أعلن رجل دين إيراني يدعى وح?د هرو آبادي، أمس السبت، أن المحكمة الخاصة برجال الدين في إيران استدعته للمثول أمامها بتهمة مزاولة "البيع بالتجوال" في الشوارع وبالتالي "الإساءة لرجال الدين".
التهم الموجهة لـ"حجة الإسلام" هرو آبادي تختلف عن التهم التي توجه عادةً لرجال دين شيعة معارضين للنظام الإيراني من قبل الادعاء العام الخاص بمحكمة رجال الدين. ويبدو أن آبادي يعاني من الفقر بعد أن مُنع من مزاولة عمله، فلجأ إلى الشارع كبائع متجول لكسب قوت عيشه.
وفي هذا السياق، ذكرت وكالة أنباء حقوق الإنسان في إيران "هرانا"، إنه بعد صدور لائحة الاتهام بحق هرو آبادي، تقرر أن تُرفع قضيته للمحاكمة. وتشمل قائمة التهم الموجهة إليه: "الدعاية ضد النظام" و"تشويش الرأي العام" و"إهانة صادق لاريجاني الرئيس السابق للقضاء" و"الإساءة لمكانة رجال الدين بسبب البيع بالتجوال في زي رجال الدين".
التمييز بين رجال الدين والمواطنين
وتكشف تهمة "الإساءة لرجال الدين" الموجهة ضد هرو آبادي، أن القانون في إيران يمنح "رجال الدين" مكانة مميزة ويجعلهم من الفئات العليا، كما أنه يقيّد العمل الذي يمكنهم القيام به. وباتت مزاولة البيع في الشوارع تشكل "إساءة" لهذه الطبقة المرموقة في حين تشير الروايات الشيعية نفسها إلى أن الأنبياء والصحابة والأئمة كانوا يزاولون الصيد ورعاية الماشية والبيع والشراء لكسب المعاش.
وذكرت وكالة "هرانا"، التي تُعد الأشهر في مجال تغطية أنباء حقوق الإنسان في إيران، أن هرو آبادي أكد صدور لائحة الاتهام بحقه وقرار إحالة القضية إلى الشعبة الثانية لمحكمة رجال الدين.
ونشر رجل الدين، الذي كان قريباً من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، صورة له وهو يفترش الأرض ويزاول مهنة بائع متجول على بسطة يبيع من خلالها العلكة والمعجنات المعلبة.
وفي منشور على موقع "إنسغرام" كتب هرو آبادي: "وردني اليوم اتصال من الشعبة الثانية في المحكمة الخاصة لرجال الدين، وتم إبلاغي أن المدعي العام رفع دعوى ضدي. ولائحة الاتهام تتضمن أربع تهم تشمل "الدعاية ضد النظام" و"تشويش الرأي العام" و"إهانة صادق لاريجاني" و"الإساءة لبروتوكولات رجال الدين بسبب امتهان البيع بالتجوال"، وتقرر عقد جلسة للمحاكمة في 16 أغسطس/آب المقبل".
وكان هرو آبادي سبق وأن أعلن إقالته من جامعة طهران بسبب قربه من الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، لذا قام بمزاولة البيع بالتجوال ليكسب قوت عيشه ويحتج في نفس الوقت على طرده من عمله.
يذكر أن ثمة فيديوهات لهرو آبادي منتشرة على موقع "يوتيوب" يدعو فيها السلطات الإيرانية إلى اعتماد ميثاق حقوق الإنسان "كما هو، بعيداً عن التأويل والتفسير الديني".
ما هي محكمة رجال الدين الخاصة
أُنشئت المحكمة الخاصة برجال الدين في عام 1979 بأمر من روح الله الخميني مؤسس النظام الإيراني بعد الثورة التي أسقطت الشاه. وهي مستقلة عن باقي السلطة القضائية في إيران.
ويعمل كل من مكتب المدعي العام الخاص برجال الدين ومحكمة رجال الدين الخاصة مباشرة تحت إشراف المرشد الأعلى للنظام. وتختلف الإجراءات في هذه المحكمة عن تلك المتبعة في السلطة القضائية والمحاكم الإيرانية الأخرى.
وتصدر هذه المحكمة أحكامها وفق الفقه الشيعي، دون الحاجة إلى مراجعة قوانين البلاد.
ورئيس محكمة رجال الدين الخاصة هو محمد جعفر منتظري، والمدعي الخاص بمحكمة رجال الدين هو إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية، المعين من قبل المرشد الأعلى للنظام.
ولهذه المحكمة فروع في 10 مدن، هي طهران وقم وأصفهان وشيراز والأهواز وتبريز وهمدان ومشهد وكرمان ورشت.
رجال دين تعرضوا للنفي وللمحاكمة وللإعدام
ليس جميع رجال الدين الشيعة في إيران وخارجها موالين لنظام ولاية الفقيه في إيران، ويختلف الكثيرون حتى مع قراءة النظام للمذهب الاثني عشري.
ويقبع أعداد من هؤلاء في السجون، بينما عاش الكثيرون منهم في الإقامة الجبرية. وأشهر هؤلاء المرجع العربي الأهوازي الأعلى آية الله محمد طاهر الخاقاني الذي تم نفيه إلى قم بسبب مطالبته بالحكم الذاتي للعرب، وتوفي عام 1986 في مناه.
والنموذج الآخر لرجال الدين الشيعة المعارضين، هو آية سيد كاظم شريعمتداري الذي عارض فكرة ولاية الفقيه كنظام حكم ودعم "حزب الشعب المسلم" في المحافظات التركية الآذربيجانية. وقد نفاه الشاه إلى الخارج في ستينيات القرن الماضي.
وعند عودته إلى إيران، حُكم على شريعمتداري في محكمة رجال الدين بالتآمر ومحاولة اغتيال قيادات الثورة. وفُرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله، ومُنِع من التدريس في الحوزة. كما تعرض أتباعه للتنكيل، بينما تعرض هو للضرب والإهانة، وتم إحراق مكتبته. وبعد إصابته بالمرض، تم منع إسعافه وعلاجه، فتوفي في بيته.
تجر الإشارة هنا إلى آية الله حسن علي منتظري، نائب المرشد المؤسس، والذي عارض الإعدامات الجماعية في السجون في صيف 1988، فأقيل من منصبه. وبعد أن أصبح خامنئي مرشداً للنظام، فُرضت على منتظري الإقامة الجبرية.
وأعدِم بعض رجال الدين الإيرانيين أيضاً بتهم من قبيل تعريض الأمن القومي للخطر، وأشهرهم "حجة الإسلام" سيد مهدي هاشمي مؤسس "فرع حركات التحرر" في الحرس الثوري الإيراني. وأعدم هاشمي في 1987 بعد أن دانته محكمة الثورة لكشفه لصحيفة "الشراع" اللبنانية صفقة سرية بين طهران وواشنطن وتل أبيب.
وعُرفت الصفقة باسم "إيران جيب" أو "إيران كونترا"، وقد استمرت من 20 أغسطس/آب 1985 إلى 4 مارس/آذار 1987، حيث قام المبعوث الأميركي مك فارلين خلالها بزيارة طهران وأبرم صفقة لتزويد إيران بالسلاح في الوقت الذي كانت طهران تخوض الحرب ضد العراق. وكانت إسرائيل طرفاً في هذه الصفقة. وبررت إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان حينها الصفقة، موضحةً أنها تمت بهدف إطلاق سراح رهائن السفارة الأميركية بطهران.