على مدى الأيام الماضية تخبطت رواية السلطات الرسمية في إيران، وتعددت حول محمود موسوي مجد (الذي اتهم بداية بالوشاية بقائد فليق القدس قاسم سليماني)، والذي حكمت عليه محكمة ثورية بالإعدام الأسبوع الماضي، بعد اتّهامه بالتجسس لصالح المخابرات الأميركية والإسرائيلية على تحركات سليماني، الذي اغتيل في بغداد بغارة أميركية في يناير الماضي.
غير أن المزاعم الإيرانية كما نشرتها وكالة "تسنيم" المقرّبة من الحرس الثوري الإيراني، أجمعت على أن محمود موسوي "عميل" للمخابرات الأميركية وأن حزب الله اعتقله في لبنان لأنه كشف تعامله مع أميركا ضد مصالح بلده العليا.
إلا أن رواية السلطات الرسمية دحضها "رفيق" موسوي في زنزانته بسجون إيران، المواطن اللبناني الذي يحمل الإقامة الأميركية الدائمة نزار زكا، والذي اعتُقل في إيران في سبتمبر/ايلول 2015 وأُفرج عنه العام الماضي.
فقد أكد زكا لـ"العربية.نت" "أن حزب الله" خطف محمود موسوي عام 2018 (قرابة العشرين شهراً) في بيروت، بعدما وصل الى لبنان قبل عامين للالتحاق بإحدى الجامعات الخاصة في العاصمة.
وأضاف أن "محمد إيراني الجنسية إلا أنه يتكلّم العربية بطلاقة، وتحديداً اللهجة اللبنانية وقد أخبرني في السجن أنه أحب العيش في لبنان كثيراً، وأنه زار مناطق عدة في الجبل والشمال وفي البقاع وأُغرم بالعادات اللبنانية والمطبخ اللبناني".
وتشارك زكا مع موسوي الزنزانة نفسها في سجن إيفين-مركز الاعتقال الرقم 7 –قسم 12(الخاص بالمعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي) في إيران قرابة السبعة أشهر، وهذا السجن كان يضمّ معتقلين من جنسيات عدة.
ومع انتشار فيروس كورونا المستجدّ في إيران، عملت السلطات الإيرانية على نقل عدد كبير من السجناء إلى سجون أخرى تجنّباً لانتقال العدوى بين المساجين، إلا أن هذا الأمر لم يشمل موسوي الذي لا يزال معتقلاً في سجن (إيفين). وهو تعرّض للضرب والتعذيب على يد عناصر الحرس الثوري في السجن.
منشورات ضد حزب الله والحرس الثوري
إلى ذلك، نقل زكا عن محمود موسوي قوله إنه كان ينشر عبر صفحته على "فيسبوك" منشوارت ضد حزب الله والحرس الثوري منتقداً سياساتهما، وأخبرني أنه كان يشعر بنوع من القوّة في لبنان للتعبير عن رأيه على عكس إيران".
ويبدو أنه الشاب لم يكن يعلم أن مواقفه عبر "فيسبوك" ستُكلّفه حريته، تاركاً "رغماً عنه" مقاعد الجامعة ليقبع خلف قضبان السجون الإيرانية.
"نهايتك الموت"
وقال زكا إنه موسوي أخبره أنه "حين كان متوجّهاً إلى جامعته في ضواحي بيروت اعترضته سيارة بداخلها ثلاثة أشخاص من حزب الله اقتادوه الى جهة مجهولة ليبدأ في تلك اللحظة مشوار عذابه مع السلطات الإيرانية".
كما أضاف "بقي موسوي قرابة العشرين يوماً يخضع للتحقيق على يد عناصر من حزب الله. وقالوا له إن لديك ألف نقطة لصالحك لتخرج من السجن، فكلّما كنت متعاوناً معنا بالتحقيق كلما حافظت على هذا المعدّل من النقاط أما العكس فلن يكون لمصلحتك، لأنك إذا كذبت علينا سيتقلّص عدد النقاط وستكون نهايتك الموت".
من صندوق سيارة إلى قمرة الطائرة
إلا أن رواية عناصر حزب الله للموسوي عن النقاط الألف لم تكن سوى "كذبة" لتمرير الوقت إلى حين تحضير ترحيله إلى إيران، بحسب ما أكد زكا.
وهذا ما حصل، إذ نُقل الموسوي إلى إيران عبر مطار بيروت بعدما وُضع في صندوق سيارة معصوب العينين ثم تم تصعيده إلى طائرة تابعة لإيران. وبقي طوال الرحلة الجوّية معصوب العينين ما يؤكد أنه مخطوف إلى أن حطّ في المطار ومن هناك نُقل إلى سجن "إيفين" التابع للحرس الثوري الإيراني.
مهمة خاصة
ومنذ أن خُطف موسوي انقطع التواصل مع أهله وهو ما دفع والده إلى اللحاق به إلى بيروت ظنّاً منه أنه لا يزال هناك. وعندما وصل توجّه إلى السفارة الإيرانية في بيروت ليسأل عن ابنه إلا أنهم أخبروه أنه بخير وبأننا أرسلناه في مهمة خاصة من دون أن يعطوه أي تفاصيل إضافية كما قال زكا.
إلى ذلك، أكد المعتقل اللبناني السابق في إيران أنه الشاب أكد له "أنه بريء من كل التُهم التي سيقت ضدّه بأنه عميل. وهو كان مُقتنعاً بأنه سيخرج من السجن اليوم قبل الغد".
كما أضاف زكا "عندما خرجت من السجن في إيران وعدت محمود موسوي مجد بأنني سأثير قضيته أمام الرأي العام، لأنني أحسست بمسؤولية تجاهه كَونه خُطف في بلدي لبنان. وطرحت قضيته أمام المسؤولين اللبنانيين، السياسيين والأمنيين الذين التقيتهم، لكن للأسف حتى الآن لم يتحرّك أحد".
إلى ذلك، استغرب "كيف أن وكالة "تسنيم" أعلنت منذ أيام صدور حكم الإعدام على محمود موسوي بتهمة تورّطه في التجسس لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية والإبلاغ عن مكان قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني قبل اغتياله في حين أنه معتقل في إيران منذ 26 شهراً وصدر حكم إعدامه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي حسبما أبلغني أحد الموجودين في السجن".
رسالة سياسية
وفي هذا السياق، اعتبر زكا أن توقيت الإعلان عن هذا الملف يشكل رسالة سياسية "لافتة" بتوقيتها من الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان والعالم مفادها أن لبنان يخضع لسيطرتنا وأننا نستطيع خطف من نشاء فيه عبر حزب الله".
كما رأى "أن تلك الرسالة الإيرانية تأتي بتوقيت لافت حيث تتزايد الضغوط الأميركية على إيران وحزب الله، لاسيما عشية بدء تنفيذ قانون "قيصر" لمعاقبة النظام السوري وحلفائه في محور الممانعة. فإيران أرادت تسليط الضوء مجدداً على قضية موسوي للقول إنها تستطيع عبر وكيلها حزب الله "تخريب" الساحة اللبنانية والعبث بأمنها".
إلى ذلك، ربط زكا بين تلك الرسالة الإيرانية وأعمال الشغب التي حصلت في بيروت منذ أيام ووجهت أصابع الاتّهام بشأنها إلى مناصرين لحزب الله. فالأخير أراد من خلال أعمال الشغب والتخريب القول إنه هو من يُمسك بالورقة اللبنانية وبأنه صاحب الكلمة الفصل في مصير لبنان واستقراره"، بحسب تعبيره.