فتصريحات شيا أغضبت بعض الأوساط اللبنانية، حيث أعلنت أن اللبنانيين لا يعانون من سياسة واشنطن بل من عقود من الفساد، وأن حزب الله يهدد استقرار لبنان ويمنع الحل الاقتصادي.
وقالت خلال مقابلة مع "الحدث" الجمعة: "الشعب اللبناني يعاني من تبعات عقود من الفساد والإنفاق غير المسؤول وسوء إدارة الأموال العامة من قبل الحكومات المتعاقبة والتي وعدت بالإصلاح لكنها لم تف بالوعد".
وأضافت: "الولايات المتحدة هي في الواقع أكبر المانحين للمساعدات إلى لبنان حيث إن مساهمتنا العام الماضي فقط بلغت 750 مليون دولار أميركي لأغراض المساعدات الإنسانية والتنموية والأمنية. صحيح أننا نشعر بقلق بالغ إزاء الدور الذي يقوم به حزب الله الذي تم تصنيفه منظمة إرهابية والذي يتبوأ عناصر مناصب وزارية في هذه الحكومة على غرار حكومات سابقة. البعض يصف الوضع بأنه "دولة داخل الدولة" وقد شفط مليارات الدولارات التي كان يفترض أن تذهب إلى خزينة الدولة حتى تتمكن الحكومة من توفير الخدمات الأساسية للشعب اللبناني. كما أن الحزب أعاق بعض الإصلاحات الاقتصادية التي يعتبر الاقتصاد اللبناني في أمس الحاجة إليها".
وعن قانون قيصر، أوضحت شيا أن "قانون قيصر لا يستهدف الشعب أو الاقتصاد اللبناني بل نظام الأسد ومن يقدمون له دعماً مالياً. إن الهدف الذي يرمي إليه قانون قيصر هو حرمان نظام الأسد من الموارد المالية حتى لا يتمادى في الحرب المدمرة التي يشنها ضد المدنيين في سوريا. العقوبات تستهدف أفراداً أو كيانات لديهم معاملات تجارية كبيرة يستفيد منها النظام، ولا تستهدف اللبنانيين العاديين كما أنها لا تؤثر على النشاط الاقتصادي المشروع. لقد تحدثت إلى ممثلين عن الحكومة اللبنانية لأشرح لهم الغاية من قانون قيصر وسياق تنفيذه. وقد أوضحت لهم بجلاء أن القانون لا يستهدف الشعب اللبناني".
الأزمة الاقتصادية والصين
إلى ذلك لفتت إلى أن "الاقتصاد يواجه أزمة وأعتقد أن معظم اللبنانيين يشعرون بذلك. ما يهم حالياً هو أن تتخذ الحكومة اللبنانية الخطوات التي ظلت تتحدث عنها لإنهاء الفساد المستشري وتصحيح سوء الإدارة التي أدت إلى الفوضى الاقتصادية الراهنة. ثمة إصلاحات حقيقية ما فتئ الشعب يطالب بها منذ السابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر، وما يطالب به اللبنانيون هو توفير الفرص الاقتصادية والمساءلة والشفافية، وهذا ما هو مطلوب لاستعادة الثقة في الاقتصاد اللبناني. الحكومة اللبنانية تجري مباحثات مع صندوق النقد الدولي حيث إننا لم نبدأ بعد بالمفاوضات ولم نلتزم بخطة عمل محددة. في هذه الأثناء نحن وآخرون في المجتمع الدولي مستعدون لتقديم يد العون".
وأشارت شيا إلى أنه "يجب أن نتفهم حاجة لبنان المساعدة لضح أموال نقدية في اقتصاده. هو بحاجة لجذب المستثمرين. لكن الأزمة الاقتصادية الحالية وتأخر لبنان للمرة الأولى عن سداد ديونه في مارس المنصرم جعلت المستثمرين لا يتهافتون على أبوابه. وصحيح أن البعض فكر في "التفاتة إلى الشرق" من جانب لبنان وكأن ذلك هو الحل لكل مشاكل لبنان الاقتصادية. من يدري ربما سوف تأتي بعض الاستثمارات الصينية لكن يجب توخي الحذر لأن الاستثمارات الصينية غالباً ما تنطوي على شرك الديون والقروض إضافة إلى الصفقات التجارية الغامضة والتي تعجز البلاد عن سدادها".
كما أضافت: "لقد شهدنا ما حدث لكل من سريلانكا وجيبوتي. وكما صرح وزير الخارجية مايك بومبيو فإن الولايات المتحدة تسعى من أجل التجارة والاستثمارات القائمة على شروط منيفة ومبدأ المعاملة بالمثل مع شركاء محل ثقة ومن أجل فوائد مشتركة. وعلى النقيض من ذلك، فإن جمهورية الصين الشعبية تميل إلى إبرام الصفقات التجارية التي تتسم بالكثير من عدم الشفافية والتي تصمم من أجل فائدة الحزب الشيوعي الصيني. ما نريد ضمانه في حال قدوم استثمارات صينية هو ألا تكون على حساب الازدهار الاقتصادي في لبنان أو استقراره أو قابلية نظامه المالي للحياة أو على حساب علاقاته العريقة مع الولايات المتحدة".
الأموال المنهوبة والاحتجاجات
ورداً على سؤال ما إن كان بوسع الولايات المتحدة مساعدة الشعب اللبناني على استعادة الأموال التي نهبتها الطبقة السياسية الحاكمة، قالت شيا: "هذا أمر وارد فثمة إجراءات متبعة تستطيع الحكومة اللبنانية اتباعها من أجل طلب المساعدة القانونية عبر قنوات إنفاذ القانون في حال وجود تحويلات مالية جنائية".
وعن تقييمها لاحتجاجات السابع عشر من أكتوبر وردها على اتهام الولايات المتحدة بالوقوف وراءها، أجابت: "لقد نفت الولايات المتحدة تلك الاتهامات مرات عدة. وآمل أن تطرح جانباً نظريات المؤامرة التي يتم تداولها. أعتقد أننا جميعاً شهدنا أن الاحتجاجات التي جرت يوم السابع عشر من أكتوبر كانت طبيعية وشارك فيها محتجون من كافة ألوان الطيف السياسي، اتحدوا في المطالب التي وجهوها للحكومة من أجل إنهاء الفساد وتوفير الخدمات الأساسية. وقد عبرت الولايات المتحدة آنذاك عن دعمهما لحق المحتجين في حرية التعبير وهذا الموقف لم يتغير. لكن بعض الاحتجاجات التي جرت مؤخراً كانت مختلفة إلى حد بعيد، حيث شهدنا فيها أعمال عنف وظهورا للطائفية وهي بالطبع أمور تثير بالغ القلق لدينا".
عقوبات على حلفاء حزب الله
وعن فرض عقوبات على حلفاء حزب الله من مختلف الطوائف والأحزاب، أوضحت شيا: "عادة ما لا نناقش مسألة الإعلان عن العقوبات مسبقاً لكننا لاحظنا فعلاً أن العقوبات المتصلة بمكافحة الإرهاب لا تنطبق على حزب الله فحسب وإنما هي تسري أيضاً على أولئك الذين يوفرون للحزب دعماً مادياً. وقد فرضت عقوبات كذلك بموجب قانون ماغنيتسكي العالمي وسوف تطبق على الضالعين في فساد صارخ بصرف النظر على انتماءاتهم الطائفية أو الحزبية".
إلى ذلك أشارت إلى أن "الولايات المتحدة لا تزال بمرحلة تقييم حكومة حسان دياب على أساس ما تقوله إنها حكومة مستقلة من التكنوقراط ليست مرتهنة لحزب الله غير أن الطريقة التي شكلت بها الحكومة بعثت على القلق. وعلى حد اعتقادي كان حزب الله أول من أيدها. لا تزال لدينا تحفظات جدية للغاية حيال هذه الحكومة. وعلاوة على ذلك لم نر بعد ما كنا نأمله من هذه الحكومة من حيث اتخاذها لخطوات ملموسة لتنفيذ الإصلاحات التي يعتبر اقتصاد البلاد في أمس الحاجة لها".
حزب الله ومصرف لبنان
وحول وضع حزب الله مؤخراً محافظ مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، في الزاوية من خلال تعيين 4 نواب له تم اختيارهم على أسس سياسية طائفية معتادة بدلاً من الكفاءة، أكدت شيا أن "التعيينات في البنك المركزي اللبناني وغيره هي شأن تقرره الحكومة اللبنانية. لقد بذلت قصارى جهدي لنقل رسالة تؤكد على أهمية توفر خبراء يتمتعون بالمصداقية والاحترام بالعالم في البنك المركزي. إن التعيينات التي تتم على أساس الاعتبارات السياسية المعتادة لن تساعد على تعافي النموذج الاقتصادي والمالي الذي أثبت فشله في لبنان كما أنها لن تؤدي إلى إعادة بناء الثقة".
أما عن خطاب أمين عام حزب الله حسن نصرالله مؤخراً الذي هدد فيه خصومه اللبنانيين وكذلك الأميركيين ومصالحهم، فقالت إن "خطاب التهديد الذي صدر عنه يثير قلقاً بالغاً وقد لاحظنا أيضاً أن الخطاب كان نوعاً ما دفاعياً ومليئاً بمحاولات التهرب المعتادة ووضع كامل اللوم على الولايات المتحدة وهي أكبر مانح للمساعدات للبنان الذي حصل على 4.9 مليار دولار خلال العقدين الماضيين من المساعدات الأميركية الإنسانية والتنموية والأمنية، هو يتهمنا بتجويع اللبنانيين. قد يهم مشاهديكم معرفة أنه في الآونة الأخيرة فقط أعلنت الولايات المتحدة عن مساعدات غذائية عاجلة بقيمة 30 مليون دولار لفائدة أكثر اللبنانيين هشاشة في البلاد. إن حزب الله بتهديداته وأفعاله يزعزع لبنان ويعرض تعافي الاقتصاد اللبناني للخطر".