مكة المكرمة / المدينة المنورة 12 ذو القعدة 1441 هـ الموافق 03 يوليو 2020 م واس أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بليلة المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن ، فالحياةُ كلُّها في إدامةِ الذِّكر، والعافيةُ كلُّها في موافقةِ الأمرِ، والنَّجاةُ من الهلاكِ في رُكُوبِ سفينةِ الكتابِ والسُّنَّة، والفوزُ فوزُ مَنْ زُحزِحَ عن النَّارِ وأُدخِلَ الجَنَّة. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم : إنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ القُلوبَ لتكونَ عارفةً به، مُتَعَرِّفةً إليه، موصولةً به، لا يَصُدُّها عن ذِكره صَادٌّ، ولا يَشْغَلُها عن التَّفَكُّرِ في آياته رَادٌّ، غيرَ أنَّه قدْ تَعرِضُ لهذه القلوبِ أدواءٌ وحُجُبٌ تَـحُولُ بينها وبين ما خُلِقَتْ له، وتُزِيلُها عن حالها التي أُرِيدَتْ لها، ومن أخطر ما يَعرِضُ لها وأَضَرِّه: داءُ الغَفْلة؛ فإنَّه رُقادُ القَلبِ، وانصرافُه عن الذِّكر، وإعراضُه عن التَّذكِرة، حتَّى يُتَابِعَ النَّفسَ فيما تشتهيه، ويَفْقِدَ الشُّعورَ بما حقُّه أن يُشعَرَ به ويُوقَفَ عنده. وأضاف قائلا : إن هذه الغَفَلاتِ: الغفلةُ عن التفكُّرِ في الآياتِ الكونيَّةِ والشَّرعيَّةِ، فتأتيْ واحدةً بعد واحدةٍ، والقلوبُ لاهيةٌ سَامِدَةٌ، لا تنبَعِثُ إلى تصديق وإيمانٍ، ولا تَنجَفِلُ إلى خوفٍ وخضوعٍ وتضرُّعٍ وإذعانٍ وذلك الشَّأنُ إذا وردتِ الآياتُ على محلٍّ غافلٍ، غيرِ قابلٍ للتَّذكِرةِ، فكأنَّما هي غيثٌ يَنْزِلُ على أرضٍ ليُحْيِيَها، لكنها قِيعانٌ، لا تُمسِكُ ماءً، ولا تُنبِتُ كَلَأً! ومنها: الغَفْلةُ عن الدَّار الآخرةِ، وما تستحقُّه من السَّعي لها حقَّ سَعْيِها، وإعدادِ الحَرْثِ لها قبلَ أنْ يأتيَ يومُ الحَسرَةِ للغافلين فحظُّ هؤلاءِ الغافلين أنَّهم مُنْقَطِعون إلى الدُّنيا، لا يتجاوزُ علمُهم هذه الدَّارَ إلى غيرها، وهم مع ذلك إنَّما يعلمون ظاهرَها البرَّاقَ، دونَ حقيقتِها وسِرِّها، فيعرِفون مَلاذَّها ومَلاعِبَها وشهواتِها، ويجهَلُون مَضارَّها ومَتاعِبَها وآلامَها، يعلمونَ أنَّها خُلقتْ لهم، ولا يعلمونَ أنَّهم لم يُخلَقُوا لها، يشغلُهم حالُ الإخلادِ إليها، والاطمئنانِ بها، ويغفُلُون عن فَنائِها وزوالِها، فهي قصيرةٌ وإن طالتْ، دَميمةٌ وإن تزيَّنتْ. وأردف فضيلته يقول : فإذا أتتِ الآخرةُ التي غَفِلوا عنها، هنالكَ حقَّتْ حَسْرتُهم، يومَ لا تَنْفَعُ الحَسْرةُ هذا يومُ يُقضَى بينَ الخلائقِ: فمنهم شقيٌّ وسعيدٌ، منهم خالدٌ في الجنَّة، ومنهم خالدٌ في السَّعير؛ فأمَّا أهلُ الجنَّةِ ففي نَعيمٍ وحُبُورٍ، وأمَّا أهلُ النَّارِ ففي حَسْرةٍ وثُبُور. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن السبيلُ إلى علاجِ هذهِ الغَفلةِ هو العلمُ والبَصِيرةُ بحالِ الدُّنيا، وإنزالُها مَنزِلتَها، وتركُ الاستغراقِ فيها؛ حتَّى لا يستوليَ حبُّها على القلوب، فتغفُلَ عن الآخرة، فإنَّ الدنيا والآخرةَ ضَرَّتَانِ: بقَدْرِ إرضاءِ إحداهما تَسْخَطُ الأخرى، وبقَدْرِ تعلُّقِ القَلبِ بإحداهما، ينصرفُ عن الأُخرى، ولا علاجَ لذلك إلا بأنْ تكونَ الآخرةُ هي الغايةَ، والدُّنيا هي الوسيلةَ إليها، فإذا كانت كذلك، فهي مَزْرَعةُ الآخِرَةِ، ونِعْمَتِ الـمَزْرَعةُ، ومن الغفلة اللَّاهية أيضًا: الغفلةُ عن الاعتبارِ والاتِّعاظِ بأحوالِ مَنْ مَضَى من الأمم، فما أكثرَ العِبرَ، وما أقلَّ الاعتبارَ. // يتبع //15:06ت م 0058