عقب يومين على إعلان البيان التأسيس لما سمي بـ"فاثبتوا" وتشكيل غرفة عمليات مشتركة بين كل من: تنسيقية الجهاد، ولواء المقاتلين الأنصار بقيادة "أبي مالك الشامي"، وجماعة "أنصار الإسلام"، و"جبهة أنصار الدين" وتنظيم "حراس الدين"، والذي جاء على وقع تصاعد الخلاف مع هيئة تحرير الشام، وزعيمها "أبو محمد الجولاني".
وكانت عناصر مؤيدة لتنظيم حراس الدين والقاعدة قد وجهت الاتهام باغتيال أبو القاسم الأردني وبلال الصنعاني إلى أبو محمد الجولاني.
وهذا لم يكن الاتهام الأول الذي يوجه للجولاني في التورط بلعب دور في عمليات تصفية لقيادات آخرين منافسين من تنظيم حراس الدين وجبهة النصرة كساري شهاب وأبو جليبيب وأبو الخير المصري وغيرهم، جميع هؤلاء قتلوا في ظروف تُعزى إلى أفعال الجولاني.
قتل القائد العسكري البارز بتنظيم "حراس الدين" خالد العاروري المعروف بـ"أبو القسام" وقيادي آخر "بلال الصنعاني" زعيم "جيش البادية"، بغارة نفذها طيران مسير في مدينة إدلب.
وكان العاروري القائد الأهم في تنظيم "حراس الدين" المدرج على قوائم الإرهاب الدولية، إلى جانب كل من الأردنيين "سامي العريدي" وبلال خريسات المعروف بـ"أبو خديجة الأردني" والسوري "سمير حجازي" المعروف بلقب "أبو الفاروق السوري".
اسمه الحقيقي خالد مصطفى خليفة العاروري وولد في عام 1967، ولكنه أصبح معروفاً بأبي القسام أو أبو أشرف في الجماعات الإرهابية، من مدينة "رام الله" فلسطين، ونشأ في محافظة "الزرقاء" شرق الأردن. تزوج "أبو القسام" من إحدى شقيقات "الزرقاوي" في أفغانستان خلال تواجدهما في معسكر "هرات".
سجن سواقة
وكانت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تابعة لحراس الدين وتنظيم القاعدة، قد نعت مقتل قائدها "أبو القسام"، من بينهم "أبو محمد المقدسي" الذي كان أحد رفاق "العاروري"، حيث قضيا معا مدة 5 سنوات في سجن "سواقة" بالأردن، على خلفية ما عرف بقضية "بيعة الإمام".
وقال المقدسي في معرض نعيه مقتل رفيقه عبر حسابه: "أبو القسام ذراع الزرقاوي اليمنى وحبيبه ونسيبه تقبلهما الله يلحق بصاحبه غير مبدل ولا مغير.. ترافقنا جميعا في السعة والضيق والقيد والسجن والمحاكمات وتعاونا على الصدع بدعوتنا وتوحيدنا، وعاشا كما يقال الحلوة والمرة معاً".
وتعود بداية صداقة "خالد العاروري" بأبي مصعب الزرقاوي" في أحد جوامع مدينة الزرقا الأردنية أثناء مواظبتهما على الصلاة معاً في ذات المسجد، ومع بدء حرب الخليج وغزو العراق للكويت تفاعل العاروري مع التيارات الراديكالية التي نشطت آنذاك، خصوصاً مع ما يطلق عليه السلفية الجهادية.
بيعة الإمام
اشترك العاروري مع الزرقاوي في تأسيس ما يسمى تنظيم "جماعة التوحيد" في الأردن حتى إلقاء القبض عليهما في 29 مارس/آذار 1994 من قبل السلطات الأردنية، وذلك على خلفية ما بات يعرف بـ"بيعة الإمام".
تأصلت الروابط المشتركة بين الشخصيتين في سجن سواقة الأردني، حيث أمضيا معاً 5 سنوات من مدة حبسهما، حتى صدور قرار العفو العام من قبل الملك عبد الله الثاني بمناسبة توليه العرش وأطلق سراحهما في 1999.
بعد الإفراج مباشرة قرر الزرقاوي العودة من جديد إلى أفغانستان، مصطحباً معه مساعده العاروري، الذي أصبح عضو شورى مجلس أهل الحل والعقد، وشغل بعدها منصب نائب قائد فرع تنظيم القاعدة في العراق، وإلى جانبهما أبو عبيدة" عبد الهادي دغلس "الصديق الثالث، إضافة إلى 42 فرداً بين رجل وامرأة وطفل من ضمنهم عائلة أبو مصعب الزرقاوي ورفيقاه، فكانت بداية نواة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.
في معسكر هيرات، المنطقة الأفغانية ذات الأغلبية الشيعية والمجاورة لإيران، التحم العاروري بالزرقاوي بأواصر نسب ومصاهرة بالزواج من إحدى شقيقاته، ورحب العاروري الذي كان حينها شاباً بمقترح الزرقاوي بالزواج من شقيقته.
خضع كل من الزرقاوي والعاروري لتدريب خاص في معسكرات تنظيم القاعدة في وزيرستان لمدة 45 يوماً، قبل استقرارهما في منطقة هيرات الأفغانية.
الانسياح في الأرض
أهمية العاروري ضمن مجموعة ما يسمى بقاعدة خراسان برزت من خلال مذكرات سيف العدل "الانسياح في الأرض"، فوفقاً لما ذكره اشترط الزرقاوي عليه استشارة صهره وأخذ موافقته على مشروع القاعدة، المقدم من قبل بن لادن والظواهري بإنشاء معسكره في هيرات.
بعد مضيّ أسبوعين على وصول الزرقاوي ومجموعته من الأردنيين، قدم سيف العدل مقترحاً مقدماً من قبل تنظيم القاعدة الأم بإنشاء معسكر للزرقاوي في منطقة هيرات على الحدود الغربية لأفغانستان والمحاذية لإيران، وبحسب سيف العدل: تم الاتفاق على ضرورة إيجاد منطقة في أفغانستان، يتم فيها إنشاء معسكر بسيط للتدريب اليومي، ويقوم "أبو مصعب الزرقاوي" بالإشراف عليه، بهدف استقطاب أنصار من الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق وتركيا.
فتم اختيار المنطقة للمعسكر على الحدود الغربية لأفغانستان، والمحاذية لإيران، ويرجع ذلك بحسب سيف العدل "إلى أن طريق الإخوة الآمن، كان قد أصبح عن طـريق إيران".
عقب أحداث 11 سبتمبر كلف سيف العدل بتأمين المقاتلين العرب وإيصالهم إلى إيران، تمهيداً لعملية التوزيع، وفقاً لما يراه تنظيم القاعدة، وبحسب ما قاله: "كنت أنا المسؤول عن تأمين بعض الإخوة العرب وإيصالهم إلي إيران، ومن ثم توزيعهم حسب ما نراه مناسباً، وكان الأخ أبو مصعب ومجموعته من ضمن هؤلاء الإخوة".
سجن العاروري إلى جانب سيف العدل وأبناء زعيم القاعدة أسامة بن لادن في مراكز الضيافة في طهران لمدة 12 عاما، حتى أطلق سراحه مارس 2015 في صفقة أمنية بين إيران وتنظيم القاعدة مقابل الإفراج عن دبلوماسي إيراني كان محتجزا لدى التنظيم في اليمن.
وإلى جانب أبو القسام، تم الإفراج عن أربعة من كبار أعضاء القاعدة، وهم أبو الخير المصري وأبو محمد المصري وسيف العدل وساري شهاب.
وبعد الإفراج عنه توجه مع رفاقه إلى سوريا واستقر في ريف اللاذقية مع مجموعة من الأردنيين والمصريين، ضمت ما عرف بمجموعة خراسان التي أسست بداية "لجنة المتابعة في الشام" وهي حلقة الوصل بين تنظيم القاعدة وجبهة النصرة"، وكانت اللجنة بمتابعة مباشرة من قبل الظواهري عن طريق وسيط الاتصال الخارجي المعني بالتنسيق مع نائبي الظواهري "سيف العدل" و"أبو محمد المصري"، من محل إقامتهما في إيران.
وبقي "العاروري" بعيدا عن الأضواء حتى تصاعد الخلاف ما بين "أيمن الظواهري" زعيم القاعدة و"أبو محمد الجولاني" زعيم هيئة تحرير الشام.
ونتيجة للخلافات والانشقاقات التي وقعت بين صفوف قيادات "جبهة النصرة" فرع تنظيم القاعدة في سوريا تأسس ما عرف بـ" تنظيم حراس الدين"، وجماعة "خراسان"، جمعت فيها "صقور تنظيم القاعدة" الرافضين لمبدأ فك الارتباط بين جبهة النصرة وتنظيم القاعدة والإبقاء على البيعة السرية للتنظيم، الذي بدوره يحتفظ ببيعته لحركة طالبان، وكذلك اختلافها مع الرؤية الجديدة التي باتت بالتطور بين الفصائل المسلحة وتحديدا "أبو محمد الجولاني"، وذلك بالتزامن مع الاتفاق الروسي- التركي.