على الرغم من أن السؤال الأكثر شيوعا وتداولا هذه الأيام عن لقاح أو علاج لفيروس كورونا المستجد الذي أصاب وأزهق آلاف الأرواح حول العالم، إلا أن التساؤلات حول "نشأة المرض" الذي طال أكثر من مليوني إنسان حول العالم تجددت خلال الأيام الماضية على ضوء التوتر القديم الجديد بين الولايات المتحدة والصين حول تلك النقطة بالذات.
"مختبر في ووهان"، هو المكان الذي تحوم حوله الشبهات على أنه السبب الرئيس بالمصيبة التي ألمت بالعالم، بعدما ثبت أنه كان يجري اختبارات حول فيروسات ناجمة عن الخفافيش، كما فيروس كورونا القديم بموجته الأولى، ولربما انتقلت العدوى منه "خطأ" عبر أحد العاملين فيه، بعيدا عن نظرية التعمد في نشر العدوى أو خلق الوباء.
ماذا يجري داخل المختبر؟
بأزياء شبيهة ببدلات رواد الفضاء، يجري العلماء الصينيون دراسات على الفيروسات في معهد ووهان لعلم الفيروسات، البالغ قيمة إنشائه ما يقارب 42 مليون دولار.
وبحسب المعلومات، فإن معهد الأبحاث هذا يحتفظ بأكثر من 1500 سلالة من الفيروسات القاتلة، ومنذ نشأة فيروس كورونا في ديسمبر/كانون الثاني الماضي، بالمدينة نفسها، حامت الشبهات حول احتمال تورط المعهد.
فبينما يعتقد العلماء أن الفيروس انتقل إلى البشر من الحيوانات البرية التي تُباع طعاما في سوق في ووهان، تتعالى أصوات أخرى لتقول إن الفيروس قد يكون سلاح حرب بيولوجيا صُمم في المختبر.
في حين يعتبر آخرون أن الفيروس سرب من المختبر، عبر عامل ما، وتسلل إلى المدينة الصينية، التي ظهر فيها كورونا المستجد لأول مرة في ديسمبر الماضي.
المختبر الأكثر تقدما من نوعه في الصين، أصبح جاهزا عام 2015، ويتكون من 4 طوابق مصممة بأعلى مستوى للسلامة، وتم افتتاحه بشكل رسمي في 5 يناير/كانون الأول 2018، بعد اجتياز العديد من فحوصات الأمان.
يبحث الأمراض الأكثر فتكا
يصف موقع China Youth Online المختبر بأنه "حاملة الطائرات لعلم الفيروسات الصيني"، فقد قالت عنه صحيفة تديرها السلطات، "إن المختبر قادر على بحث مسببات الأمراض الأكثر فتكاً".
وعلى الرغم من أن أصابع الاتهام الأميركية موجهة إلى هذا المختبر بالذات، ربما لأنه يقع على بعد حوالي 10 أميال من سوق ووهان، نقطة انطلاق الوباء، إلا أن مختبرا آخر رئيسيا أيضا يوجد في المدينة وغائب عن الأذهان، هو مركز ووهان للسيطرة على الأمراض، ويقع على بعد 3 أميال من السوق.
وبحسب تقرير نشرته شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية، فإن الولايات المتحدة وكندا أرسلتا أموالا سابقا إلى معهد ووهان للفيروسات.
وأفاد التقرير بأن معاهد كندية مختصة بالبحوث الصحية أعلنت حديثا عن تمويل بالملايين لبحث وتطوير أدوات تكافح كورونا، تشمل لقاحات وعلاجات. وحصل أحد تلك الاختبارات على 828.046 دولارا من أجل تطوير اختبار سريع للفيروس باستخدام التضخيم الحراري وتقنية CRISPR، وكان من بين المنظمات المشاركة بالاختبار معهد ووهان لعلم الفيروسات، وفقا لما نقلته نشرة أخبار كندية في مارس/آذار الماضي.
وأجري البحث بالتعاون بين فريق متعدد التخصصات من علماء فيروسات، وكيميائيين، ومتخصصين في الأمراض المعدية، ونخبة من باحثي الصحة العامة القابعين في الخط الأمامي لمواجهة الوباء من جامعة ألبرتا، والوكالة الكندية لفحص الأغذية، ويقود هذا العمل أعضاء مختصون في معهد ووهان للفيروسات.
"توقفوا فورا".. خطأ الصين عليها دفع الثمن
من جهة أخرى، أفادت تقارير أميركية نقلتها صحيفة "ديلي ميل" الأميركية، عن ملايين الدولارات دفعت منحة من الحكومة في الولايات المتحدة لتمويل البحوث التي أجريت في معهد ووهان للفيروسات في السنوات الأخيرة، وهي أخبار أزعجت العديد من أعضاء الكونغرس.
فقد أعرب السيناتور مارثا مكسالي من ولاية أريزونا لشبكة "فوكس نيوز" عن غضبه قائلا: "ليس هناك شك في أن الحكومة الصينية ملطخة بدماء الأميركيين، لقد عرضوا حياتنا للخطر من خلال إخفاء أصل وسبب أزمة الفيروس التاجي"، مضيفا: "يجب على المعاهد الوطنية للصحة التوقف فورا عن نشر الدولارات التي تجمعها من ضرائب الأميركيين لإجراء هذا البحث الخطير"، بحسب تعبيره.
كما أعلن مكسالي أنه سيقود حملة في الكونغرس لضمان عدم دفع أموال الإغاثة من كورونا الهادفة إلى مساعدة دافعي الضرائب والشركات الأميركية للصين، خاتما: "إنه خطأ الحكومة الصينية عليها دفع الثمن".
مشاركة أميركية بـ7.1 مليون دولار
وفقًا للوثائق العامة التي قام بتجميعها مشروع White Coat Waste Project، ونشرتها شبكة "فوكس نيوز"، فقد شارك معهد ووهان في أبحاث ممولة بقيمة 7.1 مليون دولار من منح الحكومة الأميركية المخصصة للمعاهد الوطنية للصحة، فقد تلقت المنحة الواحدة للبحث عن كورونا في الخفافيش 3.7 مليون دولار، فيما حصلت منحة أخرى تشمل حقن الفيروسات في أدمغة الفئران على 3.4 مليون دولار.
وليس من الواضح بالضبط مقدار التمويل الأميركي المباشر للمعهد، لأنه كان ضمن تمويل المنح الأميركية.
الشك حول المختبر أتى من وثائق وأدلة سرية لدى الاستخبارات، بحسب مصادر أكدت أن هذه المعلومات ليست نهائية لأن التحقيق ما زال مستمرا.
تكميم أفواه
وجاءت الاكتشافات الأخيرة حول التمويل الأميركي والكندي لمعهد ووهان للفيروسات بعد أن ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في وقت سابق من هذا الأسبوع أن مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية عبروا عن مخاوف جدية في السنوات الأخيرة بشأن سلامة المختبر الصيني، فخلال التعاون مع المعهد، لاحظوا أن المعمل الجديد يعاني من نقص خطير في الفنيين والكوادر اللازمة لتشغيل هذا المختبر عالي الخطورة.
حينها، قالت برقية الخارجية إنه على الولايات المتحدة أن تمنح الباحثين الصينيين في مختبر ووهان المزيد من الدعم، لأن أبحاثها حول فيروس كورونا كانت مهمة وخطيرة، وكان المختبر بالفعل يتلقى المساعدة من مختبر جالفستون الوطني في فرع جامعة تكساس الطبي.
كما ذكرت شبكة فوكس نيوز في تقريرها، أن أبحاث الفيروسات كانت جزءا من جهود الصين لإثبات قدرتها وكفاءتها على تحديد ومكافحة الفيروسات التاجية مثل أو على نحو أفضل من الولايات المتحدة.
إلا أنه وبعد المصيبة التي بدأت بظهور الفيروس، قامت الصين بتغطية واسعة النطاق للمعلومات حول الفيروس في محاولة حماية نفسها من التدقيق والمحاسبة، فقد اختفى الأطباء والصحافيون الذين حذروا مع بداية الأزمة من انتشار الفيروس.
وهوجم كل من تحدث عن طبيعته المعدية. وتحركت الصين بسرعة لإغلاق السفر محليا من ووهان إلى بقية البلاد، لكنها لم توقف الرحلات الدولية من المدينة.