت نسبة التمويل 25.1% من قبل عائلة أوزتورك، مقابل 49.9% للقوات المسلحة القطرية.
إلى ذلك، ذكر التقرير بأن القاعدة التركية التي تم إنشاؤها في قطر عقب المقاطعة تستضيف ما يقارب 5000 جندي، منهم قوات خاصة ومُشاة. ويسمح ميناء قطر العميق لتركيا بالرسو في مياه الخليج.
أما الدعم التركي فيزيد من عمق قطر الاستراتيجي، مما يسمح للبلدين بالتدخل في شرق إفريقيا على وجه الخصوص.
أنقرة وليبيا
ففي ليبيا، يُحارب الدعم الذي تقدمه الدوحة وإسطنبول لحكومة الوفاق بقيادة فايز السراج، الدول التي تعارض الفصائل والميليشيات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.
وفي السياق، أشار الباحث جليل الحرشاوي إلى أن قطر ليست الممول الوحيد لأنقرة في ليبيا، لكنها تغطيها بشكل خاص دبلوماسياً، وأكد أن الشحنات القطرية غادرت بالفعل قاعدة العديد الجوية القريبة من الدوحة، قبل فترة وجيزة من استعادة الوفاق لقاعدة الوطيّة الجوية في الثامن عشر من شهر مايو.