فيما يواصل فيروس كورونا المستجد حصد المزيد من الأرواح في تركيا، تتراجع الليرة إلى مستويات منخفضة قياسية أمام الدولار مع رهان المستثمرين على قدرة البنك المركزي على الاستمرار في تقديم الدعم اللازم للدفاع عن العملة المحلية.
وفي أحدث تعاملات لليرة أمام الدولار تراجعت العملة التركية مساء الأربعاء، بنحو 1.1% إلى مستويات 7.15 ليرة للدولار الواحد وهو أدنى مستوى إغلاق على الإطلاق في الوقت الذي فقدت به العملة المحلية للبلاد نحو خمس قيمتها هذا العام، بحسب ما ذكرته صحيفة "وول ستريت" جورنال".
وقبيل انتشار فيروس كورونا على نطاق واسع في تركيا، كان الاقتصاد يئن بالأساس مع ارتفاع مستويات التضخم ومستويات نمو ضعيفة، ثم جاءت أزمة كورونا لتزيد الطين بلة مع توقف شبه تام للقطاع السياحي في بلد تمثل فيه السياحة أحد أهم أركانه خاصة تلك القادمة من أوروبا والتي تحولت إلى مركز للوباء بعد إعلان الصين تمكنها من التغلب على كورونا.
الاحتياطات في اتجاه هابط
وفي خضم الأزمة الطاحنة التي يمر بها الاقتصاد التركي، سعت أنقرة نحو تأمين الدولار اللازم للبنك المركزي من خلال محادثات مع مسؤولين أميركيين حول إمكانية إتاحة خطوط لمبادلة العملة من قبل الفيدرالي الأميركي، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مسؤول تركي ودبلوماسي أميركي رفيع المستوى.
وتركيا من بين البلدان التي أعلن الفيدرالي الأميركي في مارس الماضي عن إمكانية تزويدها باتفاقيات خطوط مبادلة الائتمان بالإضافة إلى بلدان أخرى على غرار المكسيك والبرازيل والنرويج.
وسحبت تركيا نحو 19 مليار دولار من احتياطات النقد الأجنبي لديها لوقف هبوط الليرة من خلال عمليات شراء مكثفة بهدف رفع الضغوط عنها، ما تسبب في هبوط الاحتياطي الأجنبي للبلاد إلى مستويات 56 مليار دولار، ولكن صحيفة "وول ستريت جورنال" قالت إن وتيرة الهبوط قد تكون أكبر مما تم الإعلان عنه من قبل السلطات التركية.
المصارف في قلب الأزمة
ويقول تقرير الحصيفة الأميركية أن الكثير من الاحتياطات الأجنبية للمركزي التركي تأتي من الدولارات التي يقوم البنك باقتراضها من البنوك المحلية، ما يعني أن المركزي التركي يدين بكثير من العملة الصعبة إلى تلك البنوك.
وقد يعني هذا الأمر أن المركزي التركي يدين لتلك البنوك بما يزيد عن الاحتياطات المتوفرة لديها ما يمثل وجها أخر للأزمة الاقتصادية في تركيا وهي القطاع المصرفي، بحسب ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال عن زميل الدراسة لدى مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك براد سيستر.
وتشير بيانات البنك المركزي التركي إلى أن البنوك المحلية العاملة بالبلاد لديها التزامات على هيئة ديون قصيرة الأجل تقدر بنحو 79 مليار دولار تستحق بحلول فبراير 2021 المقبل.
ويمثل الهبوط الحاد لليرة والتراجع الحاد للاحتياطات الأجنبية في البلاد خطرا داهما على تلك الديون مع أزمة تعثر تلوح في الأفق إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
المركزي وأردوغان
ويقول كبير محللي الأسواق الناشئة لدى SEB Markets للصحيفة إن خيارات المركزي التركي تكاد تكون محدودة.
ويضيف بير هاميرلند للصحيفة، " الثقة في المركزي التركي اختفت على نحو سريع.. نعلم جيدا أن النقد ينفد منهم مع نزيف الاحتياطات".
وبعد موجة بيع عنيفة على الليرة التركية في صيف 2018، نجح المركزي التركي حينها في إعادة الاستقرار إلى سوق العملة من خلال رفع حاد لمعدلات الفائدة ما أكسب الليرة الضعيفة في حينه جاذبية لدى المستثمرين.
بيد أن الأمر لم يعجب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان يطالب البنك على الدوام بخفض معدلات الفائدة لتشجيع الاستثمار.
ولكن محافظ البنك حينها مراد جتينقايا لم يرضخ لطلب أردوغان حتى أقاله الرئيس التركي في يوليو/تموز من العام الماضي وعين بدلا منه مراد قايا المحافظ الحالي والذي خفض معدلات الفائدة خلال 10 أشهر من مستويات بلغت نحو 24? إلى نحو 8.75?.
وتسبب الخفض الشديد لمعدلات الفائدة في ترك الليرة التركية تحت طائلة معنويات وتلاعبات المستثمرين، بحسب ما ذكرته الصحيفة.
"التعويم القذر"
وفي تقرير لمعهد التمويل الدولي الشهر الماضي، أشار المعهد إلى تلاعب المركزي التركي في أسواق الصرف من خلال تقديم الدعم الليرة في مارس مع عودة ظاهرة الخوف من التعويم أو التعويم القذر إلى الأسواق الناشئة.
ويشير مصطلح التعويم القذر إلى ادعاء البنوك المركزية عدم التدخل في أسواق الصرف وبأن العملة لديها تتداول على نحو حر في وقت تتدخل به البنوك بالخفاء لدعم عملتها المحلية.
ولم تكن تلك المرة الأولى التي يتدخل فيها المركزي التركي لدعم عملته، إذ سبق للبنك القيام بالتدخل على نطاق واسع في الفترة ما بين 2014-2015 للدفاع عن الليرة.
ويقول المعهد في المذكرة التي اطلعت العربية.نت على نسخة منها،" وتيرة التراجع في الليرة التركية خلال مارس لم تكن بنفس الوتيرة التي شهدتها عملات الأسواق الناشئة الأخرى على الرغم من هبوط الاحتياطات وهو ما يشير هنا إلى احتمالية تدخل المركزي لدعم العملة".
الخيارات تتضاءل
ويبدو أن الخيارات المتاحة لأنقرة أخذةٌ بالنقصان، ففي الوقت الذي عادة ما تلجأ به الدول في خضم تلك الأزمات إلى صندوق النقد الدولي فإن أردوغان كرر في أكثر من مناسبة إن اللجوء إلى الصندوق خيارا غير مطروح.
ويقول أعضاء في الإدارة التركية أن لجوء أردوغان إلى صندوق النقد الدولي يقوض الموقف السياسي للرجل في الداخل التركي مع إمكانية النظر إلى الخطوة على كونها علامة ضعف لرجل يتفاخر على الدوام بقوة اقتصاد بلاده.
وعلى الجانب الآخر من النهر، فإن إمكانية الحصول على خطوط ائتمان من الحكومة الأميركية قد يعرقلها توتر بين أنقرة وواشنطن على خلفية الحصول على المنظومة الدفاعية الجوية "S-400" من روسيا في خطوة عارضتها واشنطن على نطاق واسع.
وقال اقتصادي تركي للصحيفة،" لا أعتقد أن الفيدرالي الأميركي سيساعد تركيا لسببين أولهما المنظومة الدفاعية الروسية والسبب الثاني هو عدم الشفافية في بيانات المركزي التركي حول احتياطات البلاد من العملة الصعبة".