وقالت صحيفة "الاقتصادية" في افتتاحيتها التي جاءت بعنوان (شد الحزام ) : ليس من قبيل المفاجأة ما صرح به وزير المالية السعودي بشأن الآثار المتوقعة لجائحة كورونا في الاقتصاد السعودي، خاصة في الربع الثاني، ذلك أن تأثيرها كان واضحا جدا؛ ليس في المملكة فحسب، بل في دول العالم كافة، فكل خطط النمو العالمية أصبحت اليوم خارج السياق تماما، وأصبح العالم بأسره يواجه شبح الكساد، فالركود أصبح واقعا، ومواجهة هذه الجائحة تطلبت إجراءات احترازية لم يشهد العالم مثيلا لها من قبل، حتى توقفت الأعمال بشكل كامل وتم إغلاق مؤسسات القطاع الخاص كافة، شملت حتى المطارات وشركات الطيران، وكل هذا وضع قيودا على النشاط الاقتصادي لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية. وأكد عديد من التقارير أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الاقتصادات المتقدمة سيتراجع في الربع الثاني بما قد يزيد على 24 في المائة، ومن أجل هذا اجتمع قادة دول "العشرين" بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي ترأس في آذار (مارس) الماضي أول اجتماع لقادة هذه المجموعة من خلال الاتصال المرئي، وتعهدت دول المجموعة بحزمة إنقاذ للاقتصاد العالمي بلغت خمسة تريليونات دولار. ورغم شدة هذه الأزمة، فإن تأثيراتها كانت محدودة في الاقتصاد السعودي في الربع الأول من العام المالي الجاري، وظهر هذا واضحا من خلال الإعلان عن نتائج الميزانية في الربع الأول، وتبين أن حجم العجز كان ضمن الحدود المخطط لها، حيث بلغت الإيرادات 192 مليار ريال فيما بلغت المصروفات 226 مليار ريال؛ بعجز قدره 34 مليار ريال، لكن كما أشارت التقارير العالمية فإن الآثار الأشد للجائحة العالمية ستكون أكثر تأثيرا في الربع الثاني، وقد تمتد إلى الربع الثالث. والمملكة جزء من هذا العالم وتتأثر إيراداتها بالاقتصاد العالمي، فالمملكة تتعامل مع أهم سلعة ذات علاقة بالنمو العالمي وهي الطاقة، ومع تراجع النمو العالمي إلى مستويات قياسية لم يشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، فإن الإيرادات المرتبطة بالطاقة ستتراجع ولا ريب. ولأن المملكة حرصت كل الحرص على نهج الشفافية، والمشاركة في المعلومات الاقتصادية ذات العلاقة، فقد جاء تصريح وزير المالية السعودي بعد أن تم نشر بيانات الربع الأول؛ ليوضح الصورة كما هي متوقعة في الربع الثاني، خاصة أنه قد مضى قرب من نصفه الآن، وأصبحت الأرقام قابلة للتقدير بشكل صحيح، وذلك حتى يتسنى لمتخذي القرار في القطاعات كافة اتخاذ قرارات أكثر حصافة في مثل هذه الظروف، وتعديل التنبؤات ومدخلاتها كافة عند التحليل الاقتصادي أو المالي للظروف الراهنة. وأكدت أن تراجع الإيرادات سيكون حتميا في الربع الثاني، وقد يستمر في هذا المستوى الجديد حتى نهاية العام المالي الجاري، ذلك أن عودة الاقتصاد العالمي إلى المستويات التي سبقت قبل الأزمة تتطلب أولا اكتشاف لقاح للمرض، كما تتطلب إعادة تشغيل الاقتصاد وتحفيزه بما يكفي، وهذا يتطلب من الحكومات كافة إعادة النظر في موازناتها المخططة وترتيب الأوليات من جديد. كما أن ظروف الإغلاق الكبير في دول العالم كافة أثرت في الطلب العالمي على النفط؛ ما قاد إلى تراجع كبير في الأسعار.. كل هذا سيؤثر حتما في حجم الإيرادات النفطية. في المقابل، فإن سياسة الإغلاق الكبير التي اضطرت إليها المملكة للحفاظ على صحة المجتمع أدت إلى توقف شبه كامل في كثير من الأعمال التجارية؛ ما أثر بشكل لا لبس فيه في حجم الإيرادات الناتجة عن الضريبة بأنواعها كافة، حتى الرسوم الجمركية تأثرت أيضا. ومع إغلاق الحدود مع العالم كافة وتوقف الرحلات الدولية، أصبح توقف التأشيرات والدخل الناتج عنها، أمرا لا مفر منه. ولهذا، فإن جانب الإيرادات في الميزانية وبأبوابه كافة قد تأثر جوهريا، وفي المقابل سعت الحكومة إلى تجنيب الناس والمجتمع الآثار الصحية والاقتصادية كافة، وتحملت خلال الربع الأول جميع المصروفات المعتمدة في البنود كافة التي تتعلق بمعيشة الناس، فسارعت بدعم الأجور في القطاع الخاص. وبالأمس أعلنت مؤسسة التأمينات الاجتماعية ضخ أكثر من مليار و200 مليون ريال دعما للرواتب لشهر نيسان (أبريل) فقط، كما تم الدعم بأكثر من 120 مليارا في نواح مختلفة، وتم دعم القطاع الصحي بما يزيد على 47 مليار ريال؛ فالمملكة حريصة كل الحرص على بقاء القطاعات الاقتصادية المختلفة تعمل بصورة جيدة، ذلك أن بقاء هذا القطاع سليما سيضمن بقاء القوة الشرائية عند مستويات مناسبة كافية لتجنيب الاقتصاد الركود العميق. وختمت : أن الهدف الأساس من أي موازنة هو التخطيط السليم للاقتصاد حتى يبقى فاعلا ومنتجا ونشطا ومستمرا من خلال تحديد نوع وتوقيت ضخ المصروفات وتحديد حجم الإيرادات الكافية لمواجهتها ومصادرها، ومن خلال ذلك تتم المحافظة على ثروات البلاد، وحماية مستقبلها، وذلك خلال الأوقات الجيدة وخلال الأزمات، واليوم تمر المملكة بأزمة لم تشهدها منذ تأسيسها على يد المؤسس، فلم تمر جائحة مربكة للاقتصاد العالمي والمحلي في الوقت نفسه كما هي الآن. ولا شك أن الجميع يتوقع أن تتخذ الحكومة إجراءات أكثر صرامة بشأن المصروفات؛ فالمحافظة على قدرات البلاد المالية وقدرتها والثقة بالاقتصاد تتطلب ذلك، لكن ونحن نقرر ذلك فإنه يجب فهم تصريح وزير المالية بشأن المحافظة على الوظائف في القطاع الخاص، لذا فإن هناك إطارا واضحا لدى المخطط الاقتصادي السعودي، وهو يدرك أهمية المحافظة على توازن الاقتصاد الكلي، حتى تمر الأزمة سريعا، بإذن الله. // انتهى //07:03ت م 0010