يمكن للحملة العسكرية الإسرائيلية غير المعترف بها ضد أهداف إيرانية في سوريا أن توفر نموذجا للولايات المتحدة في وقت تكافح لاحتواء شبكة طهران من وكلاء مسلحين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفق ما كشف تقرير أمني أصدره مركز الأمن الأميركي الجديد.
وقد أدت حملة "المنطقة الرمادية" غير المعلنة التي قامت بها إسرائيل في سوريا في السنوات الأخيرة، والتي تجاوزت أكثر من 200 غارة جوية بأكثر من 2000 صاروخ على أهداف تابعة لإيران، إلى الحد من القوة العسكرية الإيرانية من دون إحداث تصعيد كبير، وفقا لخبراء الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد، وهو مركز أبحاث في واشنطن، أصدر نسخة مسبقة من تقرير سيصدر هذا الأسبوع ونشرته واشنطن بوست.
اتباع نهج مماثل
ويقول التقرير إن "اتباع نهج مماثل سيكون أكثر فعالية من الاستراتيجية الأميركية الحالية، التي تناوبت بين تجنب العمل الحركي بعد الهجمات الإيرانية على أهداف أميركية وحليفة، وشن هجمات دعائية على أهداف مرتبطة بإيران، بما في ذلك غارة طائرة بدون طيار في 3 يناير/كانون الثاني أسفرت عن مقتل قائد عسكري كبير هو قاسم سليماني".
وقال إيلان غولدنبرغ، أحد مؤلفي التقرير، الذي عمل كمسؤول في البنتاغون ووزارة الخارجية خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما: "هذه استراتيجية يمكن أن تدفع إيران إلى الوراء، وتحقق بعض الأهداف الأميركية وتقلل بشكل كبير من فرصة اندلاع حرب شاملة"، إذ إن مواجهة إدارة الرئيس دونالد ترمب مع إيران أكثر وضوحاً.
"الضغط الأقصى"
وأشرف الرئيس ترمب على حملة "الضغط الأقصى" لتصعيد العقوبات المفروضة على إيران، والتي ضربت اقتصاد البلاد. وعندما بدأت إيران ما وصفها المسؤولون الأميركيون بسلسلة من الهجمات في الربيع الماضي، بما في ذلك إسقاط طائرة أميركية بدون طيار، لم تتخذ إدارة ترمب في البداية أي خطوات عسكرية معروفة سوى هجوم إلكتروني يستهدف قدرة إيران على استهداف سفن الشحن.
وبالمثل، قررت الإدارة الأميركية عدم الرد العسكري عندما تعرضت منشأتان نفطيتان في المملكة العربية السعودية، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، لهجوم في أيلول/سبتمبر. ونفت إيران مسؤوليتها عن هذا الهجوم.
تصعيد ضد وكلاء إيران
وأضاف التقرير أن "هذا الموقف تغير بعد مقتل مقاول أميركي في هجوم صاروخي في العراق في أواخر كانون الأول/ديسمبر. ورداً على ذلك، أذن ترمب بشن ضربات على أهداف متعددة في العراق مرتبطة بكتائب حزب الله، وهي ميليشيا مدعومة من إيران ألقى المسؤولون الأميركيون باللوم عليها في الهجوم.
وبعد الضربات، التي قال قادة الميليشيات إنها قتلت ما لا يقل عن 25 من رجالها، حاول أفراد الميليشيا اقتحام السفارة الأميركية في بغداد. وبعد عدة أيام، قصفت طائرة أميركية بدون طيار سيارة في بغداد تقل سليماني، والذي أشرف على دعم جماعات الميليشيا في جميع أنحاء المنطقة بصفته رئيساً لقوة القدس الإيرانية.
وردت إيران على مقتل الجنرال بإطلاق صواريخ على المنشآت الأميركية في العراق، مما أدى إلى إصابة أكثر من 100 جندي في أول هجوم بالصواريخ الباليستية على القوات الأميركية منذ التسعينيات.
وقد يعكس الرد المتغير انقسامات الإدارة الداخلية حول إيران، والتي جادل فيها قادة البنتاغون ضد الخطوات التي يمكن أن تكثف المنافسة العسكرية بين البلدين، في حين دعا بعض المسؤولين في وزارة الخارجية والبيت الأبيض إلى اتخاذ إجراءات أكثر تشدداً، يقول واضعو التقرير، سيكون شيئا أقرب إلى نهج إسرائيل "بين الحروب".
تدمير الوجود الإيراني في سوريا
وبدأت الطائرات الإسرائيلية باستهداف أهداف إيرانية في سوريا المجاورة، بعد أن بدأت إيران في اتخاذ خطوات لتعزيز وجودها العسكري هناك في أواخر عام 2016، وإنشاء مراكز قيادة والسعي إلى تركيب أسلحة متقدمة مثل الذخائر الموجهة بدقة.
وقد تكثفت الحملة ببطء مع قياس القادة الإسرائيليين لرد فعل إيران، حيث أُسقطت أكثر من 2000 قذيفة وصاروخ إسرائيلي على أهداف إيرانية في سوريا في عام 2018 وحده، كما يقول التقرير.
وكان مفتاح هذا النهج هو الجهود التي تبذلها إسرائيل لتقليل الخسائر الإيرانية إلى أدنى حد مع الامتناع أيضا عن تحمل المسؤولية الرسمية عن الضربات، وكلاهما جزء من محاولة للحد من الضغط على القادة الإيرانيين للرد بالقوة.
وفي حين يقول المؤلفان إن الحملة الإسرائيلية كانت ناجحة من الناحية التكتيكية، فإنها لم تدفع إيران إلى التخلي عن حليفتها في دمشق. كما كان لها نتائج غير مقصودة. ففي عام 2018، أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة إسرائيلية وأسقطت سوريا طائرة روسية بعد ضربة إسرائيلية، مما أدى إلى تصاعد التوترات الإسرائيلية الروسية.
تقاعس إدارة ترمب شجع إيران
وعلى النقيض من ذلك، فإن القرار الأولي لإدارة ترمب بعدم شن رد حركي على الهجمات الإيرانية في عام 2019 ربما شجع قادة إيران على مواصلة الهجمات. وقد أدى اعتماد الإدارة الأميركية في وقت لاحق لضربات دعائية بعد مقتل المقاول الأميركي وقرارها باستهداف سليماني إلى تصعيد كبير في التوترات الأميركية الإيرانية، دون وقف هجمات الميليشيا على القوات الأميركية في العراق.
وفي الوقت نفسه، وجه ترمب تهديدات علنية متكررة ضد إيران بعد ضربة سليماني. ولكن قبل أن تعترف بها الحكومة الأميركية رسمياً، غرّد ترمب على تويتر بصورة للعلم الأميركي، وهذه الحقائق، كما يقول التقرير، جعلت من الصعب على جماعات الميليشيا الإيرانية أو الشيعية "تخفيف التصعيد مع وضع الحكومة العراقية أيضاً في موقف صعب للغاية من أن تكون عالقة علناً بين الولايات المتحدة وإيران".
وجاء في التقرير أن "ما أظهره الإسرائيليون هو أن الأداة العسكرية لا تحتاج إلى أن تُنقل بالكامل من على الطاولة". وأضاف أن "خطر كل عملية يحتاج الى تقييم لكن هناك بالتأكيد حيز للمناورة بين عدم القيام بشيء تقريبا وقتل أحد أهم القادة العسكريين الإيرانيين".
ويقر كاتبو التقرير بأن بعض جوانب حملة الظل الإسرائيلية قد لا تكون ممكنة بالنسبة للولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، تم تمكين العملية الإسرائيلية من خلال معلومات استخبارية واسعة النطاق عن العمليات الإيرانية في سوريا، وكان الجيش الأميركي أكثر تركيزاً على تنظيم داعش وقد يكون من الصعب أيضاً في ظل النظام الأميركي حجب الاعتراف بالضربات العسكرية.