اعتمدت تركيا في تبرير تدخلها بليبيا على الدين والعرق، وراهنت على جماعات الإسلام السياسي، لكن ذلك لم يكن ممكنا لولا وجود "أتباع" يقدمون لها الدعم والتسهيلات من الداخل، ويفتحون لها الطريق للنفاذ إلى الأراضي الليبية لتحقيق أطماعها وتنفيذ أجندتها، فمن هم رجال تركيا في ليبيا؟
يرى المحلل السياسي الليبي أبو يعرب البركي، في تصريح لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت"، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لعب بورقة "ليبيا تركية الأصل" لتبرير تدخله وتسويغ مسألة الاحتلال التركي لليبيا ونهب ثرواتها، كما استخدم في ذلك الليبيين من أصول تركية واختار التعاون والتحالف مع الشخصيات المؤثرة في تنظيم الإخوان المسلمين.
وأشار البركي، الذي ينحدر من مدينة مصراتة، إلى أن "أردوغان تدخل في ليبيا لأسباب اقتصادية مباشرة وليس من أجل الأقلية التركية الموجودة في مصراتة مثلما روّج لذلك، وكذلك لحماية تنظيم الإخوان المسلمين والأحزاب المتفرعة عنه في ليبيا وتونس وصولا للمغرب، وبهدف حصار مصر والسعودية وكسر المجال الحيوي الليبي أمامهم، لكنّه قدم شماعة الأصول التركية من أجل استنهاض النزعة الكرغلية، والتي لم تأت أكلها بالقدر الكافي إلا عندما بدأ الجيش في انسحابه من غرب ليبيا".
ويرى البركي أن "أردوغان لم ينجح إلى حد الآن في تحقيق أهدافه وطموحاته في ليبيا، إذ إن هدفه النفط والغاز من أجل إنقاذ اقتصاده ودعم الجماعات الإرهابية"، مشيرا إلى أن "ما يعني أردوغان اليوم في ليبيا هو حكومة الوفاق ورئيسها فائز السراج الذي سيدافع عنه لضمان بقائه، خاصة أنه يملك شرعية مجلس الأمن ووقع معه اتفاقيات اقتصادية وعسكرية".
وتابع أنه "إذا تم سحب الشرعية من السراج، فإن أردوغان سيحاول الدفاع عن استثماراته ومصالحه في ليبيا من خلال المرتزقة السوريين وتحويلهم لذئاب منفردة تنتشر لضرب الاستقرار، وسينفذ ذلك بالتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين وبقية التنظيمات الإرهابية والميليشيات المجرمة".
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ادّعى في تصريحات سابقة أن هناك "مليون تركي يعيشون في ليبيا يستحقون دعمه والتدخل لحمايتهم"، غير أن هذا الرقم تبيّن أنه مبالغ فيه، حيث يعيش الآلاف فقط من الليبيين من أصول تركية في عدّة مدن ليبية (يطلق عليهم الكراغلة)، وهم من نسل الأتراك الذين استقروا في ليبيا على مدار ثلاثة قرون بعد الاحتلال العثماني عام 1551، لكنهم يتركزون بشكل خاص في مدينة مصراتة، حيث يمثلون نسبة كبيرة من سكان المدينة.
ومن بين هؤلاء الليبيين الأتراك الذين استعان بهم أردوغان لتنفيذ مهمته في ليبيا، رئيس حكومة الوفاق فايز السراج الذي عمل على تكريس التدخل التركي في ليبيا وشرعنه بعد توقيعه شهر نوفمبر من العام الماضي على اتفاقيتين مثيرتين للجدل مع أردوغان في تركيا، واحدة تنص على ترسيم الحدود البحرية وتتيح لأنقرة الاستفادة من مناطق غنية بالغاز بشرق المتوسط، وأخرى على تعزيز التعاون العسكري حصلت بمقتضاها قوات الوفاق على أسلحة ثقيلة وطائرات مسيرة وذخائر ودعم من ضباط أتراك ومقاتلين مرتزقة من سوريا موالين لتركيا.
وينتمي السراج إلى إحدى عائلات طرابلس العريقة ذات الأصول التركية، حيث كشف كتاب "ذكريات وخواطر" الذي ألفه والده مصطفى فوزي السراج، والصادر عن مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية في عام 2005، أن نسبه يرجع إلى جدّ تركي عمل ضابطا في الجيش التركي، من مواليد مدينة تركية تقع شمال مدينة أزمير، وقدم إلى ليبيا مع القوات العثمانية عام 1840، أين تزوج من سيدة ليبية واستقر في العاصمة طرابلس.
ومن الأسماء الليبية الأخرى التي تهيمن على المشهد السياسي والعسكري الموالية للنظام التركي، الإرهابي صلاح بادي الذي يقود كتيبة "لواء الصمود"، أهم الميليشيات المسلحة في مصراتة والغرب الليبي، وهو مدرج على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي منذ نوفمبر 2018 بتهمة زعزعة الأمن في ليبيا.
وينحدر بادي من أسرة بسيطة من أصول تركية تقيم في مصراتة، ويعد أبرز "عملاء أردوغان" في ليبيا، لعب دورا بارزا في الإطاحة بنظام معمر القذافي الذي كان جنديا في صفوفه، وهو أحد مؤسسي ميليشيات "فجر ليبيا" التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، التي أحرقت مطار طرابلس الدولي عام 2014، وتسبّبت في توقفه عن العمل، وقد شارك في أغلب الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس في السنوات الأخيرة، آخرها التي وقعت صائفة 2018، وأسفرت عن مقتل 120 شخصا أغلبهم من المدنيين، ويقيم بين تركيا وليبيا.
ويضاف لهذا القائد العسكري الموالي لتركيا، أحد الأسماء الأخرى التي تدافع بشراسة عن التواجد التركي بليبيا وهو القيادي الإخواني المقيم بقطر والمدرج على قوائم الإرهاب "علي الصلابي"، الذي ينحدر من عائلة تنتمي إلى مدينة مصراتة وأصولها تركية، إذ يعدّ من أشد المباركين للدور التركي في بلده، حتى إنه دعا صراحة أنقرة إلى التدخل لحماية مصراتة وإنقاذ الأقلية التركية داخلها من الجيش الليبي، وفتحت له المنابر الإعلامية الإخوانية منصاتها للإشادة بالمواقف والأدوار التركية في الملف الليبي.
وكما تؤوي تركيا أهمّ رؤوس الإرهاب في ليبيا وقيادات الصف الأول من تنظيم الإخوان في ليبيا، والذي كان لهم دور كبير في تسهيل تدخلها في بلدهم وساعدوها على تشكيل جماعة ضغط موالية لها لخدمتها في ليبيا وتوسيع نفوذها هناك، بالنظر إلى أن الشخصيات التي تعيش على أراضيها تدير الميليشيات المسلحة الموجودة في ليبيا وتتحكم في السلطة السياسية بطرابلس.
ومن بينهم، محمد صوان رئيس حزب "العدالة والبناء"، ويعد أحد أهم أذرع تركيا في ليبيا لاعتبارات اجتماعية عرقية باعتباره يحمل أصولا تركية وكذلك إيديولوجية، حيث يعتبر أحد أهم قيادات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وحليف حزب العدالة والتنمية التركي، استنجد بالسلطات التركية لإرسال الدعم للميليشيات في العاصمة الليبية طرابلس، ومن أبرز الداعمين لمذكرتي التفاهم مع تركيا والمطالبين بتفعيلها.
وقدمت تركيا بيتا آمنا كذلك للإرهابي السابق في تنظيم القاعدة عبد الحكيم بلحاج الملاحق من القضاء الليبي وأحد أبرز الشخصيات المطلوب اعتقالها، بعد ثبوت تورطه بعدة هجمات على منشآت عمومية ليبية وارتكابه جرائم زعزعت استقرار ليبيا.
وبرز اسم عبد الحكيم بلحاج في عمليات نقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا، كواحد من حلفاء ومعاوني أنقرة في تسهيل حركة المقاتلين السوريين من سوريا إلى تركيا ثم إلى ليبيا، عبر شركة "الأجنحة" للطيران التي يمتلكها، حيث تشير المعلومات التي حصلت عليها "العربية.نت" و"الحدث.نت"، إلى أن كل إمكانيات الشركة أصبحت خلال الأشهر الأخيرة مسخّرة للسلطات التركية سواء لنقل العتاد والأسلحة أو المقاتلين السوريين، في رحلات تحاط بالكثير من السرية والحماية.
بالإضافة إلى ذلك، جندت تركيا رجال دين ينتمون لجماعة الإخوان لتبرير تدخلاتها المشينة في ليبيا وانتهاكها لسيادة هذا البلد، وأبرزهم الصادق الغرياني الذي طالب بمنح تركيا الأسبقية في الشراكة الاقتصادية والأمنية وفي عمليات التنقيب عن النفط والغاز، وأفتى بـ"تحريم" شراء سلع من بعض الدول العربية التي رفضت التدخل التركي في ليبيا.
والغرياني الذي يقيم على الأراضي التركية، يوصف في ليبيا بـ(مفتي الفتنة والإرهاب والدّم)، ويعدّ من أهمّ الشخصيات الدينية، التي تعوّل تركيا على فتاواه المضلّلة، كغطاء لشرعنة تدخلها العسكري في ليبيا وسلاح للسيطرة على ثروات الليبيين وخدمة مشروعها التوسعي في المنطقة وتحقيق الهيمنة، رغم تاريخه الأسود في ليبيا، حيث يقود منذ العملية العسكرية التي أطلقها الجيش الليبي لتحرير العاصمة طرابلس، حملة مدح وثناء على الدور التركي عبر قناة "التناصح" المملوكة لشخصيات تابعة للتنظيمات المتشددة بليبيا.
ومن الأسماء الأخرى التي تتصدر المشهد السياسي في ليبيا وتعول عليها تركيا لشرعنة تدخلها في ليبيا، وزير الداخلية فتحي باشاغا المحسوب على تنظيم الإخوان المسلمين، الذي رغم أن لقبه يوحي بأنه من أصل تركي، إلا أنه ينتمي لقبيلة أولاد الشيخ البدوية بمدينة مصراتة، وهو من أشدّ المدافعين على قانونية الاتفاقين البحري والأمني الموقع مع تركيا، والمروّجين للعلاقة المتميزة مع تركيا والتعاون الكبير بين البلدين، كما سوّق أن "الموقف التركي لا يعتبر تدخلا في ليبيا"، وهو على تواصل دائم مع المسؤولين الأتراك، وكان من أهم مهندسي الدعم العسكري الذي حصلت عليه قوات الوفاق.