زاد فيروس كورونا المشاكل المتأصلة في الاقتصاد التركي، معززاً مخاطر استمرار الانهيار وحدوث أزمة. ومع ذلك، فيما يتعلق بالتحديات الصعبة في السياسة الخارجية التي تواجه تركيا، ربما كان الفيروس بمثابة قرع الجرس لملاكم محاصر في الزاوية. ومن المحتمل أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الوحيد في العالم الذي يدعو في قرارة نفسه ألا يعود العالم إلى ما كان عليه، وإلا ستضطر تركيا إلى دفع فاتورة باهظة مقابل الأخطاء التي ارتكبها.
يقول موقع "ميدا" الإسرائيلي إنه "في بداية أحداث 2011، كان أردوغان يرى أن هذا هو الوقت المناسب لبناء سلسلة من الأنظمة الصديقة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث سيتمكن في نهاية المطاف من إحياء الإمبراطورية التركية. واليوم، بعد ما يقرب من 10 سنوات، تبدو أحلامه بتحويل تركيا إلى قوة عالمية ليست أكثر من وهم".
إحدى أكثر المشاكل سخونة أمام أردوغان هي منظومة الصواريخ الروسية S-400 التي سلمتها موسكو إلى أنقرة في يوليو الماضي، والتي كان من المقرر أن يبدأ تشغيلها في إبريل من هذا العام. وبعد العاصفة التي حدثت بعد شراء المنظومة، تذرع المسؤولون الأتراك بأن انتشار كورونا يؤخر موعد التفعيل الرسمي بسبب القيود المفروضة على الاجتماعات والعمل. قد يكون هذا صحيحاً، لكن حكومة أردوغان لا تريد أن تظهر على أنها تهدر 2.5 مليار دولار التي استثمرتها أثناء ذروة أزمة اقتصادية وخطر حدوث ركود. وفي 20 أبريل نقلت وكالة رويترز عن مسؤول حكومي كبير قوله إنه "لا يوجد تراجع عن قرار تشغيل نظام S-400... إلا أن كورونا أجلت خطة الاستعداد في أبريل.
ويبدو أن هذه الصفقة قد صيغت خصيصاً لإبقاء تركيا على علاقات جيدة مع روسيا، لكنها ستأتي بثمن. حيث قال ديفيد ساترفيلد، السفير الأميركي لدى أنقرة، في نقاش تم هذا الشهر: "لقد أوضحنا موقفنا للرئيس أردوغان وجميع كبار المسؤولين في تركيا بأن تشغيل نظام S-400 سيعرض تركيا لاحتمالية حقيقية للعقوبات بموجب القانون الأميركي". كما أضاف: "ليس لدينا في الوقت الحاضر أي تأكيدات من الحكومة التركية تدفعنا للارتياح حول هذه المخاوف". وفي محادثة أجراها مع مسؤول حكومي رفيع المستوى في أنقرة الأسبوع الماضي، قيل له إن "القرار سيأتي من أردوغان". ووفقاً له، "لا توجد حالياً مؤشرات على أن الرئيس يعيد النظر في تفعيل النظام".
ثمن باهظ
لقد دفعت تركيا بالفعل ثمناً باهظاً للحصول على النظام الروسي، حيث تم استبعادها من الاتحاد الدولي الذي يصمم ويركب الجيل القادم من الطائرات المقاتلة F-35. وإذا قرر الكونغرس الأمريكي الآن فرض عقوبات إضافية على تركيا، فسوف يضر ذلك بصناعاتها الدفاعية بشكل كبير، لكن أردوغان قلق من عواقب أكثر خطورة.
إلى ذلك يمكن أن يؤدي تفعيل منظومة الصواريخ الروسية إلى المزيد من العقوبات على بنك Halkbank المملوك للدولة، والذي يخضع بالفعل لعقوبات أميركية بسبب مشاركته في الأعمال التجارية في إيران. وقد يؤدي فرض عقوبة مالية كبيرة على البنك إلى شل أي خطة انتعاش يعدها أردوغان للخروج من أزمة كورونا، وسيكون أكبر كابوس بالنسبة له هو تطبيق الوعد الذي قطعه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، العام الماضي بـ"سحق الاقتصاد التركي" رداً على تعاونه مع الروس. ويعني ذلك معركة خاسرة لأردوغان مع آثار اقتصادية وسياسية خطيرة، حيث أن تزايد الديون، وانهيار الأسواق، واستمرار تراجع الليرة التركية سيشكلون معاً الوصفة المثالية التي يمكن أن تؤدي إلى انتخابات مبكرة. ومن المفارقات أن خيار أردوغان الوحيد لتجنب العقوبات الأميركية يمكن أن يعرضه لعقوبات شديدة ومؤلمة من روسيا، تماماً كما حدث مع إسقاط الطائرة المقاتلة الروسية في سماء سوريا نوفمبر 2015 التي اضطره بعدها لإرضاء الروس.
وللحد من الأضرار الدبلوماسية المتوقعة، شرع أردوغان في حملة علاقات عامة دعائية للعالم، حيث أرسلت تركيا معدات طبية إلى 57 دولة لإظهار التضامن في المعركة ضد كورونا، بما في ذلك شحنتين إلى الولايات المتحدة. وحملت الصناديق كلمات الشاعر جلال الدين الرومي في القرن الثالث عشر باللغتين التركية والإنجليزية: "هناك أمل بعد اليأس، والكثير من الشموس بعد الظلمة".
"رأي مبالغ في التفاؤل"
كما كتب عبد القدير سلبي، وهو صحافي موالي لأردوغان في صحيفة "هوريت" أن "أميركا انتقلت من استخدام لغة العقوبات إلى النظرة الإيجابية حول تركيا". قد يبدو هذا رأي مبالغ في التفاؤل بعض الشيء، لكن مؤيدي أردوغان يواصلون الاعتقاد بأن بعض طائرات الشحن التي تحمل معدات طبية يمكن أن تكسب ود العالم الذي نصفه لا يزال معادياً لتركيا.
وفي الوقت الذي تظل فيه منظومة S-400 مجمدة بسبب وباء كورونا، هناك بلدة سورية بالقرب من الحدود التركية لا تزال تنتظر العودة إلى الوضع الطبيعي لمواصلة تحدي أنقرة. في فبراير، لقي الجيش التركي هزيمة محرجة في إدلب وقُتل منه حوالي 50 جندياً، ومعظم النيران جاءت من قوات النظام السوري بدعم من القوات الجوية الروسية. لقد أربك عدد القتلى الأتراك: إذا كان الروس حلفاؤنا فلماذا يقتلون جنودنا؟ هذا سؤال جيد، سؤال يفضل أردوغان عدم الإجابة عليه، وعندما ينقشع ذعر كورونا قريباً، سيستأنف إطلاق النار في إدلب أيضاً.
خروج من سوريا
في 3 مايو، دخلت قافلة من عشرات الشاحنات العسكرية التركية سوريا، ويفترض أن هدفها تسليم الإمدادات إلى القوات المتمركزة حول إدلب. في اليوم نفسه أفادت تقارير إخبارية من المنطقة بأن تنظيم "تحرير الشام"، إحدى الفصائل التي تقاتل في منطقة إدلب، اعترضت القافلة التركية، (رغم أنها محسوبة على أنقرة)، ومنعتها من الدخول إلى الموقع بالقرب من حلب. وتشير هذه العلامات إلى أنه يجب على أردوغان أن يستعد الآن للحظة التي يفرض فيها أصدقاؤه الروس عليه خروج قواته وأعوانهم من سوريا.
إضافة إلى كل هذه الأحداث، توقفت أيضاً محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وسيتعين على أنقرة إيجاد طريقة أفضل من السفن الحربية لحل النزاعات حول حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط. إن التدخل التركي في ليبيا (الممول من قطر) يزيد من حدة التوتر هناك أيضاً، إلى جانب الجبهات المتوترة الأخرى التي فتحها أردوغان مع مصر والإمارات والسعودية وقبرص واليونان. وفي جميع الأحوال والسيناريوهات، ينتظر أردوغان صيفاً حاراً جداً.