في فضيحة من العيار الثقيل تكشف مدى نفاق حكومة أردوغان وكذب مزاعمها برعاية مصالح المسلمين، أزاح موقع Axios الأميركي النقاب حصريا عن وثائق سرية تتضمن طلبا من الحكومة الصينية موجها إلى الحكومة التركية لتسليم أحد أبناء شعب الإيغور كان قد تمكن من الفرار من شينجيانغ على تفاقم عمليات القمع وجرائم الإبادة الثقافية المنظمة هناك.
وأشار الموقع الأميركي إلى أن أهمية الوثائق السرية تكمن في أنها تثبت صحة شكوك الإيغور، الذين يعيشون خارج الصين منذ فترة طويلة، في أن بكين تستخدم نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي المتنامي للضغط على الحكومات الأجنبية لاستجوابهم وترحيلهم.
توفر هذه الوثائق السرية، التي يعود تاريخ بعضها إلى عامي 2016 و2017، بالإضافة إلى ما قامت به الحكومة التركية بعدئذ من ممارسات ضد الشخص المطلوب تسليمه إلى بكين، دليلاً نادرًا على صحة مخاوف الإيغوريين وأن شكوكهم في محلها.
وبحسب ما صرح به أنور توردي، في مقابلة حصرية مع موقع Axios، فإن "عيونه لا تغفل ولا ينام لليالٍ متعاقبة خشية أن يتم مداهمة منزله واعتقاله هو وأسرته".
وأوضح الموقع الأميركي أن أنور توردي، المذكور في طلب التسليم، يعيش في تركيا منذ أوائل عام 2014 بعدما تمكن من الفرار من شينجيانغ، وهي منطقة في شمال غرب الصين تضم حوالي 10 ملايين من الإيغور، وهم أقلية ناطقة باللغة التركية.
وأضاف توردي في حديثه لـAxios، أنه قام، في عامي 2012 و2013، بنقل معلومات حول تصعيد انتهاكات الحكومة الصينية إلى محطة إذاعية اسمها "راديو آسيا الحرة" وعدد من منظمات الإيغور في الخارج، وأنه اضطر إلى الهرب من الصين بتأشيرة سياحية بعدما قامت السلطات الصينية باعتقال أحد زملائه.
وفي عام 2015، رفضت السفارة الصينية في تركيا إصدار جواز سفر جديد لتوردي، للحيلولة دون تمكنه من تجديد تصريح إقامته المؤقت في تركيا.
وتم احتجازه، في عام 2017، بواسطة السلطات التركية لمدة 12 شهرًا تمهيدا لترحيله بعدما تعذر عليه تقديم وثائق إقامة سارية.
وخلال فترة احتجازه، تناوب مسؤولو الأمن الأتراك استجوابه زاعمين أنه كان يدير موقعاً إلكترونياً موالياً لداعش، وهو الاتهام الذي نفاه توردي، والذي أردف قائلًا إن مسؤولي الأمن الأتراك أظهروا له نسخة من شهادة تخرجه، تعود لعام 2004 وأنهم حصلوا على هذه الوثيقة من السلطات الصينية. وأضاف توردي أنه تم إحالة قضيته إلى محكمة جنائية، ولم يتم اتخاذ الإجراءات من خلال محكمة هجرة، موضحًا أن قضيته مازالت معلقة في المحاكم التركية.
المستندات السرية
يتألف ملف الوثائق السرية المتبادلة بين بكين وأنقرة من 92 صفحة، من بينها طلب تسليم المواطن الإيغوري إلى الحكومة الصينية، بتاريخ مايو 2016، مدعومًا بتقارير أمنية مترجمة إلى اللغة التركية مقدمة من الحكومة الصينية، ووثائق تثبت تجاوب الحكومة التركية في عام 2017 وقبول طلب التسليم مع التوضيح بأن وزارة العدل التركية تتخذ اللازم وبدأت إجراءات محاكمة المذكور.
تمكن محامي توردي من الحصول على نسخة من الملف السري في أوائل عام 2020، والذي أمكن من خلاله التوصل إلى حل خيوط المؤامرة التي أوقعت توردي في سلسلة من المشاكل بتخطيط من السلطات في الصين وتركيا.
ويشير موقع "أكسيوس" إلى أنه تم التأكد من صحة الوثائق من خلال خبراء في القانون الصيني والتركي، ومتخصصين ينتمون لجماعات حقوق الإنسان، التي تنخرط في الكثير من القضايا في تركيا والصين، وكذلك عدد من الباحثين الذين يركزون على مأساة سكان شينجيانغ.
وشرح الخبراء أن الملف يتضمن وثائق تسوق فيها الحكومة الصينية اتهامات ضد المواطن المطلوب تسليمه توردي تشتمل على مزاعم قيامه بإنشاء موقع إلكتروني موالٍ لتنظيم داعش وانتمائه إلى منظمة إرهابية، وهي الاتهامات التي ينفيها توردي جملة وتفصيلا.
وفي وثيقة أخرى، تطلب بكين من السلطات التركية الوصول إلى محل إقامة توردي، والاستيلاء على ممتلكاته وأصوله أو تجميدها، واعتقاله وترحيله إلى الصين.
أوامر بالتكتم والسرية
وأفاد الخبراء أنه لم يتم وضع ختم "سري" على الوثائق نفسها بشكل رسمي ولكن طلبت الحكومة الصينية من المسؤولين الأتراك التكتم على الأمر وإبقاء القضية سرية، وجاء في نص إحدى المخاطبات: "إن تفاصيل هذه القضية مصنفة سرية، ونسأل الجانب التركي أن يلتزم بالحفاظ على سريتها وفقًا للقوانين المحلية".
مأساة الأقليات المسلمة
تفاقمت مأساة أقلية الإيغور بعدما وضع الحزب الشيوعي الصيني قيودًا شديدة عليهم وغيرهم من الأقليات العرقية الأخرى ذات الأغلبية المسلمة في غرب الصين.
وبدأت الحكومة الصينية في احتجاز مئات الآلاف من الإيغور في معسكرات الاعتقال الجماعي دون أي مصوغ قانوني في أوائل عام 2017.
ويعاني المعتقلون الإيغور من ظروف قاسية فضلًا عن إرغامهم على حضور دروس إعادة التعليم بغرض تغيير عقيدتهم، في حين يتم ترهيبهم من خلال استصدار أحكام بالسجن ضد العديد منهم لسنوات طويلة مع حرمانهم من أي محاكمات عادلة.
وتزعم السلطات الصينية أن إجراءاتها في شينجيانغ تهدف إلى مكافحة الإرهاب والتطرف، لكن يؤكد الأكاديميون وجماعات حقوق الإنسان أن ممارسات الحكومة الصينية ليست إلا عملية إبادة ثقافية منظمة على نطاق لم تشهده البلاد منذ الحرب العالمية الثانية.
دفء العلاقات والمصالح المشبوهة
وتقول إيما سينكلير ويب، مديرة تركيا في هيومن رايتس ووتش، في مقابلة مع "أكسيوس"، إن الموقف التركي قبل عام 2017، كان يراعي الترحيب علانية بالإيغور الفارين من الصين، وشعر العديد من الأتراك بالتضامن مع الإيغور. ولكن دفء العلاقات بين الصين وتركيا جعل أنقرة تتراجع عن دعمها للاجئين من الإيغور، الذين يقولون حاليًا إن الشرطة التركية تستجوبهم وتتهمهم بالإرهاب.
واختتم موقع "أكاسيوس" تقريره موضحا أن تركيا والصين وقعتا على مسودة معاهدة تسليم المجرمين عام 2017، لكن البرلمان التركي لم يصادق عليها بعد. وأنه إذا تم تمرير المعاهدة، فستكون تركيا ملزمة، مع بعض الاستثناءات، بالامتثال لطلبات تسليم الحكومة الصينية.