وقالت صحيفة "الاقتصادية" في افتتاحيتها التي جاءت بعنوان ( السعودية .. قوة نفطية وتوازن في ضبط الأسواق ): أثبتت الأسابيع الماضية هيمنة السعودية على قطاع النفط، وهي قادرة على معاقبة كل من يخالف قواعد السوق والمنافسة العادلة فيها، وقد سلمت السوق للسعودية بهذا الدور، ويجب أن نؤكد أن هذا الدور وهذه القوة لم يأتيا من فراغ، بل منذ أعوام طويلة من التعامل مع عوامل هذه السوق ومركباتها، حيث قدمت السعودية كثيرا من التضحيات من أجل ضمان الوصول إلى حصص عادلة، سواء بين المنتجين والمستهلكين، أو بين المنتجين أنفسهم، ومر زمن كانت السعودية تقوم بدور صانع السوق، من حيث قيامها بتخفيضات من جانبها لتحقيق مستويات سعرية مناسبة، وهذا كلفها فقدان الحصص والأسواق التي كانت تصعب العودة إليهما دون إرباك السوق، وهو ما لم تفعله السعودية في تاريخها النفطي، لكن الوقائع الاقتصادية التي فرضتها الحرب التجارية بين الصين وأمريكا ثم ما تلاها من أبعاد اقتصادية واسعة النطاق جراء انتشار فيروس كورونا، اضطرت السعودية إلى فرض هيمنتها، لإخضاع كامل السوق لقواعد عادلة، وعدم السماح لأي طرف بأن يقفز على أكتاف القرار السعودي للفوز بتوسيع حصته. وتابعت : أكدت وبرهنت الأحداث أن القرار في الرياض، وأن قدرة الاقتصاد السعودي على تحمل صدمات النفط تغيرت تماما، وأن المراهنة على ذلك لم تعد صحيحة. فقد سبق تراجع أسعار النفط إلى ما دون 30 دولارا، تقارير من مؤسسات دولية معتبرة تشكك في قدرة الاقتصاد السعودي على الصمود عند هذه المستويات، وردت في "الاقتصادية" في حينها، ثم حدث التراجع الكبير في الأسعار حتى دنت من 20 دولارا أو أقل، وانتظر الجميع أن تعلن السعودية تراجعها، لكن القرار السعودي جاء بخلاف التوقعات البائسة كلها، وأثبتت السعودية أنها سيدة هذه السوق التي كان عليها أن ترى قوة القرار السعودي وقدرة الاقتصاد على تجاوز أي تقلبات سعرية ولو طال أمدها. تغير الاقتصاد السعودي تماما، وأصبحنا نمتلك أدوات في السياسة النقدية والمالية والضريبية ما يمكننا من تجاوز أي أزمة، فقد كانت المالية العامة مرنة بطريقة مذهلة تمكنها من تجاوز الحالة الراهنة، لكن التحولات الاقتصادية مكنت المملكة من التجاوب مع التراجع الاقتصادي العالمي، كما فاجأت السوق بقرار زيادة الإنتاج والكفاح ضد الحصص، حتى دانت لها أسواق الشرق الأقصى، ولم تفلت من بين يديها السوق الأوروبية ولا حصصها في السوق الأمريكية. هذه القرارات والتجاوب السريع للاقتصاد السعودي مع المعطيات الجديدة، جعلا جميع المنتجين يوافقون على القرار السعودي، وتراجعت الأصوات التي نادت بانهيار اتفاق «أوبك +»، خاصة مع تسابق دول العالم إلى الانضمام إلى الاتفاق، والاستفادة من المظلة السعودية للبقاء في السوق، وكان نتيجة هذا التدافع أن أصبحت السوق النفطية أكثر انضباطا من قبل، وعادت إلى التوازن، ليس بفعل التضحيات السعودية هذه المرة، بل بفعل فرض الأمر الواقع، وأن يرى الجميع حجم الاقتصاد السعودي وتأثيره، وعادت الأسعار إلى مستويات فوق 40 دولارا مع حصص واسعة للسعودية في الأسواق الهندية والصينية، إضافة إلى حصصها الأساسية التي لم تمس. شجع هذا النجاح الواسع تحالف «أوبك +» بقيادة السعودية على تمديد التخفيض القياسي للإنتاج حتى نهاية تموز (يوليو) المقبل، وذلك في ختام اجتماعهم الافتراضي، الذي عقد أمس الأول برئاسة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، وهو تعبير عن قوة التحالف الجديد، وأن الوقائع الاقتصادية في السوق النفطية تغيرت، فطالبت «أوبك +» دولا منها نيجيريا والعراق، اللتان تخطتا حصص إنتاجهما في أيار (مايو) وحزيران (يونيو) بالتعويض عن ذلك عبر تقليص إضافي من تموز (يوليو) حتى أيلول (سبتمبر). هذه الواقعة لم تحصل من قبل تقريبا، وهو ما يشير إلى أن أحدا لم يعد قادرا على إرباك السوق من حيث تعظيم إنتاجه دون أن يكون لتصرفه هذا عواقبه. // يتبع //06:03ت م 0006