رغم وباء كورونا الحرب مستمرة في ليبيا وتدفق المزيد من المقاتلين من سوريا إلى طرابلس، تقول صحيفة "دي تسايت" الألمانية أنه لا يوجد احتمال لإنهاء القتال في ليبيا، فالأمر هناك متعلق بالقوة والمال، فضلا عن التدخلات الخارجية، والمدنيون هم من يدفعون الثمن.
وينتمي رئيس تركيا رجب طيب أردوغان (الممول قطرياً) إلى المدرسة القديمة من قادة الحرب، ويريد أن يسجل نقاطاً بانخراطه العسكري في السياسة الداخلية الليبية، لذا فهو لا يحاول إخفاء الكثير، ويعتمد على المرتزقة والطائرات المسيرة، لقد أرسل متطرفين سوريين من إدلب إلى ليبيا، وهم يتقاضون رواتبهم على أي حال لمحاربة الأكراد السوريين، كما تم تزويد الفصائل الموالية لطرابلس بطائرات بدون طيار من مصنع أسلحة يمتلكه صهر أردوغان.
وحسب الصحيفة الألمانية، قائد الجيش الليبي الجنرال خليفة حفتر أعلن بنفسه الاثنين الماضي وقفاً لإطلاق النار طوال شهر رمضان، واعتبر أنه الزعيم الشرعي لكل ليبيا. ولكن حلفاء حفتر يحبون حقيقة ألا يتخلى الأخير بصراحة عن أي استعداد للتفاوض، والذي كان قد تعهد به قبل بضعة أشهر فقط.
في شرق ليبيا، تتمركز قوة حفتر، والبلاد تدار سياسياً من قبل برلمان ومجلس دولة في طبرق. من المرجح أن تتم ترقية رئيس البرلمان لاحقا إلى منصب رئيس الدولة.
في يناير/كانون الثاني من هذا العام، كان المشاركون في مؤتمر برلين ليبيا يأملون مبدئيًا في تحقيق تقدم، حيث تم التعهد بالامتثال لحظر الأسلحة، وتم استئناف المحادثات السياسية بين حفتر وحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، ولكن موقف السراج كان ضعيفًا، وتم اختراق حظر الأسلحة بشكل صارخ. ومن جانبه أوضح حفتر أن الحرب ستستمر حتى آخر رصاصة.
بعد معارك عنيفة ضد الميليشيات المرتبطة بتنظيم داعش في شرق ليبيا، بنى الجنرال حفتر صورة له كرجل قوي أعجب به الكثيرون في الخارج، و كان من بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقد بدا من الواضح أن واشنطن وباريس اعتمدتا بشكل أقل على محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة، مقابل ثقة كبيرة في حفتر.
ضغوط على حفتر
وتؤكد الصحيفة الألمانية أن الليبيين لم ينفضوا عن حفتر. لقد استولى الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر على عدة مدن في غرب ليبيا، لكن العاصمة طرابلس لم تسقط، وبدلاً من ذلك فإن حفتر يتعرض حاليا لضغوط عسكرية متزايدة في مواجهة تدخلات أردوغان.
وغالبًا ما يُشار إلى الحرب الأهلية في ليبيا على أنها النتيجة الحتمية للتدخل العسكري الغربي في عام 2011، والتي أزالت "يد القذافي القوية". وحسب الصحيفة الألمانية، ثارت الحرب داخل ليبيا في المقام الأول نتيجة للتدخلات المستمرة من الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى. إن الصراع الليبي الداخلي حول التأثير السياسي للإسلاميين قد ساهم فعلاً بشكل كبير في تقسيم البلاد، وحفز التصعيد العسكري للدول الأجنبية.
ودخلت تركيا بالفعل في القتال قبل بضعة أشهر، حيث اتفق أردوغان مع حكومة الوفاق في طرابلس على تقسيم المناطق الاقتصادية مع حقول الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، وفي المقابل أرسلت الحكومة في أنقرة مستشارين عسكريين وأسلحة إلى السراج، وتمكنت الميليشيات الموالية لطرابلس من دفع حفتر إلى الخلف بهجوم مضاد.
لم يكن القتال في ليبيا حول إيديولوجية أو دين لفترة طويلة، بل كان من أجل القوة (الجيوسياسية) ومصادر الدخل مع استخدام أساليب الحرب في القرن الحادي والعشرين، فقد كانت عمليات تسليم الأسلحة سرية إلى حد ما، و تم استخدام المرتزقة، وكانت هناك الدعاية المضللة. لم تكن الاستراتيجية المستخدمة جديدة، فهي لا تزال معروفة منذ زمن المواجهة بين الشرق والغرب.
يدفع المدنيون - السكان المحليون والمهاجرون على حد سواء - ثمن هذه الحرب، وقد أصبح عدد الضحايا مرتفعًا جدًا، في ظل قصف المناطق السكنية والمستشفيات وعزل المدن عن إمدادات الكهرباء والمياه، وتعريض الإمدادات الغذائية غير المستقرة بالفعل للخطر، وعدم اتخاذ تدابير وقائية ضد جائحة كورونا.
وبالنسبة لليبيين هناك خوف من استمرار هذه الأوضاع في ظل غياب مفهوم الدولة الليبية لدى القوى الخارجية.
وتذهب الصحيفة الألمانية إلى أن الضغط من صفوف أنصار حفتر ربما أقنعه الآن بأن يكون أكثر استعدادًا لعرض وقف إطلاق النار، والسؤال المثار هل ستستجيب حكومة الوفاق خاصة أن الموقف الميداني يميل لصالحها الآن.