تهريب نفط، أسلحة، تجارة مخدرات، تهريب عملة صعبة "دولارات" حتى الإتجار بالبشر... هكذا يمكن يمكن تلخيص شبكات التهريب الحدودية على طول 936 كيلومتر بين إيران وأفغانستان.
خلال 19 عاماً، عمدت إيران إلى خلق منطقة عازلة في المناطق الحدودية لخدمة أجنداتهم الخاصة، فكانت أحد المجالات التي سعت فيها طهران إلى ممارسة نفوذها على الشؤون الأفغانية هو مجال المساعدات الاقتصادية.
فبحسب مركز الأبحاث " The Institute for the Study of War"، تعهدت إيران بمبلغ 560 مليون دولار في مؤتمر طوكيو حول إعادة إعمار أفغانستان عام 2002، ومبلغ إضافي قدره 100 مليون دولار في مؤتمر لندن لعام 2006. وأنفقت المليارات في بناء شبكات البنية التحتية وطرق التنقل بين إيران وأفغانستان.
اليوم تحصد إيران ما زرعته، في بناء طرق التجارة الإقليمية التي أصبحت إيران أكثر اعتماداً عليها خلال الفترة الماضية للوصول إلى الأسواق العالمية، في محاولاتها الالتفاف على العقوبات الأميركية، منها تركيا والعراق وباكستان وبالطبع.. أفغانستان... وإن كان ذلك بتكلفة أعلى وبأوقات تسليم أطول.
وإذا كانت الإدارة الأميركية قد زادت الخناق على إيران إن كان اقتصاديا بتشديد العقوبات أو ديبلوماسيا بقتل قاسم سليماني، غير أن طهران لا تجد أفضل من أفغانستان للانتقام ولضمان استمرار تدفق البضائع والأموال عبر المعابر غير الشرعية لسببين:
أولا- تولي إسماعيل قآني منصب قائد قوات فيلق القدس، يعتبر ورقة رابحة بيد الإيرانيين، خصوصا وأن قآني قد أشرف على العمليات في دول آسيا الوسطى بما في ذلك أفغانستان وباكستان وحافظ على نفوذه على السياسة الأفغانية.
ثانياً- تحتفظ إيران بعلاقات وثيقة مع الأفراد والأحزاب التي تنتمي إلى تحالف الشمال، ومن بينهم الرئيس التنفيذي لحكومة الوحدة الأفغانية عبد الله عبد الله، إلى جانب استخدام حركة "طالبان" كورقة ضغط في وجه الولايات المتحدة.
خارطة التهريب
يؤكد مصدر أمني أفغاني في اتصال هاتفي مع "العربية.نت"، أنه رغم العقوبات الأميركية على إيران إلا أن تجارتها مع أفغانستان لم تتوقف يوما، كاشفا 3 معابر للتهريب غير الشرعي:
- معبر إسلام قلعة في ولاية هرات غربي أفغانستان.
- معبر أبو نصر فراهي في ولاية فراه غربي أفغانستان.
- ومعبر ابريشم في ولاية نيمروز.
وبيانات "FGE" أو Facts Global Energy GROUP عن المازوت الإيراني خير دليل على ذلك، حيث أشارت البيانات إلى أن المازوت جرى تصديره بحرا أو برا الى دول الجوار مثل العراق وأفغانستان وباكستان ، حيث قفزت إلى 95 ألف برميل يوميا في الربع الأخير من 2019، وهو أعلى حوالي 4 مرات مقارنة مع الربع الأول.
ووفق المصدر الأمني، تدخل مئات الشاحنات، عبر هذه المعابر، محملةً بالمواد الغذائية وصهاريج الوقود ومادة نترات الأمونيوم.
اللافت أن هذه المادة، التي تستخدم كمقوى للزراعة، يستفاد منها في تصنيع الألغام والمتفجرات.. وحركة طالبان خير المستفيدين منها.
تتم عمليات التهريب بالتواطئ بين بعض أفراد الأمن الحدودي الأفغاني وبعض قيادات ومسؤولي ولاية نيمروز والحرس الثوري الإيراني، حيث يتم دفع الرشاوى والسمسرات لتمرير هذه الشحنات إلى قلب أفغانستان وحتى وصولها إلى السوق الصينية.
وقد حصلت "العربية.نت" على فيديو، يظهر تهريب الوقود من الأراضي الإيرانية إلى داخل أفغانستان على دراجات نارية، في ولاية نيمروز بتاريخ مايو 2019.
يكشف قائد شرطة سابق في مديرية كنغ، للعربية.نت، أن أصحاب الشاحنات والتجار يدفعون رشاوى إلى الجمارك الأفغانية ما بين بين 100 ألف إلى 200 ألف روبية أفغانية (ما يعادل 1,100 إلى 2,200 دولار) مقابل كل شاحنة أو صهريج وقود. ثم يدفع المبلغ نفسه إلى مسؤولي حركة طالبان عند مرورها بمنطقة "دهمزنك" والتي تسيطر عليها "طالبان" والواقعة في مديرية "دلارام" التابعة لولاية فراه. وتعتبر هذه الأموال أحد أهم مصادر الإيرادات المالية لتمويل عناصر طالبان.
ووفق المعلومات، البضائع التي تدخل إلى أفغانستان بطريقة غير شرعية تخزن بدايةً في المخازن الواقعة على الجانب الإيراني في مدينة زاهدان، ثم تدخل الأراضي الأفغانية وتخزن في منطقة تقع في مديرية "جوين" التابعة لولاية فراه، ومن ثم تحمل هذه المواد والبضائع بشاحنات كبيرة إلى ولايات كندهار وهلمند وهيرات.
صقور عمليات التهريب
ولكن يبقى السؤال من هم المتورطين في شبكات التهريب الحدودية؟ ومن يسهل مرور هذه الشاحنات يومياً؟
"العربية.نت" قد استطاعت أن تصل إلى أبرز الأسماء المشتبه بتورطها في علاقتها بالحرس الثوري الإيراني، في مقدمتهم رحمة الله ناصر، وهو رجل أمن عمل كقائد مركز 5 للشرطة الحدودية منذ 5 سنوات وذلك بمديرية كنغ في ولاية نيمروز الأفغانية الحدوية مع إيران، بحسب ما أكد رئيس المركز الأفغاني للإعلام والدراسات في كابل عبد الجبار بهير.
وبحسب بهير، يسهل ناصر مرور هذه الشاحنات، وفي كل مرة تتم محاولة إلقاء القبض عليه في كابل، تتم تسوية الأمور عبر دفع رشاوى، نظرا لنفوذه الواسع في البرلمان الأفغاني من خلال شقيقه رئيس لجنة الصحة والرياضة والشباب في البرلمان الأفغاني نجيب الله ناصر ، وشقيقه الثاني باز محمد ناصر وهو رئيس مجلس شورى ولاية نيمروز.
وانطلاقا من حق الرد، اتصلت "العربية.نت" بالنائب البرلماني نجيب الله ناصر، وقد نفى جملة وتفصيلا هذه الاتهامات وتورط أشقائه في تسهيل التهريب، مشيرا إلى أن عمليات التهريب على الحدود قد توقفت إلى حد كبير مع انتشار فيروس كورونا.
أهم تجار التهريب
ومن أهم ما يعتقد بأنهم تجار التهريب يدعى باسمه المركب " محمد-نذير"، وهو شيعي بشتوني أفغاني من سكان مديرية "جريشك" التابعة لولاية هلمند الجنوبية. له علاقة قوية بالحرس الثوري الإيراني والمسؤولين الأفغان المحليين. كان أحد الناشطين في الحملة الانتخابية الرئيسية الأخيرة لعبدالله عبد الله، وكان سابقا أحد الميليشيات للرئيس السابق الأفغاني نجيب الله، الذي قامت حركة الطالبان بإعدامه في كابل، وفق المركز الأفغاني للإعلام والدراسات.
طباعة مئات المليارات وتهريبها إلى طهران
"لا سلطان للمركزي الأفغاني على سوق الصرافة في أفغانستان".. بهذه الجملة اختصرت المصادر، للعربية.نت، عمليات تهريب العملة الصعبة إلى إيران قائلة:" هناك جهات استخباراتية تتعامل مع المخابرات الإيرانية، تتولى مهام طباعة العملة في السوق السوداء وتهريبها إلى طهران في إلتفافها على العقوبات الأميركية، لا نتكلم عن ملايين بل تعبء الدولارات بالحاويات!".
وهذا ما أكد عليه مصدر في البنك المركزي الأفغاني، شريطة عدم الافصاح عن اسمه، قائلا إن حوالي 5 مليارات دولار تم نقلها إلى إيران بطريقة غير شرعية في نهاية العام 2018، عقب إعادة فرض العقوبات الأميركية على طهران.
تجارة البشر.. ظلم بحق الأفغان
عمليات التهريب والتجارة غير الشرعية على الحدود لا تقتصر فقط على العملات والنفط والبضائع، بل تطال أيضا البشر الأفغان حيث أن التهريب الأفغان يعتبر نوعا من التجارة بمدينة زرنج، في ولاية نيمروز.
"العربية.نت" قد حاورت أحد المقاتلين في حركة طالبان سابقا ملقب بـ"عبد الله"، روى تفاصيل زيارته إلى إيران مرتين بطريقة غير شرعية مع مهربي البشر هربا من الفقر في أفغانستان.
يوضح عبد الله أن هناك طريقين للتهريب:
1- الطريق الأول: يتسلل الهاربون الأفغان من مدينة زرنج في ولاية نيمروز ( في أفغانستان)، إلى ولاية زاهدان في إيران عبر مدينة ميرجاوه ثم إلى داخل إيران .
2- الطريق الثاني: من فراه، عبورا بأراضي باكستانية ، ثم يدخل المهربون إلى مدينة إيران شهر "ايرانشهر".
يصف عبد الله طرق التعذيب التي يتعرض لها الهاربون الأفغان من قبل المهربين و الحرس الثوري الإيراني، قائلا:" كل سيارة من نوع تويوتا هايلكس "hilux" تنقل ما بين 20 إلى 30 فردا، وتتفاوت أجرة الراكب داخل السيارة بحسب موقعه، فمثلا الراكب الذي يسقط من خلف السيارة، يترك حيث وقع، خوفا من الأمن الحدودي الإيراني".
ويتابع عبد الله: "قيمة الشخص الواحد 10 آلاف إلى 15 آلاف روبية أفغانية ما يساوي (130 إلى 200 دولار)، وأحيانا يدفع العابرون إلى المهرب?ن الإيرانيين حوالي ميليونين تومان إيراني (120 دولارا)".
وفق الأرقام الرسمية، تصل التحويلات المالية من العمال الأفغان في إيران إلى 6% (حوالي 500 مليون دولار) من إجمالي الناتج المحلي الأفغاني، في حين يتم تهريب آلالاف الأفغان للقتال في صفوف إيران في العراق وسوريا.
ماذا عن الموقف الأميركي؟
في الآونة الأخيرة، ضاعفت الولايات المتحدة رصد النشاط القائم بين إيران وأفغانستان، ولا سيما للجماعات الفاعلة على الأرض التي تستفيد من تجارة الحدود.
ولعل فشل المفاوضات بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب وحركة طالبان في أفغانستان قد يعود بشكل رئيسي إلى علم الإدارة الأميركية بتورط أفغانستان في شبكات التهريب عبر الحدود، على حد تحليل مصادر مطلعة من واشنطن.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تتراخى الإدارة الأميركية عن بعض قنوات التهريب التي تعتمدها إيران رغم علمها بها؟ فعلى سبيل المثال قد منحت أميركا استثناءاً من العقوبات لتطوير ميناء تشابهار الإيراني الذي تشارك فيه كل من الهند وأفغانستان.
تعتبر مصادر مطلعة أن ذلك يصب في مصلحة أميركا بتقوية اقتصاد الهند في وجه منافسها الرئيسي "الصين"، ومن جانب آخر تستثمر هذا الأمر في مفاوضاتها مع أفغانستان.
لا ينكر الناشط السياسي الإيراني والباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات "fdd" علي رضا نادر، في حديث مع "العربية.نت"، أنه قد يكون من الصعب في مكان أن توقف أميركا تماما قنوات التهريب الإيرانية أو دعم الحرس الثوري لطالبان من خلال العقوبات وحدها.
غير أنه يعود ليؤكد أن العقوبات الأميركية قد استنزفت الموارد المالية للحرس الثوري الإيراني، وجعلت من عمليات تمويل الجماعات الإرهابية مثل طالبان أكثر صعوبة.
المواضيع المتشابهه 
"العربية.نت" تحاور مقاتل سابق في "طالبان" يكشف تجارة التهريب 
العرض الشجري
