هي مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في السياسة والاقتصاد ، وينادي بالقبول بأفكار الغير وأفعاله ، حتى ولو كانت متعارضة مع أفكار المذهب وأفعاله ، شرط المعاملة بالمثل . والليبرالية السياسية تقوم على التعددية الأيدلوجية والتنظيمية الحزبية . والليبرالية الفكرية تقوم على حرية الاعتقاد ؛ أي حرية الإلحاد ، وحرية السلوك ؛ أي حرية الدعارة والفجور ، وعلى الرغم من مناداة الغرب بالليبرالية والديمقراطية إلا أنهم يتصرفون ضد حريات الأفراد والشعوب في علاقاتهم الدولية والفكرية . وما موقفهم من الكيان اليهودي في فلسطين ، وموقفهم من قيام دول إسلامية تحكم بالشريعة ، ومواقفهم من حقوق المسلمين إلا بعض الأدلة على كذب دعواهم .
نعم .. إننا نعيش مرحلة استثنائية وحرجة يمر فيها البلد ، وقد أفرزت هذه الأحداث التي تمر بها منطقة الشرق أوسط الكبير بروز تيارات من الذين { لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة } كانت في جحورها كامنة تحت الأرض ، وصار العامل السياسي العالمي واستراتيجية أمريكا تلعب دورا بارزا في نشاط هذه التيارات التي تتبني الفكرة الغربية بحذافيرها ، وأصبح لها حضور فاعل وقوي ، بل وجرئ للغاية في طرح ما كانت تداري بإعلانه في المرحلة الماضية .
وفي المشهد الثقافي والفكري في " السعودية " يطالعنا بعض الكتاب " الليبراليين " الذين { يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون } ليعلنوا عن دعوتهم إلى الليبرالية ، ثم هم لا يبينون عن أي ليبرالية يريدون ، حيث أن الليبرالية في الغرب مرت بمراحل من النقد والمراجعة والتطوير ، وكانت في نهايتها توسيعا لنفوذ الرأسماليين في الواقع ، والدعوة إلى الحرية المطلقة المتفلتة من أي قيد ، ولكن كلمة " ليبرالية " تستهوي بعض الكتاب ممن { زيَّن له الشيطان سوء عمله فرآه حسنا } ليظهر نفسه بمظهر المثقف والمنفتح على الثقافات ، ولا يدري مآلات حمل هذه الفكرة على البلد سياسيا أو ثقافيا أو اجتماعيا .
{ كمثل الحمار يحمل أسفارا }
إن الناظر إلى حال الليبراليين السعوديين يجد أن السواد الأعظم منهم ينتظر أن تأتي الولايات المتحدة لتسلمهم مفاتيح البلاد التي يعيشون فيها؛ في الوقت الذي تقوم فيه الجماعات المحافظة بعمل برامج نشطة إبداعية مبهرة يقدمون من خلالها مجموعة من الخدمات التي تمس الحياة اليومية للمواطنين. مع هذا؛ فإن كثيراً من الليبراليين يعتقدون حتى الآن أن دورهم ينتهي بمجرد كتابة مقالة , يهاجمون فيها ثوابت الدين والمتدينين باسم الحرية الفكرية والحراك الاجتماعي وتعدد الآراء
{ فويل لهم مما كتبت أيديهم } ,{ قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر } !!!!
وأستطيع أن أقول أن هناك صنفان من الليبراليين :
الصنف الأول :
الليبرالي المؤدلج الذي يتحيز إلى الغرب ثقافة وفكرا وتاريخا ، ويقوم مشروعه على التبشير بالمشروع الغربي لحمة وسدى ، وله موقف مبدئي من القيم الإسلامية ، بل من الإسلام ذاته ، ولولا وضع البلد سياسيا وقيما ، وكون الإسلام يشكل عمقا ضخما في البلد لأبان بموقفه من الإسلام بشكل مباشر وواضح ، ولكنه – ولهذا السبب – يمارس دور المنافق الذي يغمز ويلمز ويعمي الألفاظ ويخاتل بها إدراكا لطبيعة المرحلة التي يمر بها ، وان كانوا الآن أكثر صراحة ، ولعل هذا بداية مشروع لتأجيج الصراع مع الحكومة لقناعة الليبراليين بأن القفزة إلى المجتمع الديمقراطي والليبرالي الرأسمالي الحر لا يمكن إلا من خلال ثورة حمراء ، لأن الحرية عندهم تنتزع ولا تعطى طوعا .
إن هؤلاء هم الذين يشكلون الخطر الحقيقي على البلد ، لأنهم يركبون مشروعا مناهضا للبلد واقعا ومستقبلا ، ويشكلون بديلا محتملا للأنظمة القائمة في المنطقة ، وما العراق إلا نموذجا لهذا ، حيث عمل هؤلاء على التسويغ للمحتل بدخول الأرض ، وكانوا قبل ذلك يحملون المشروع الغربي بكل تفاصيله ، ويبشرون به ، وخاصة بعد اكتشافهم بفشلهم في منحى " التغيير الاجتماعي " حين أدركوا إن المجتمعات الإسلامية قد لفظتهم وفشلوا في إحداث مشروعهم التغييري ، فان كان الإسلاميون قد نجحوا في تركيا اتاتورك ، فما بالك بموقع هؤلاء في بلد مثل المملكة العربية السعودية .
إن هؤلاء لهم أجندتهم الخاصة ، ولهم كذلك مواقعم المؤثرة إعلاميا ، ولهم أتباع ، ولهم دعم كبير من جهات متعددة ، ولمثل هؤلاء يحتاج إلى التركيز على مشروعهم ، ورصد تحركاتهم ، فإن مدافعتهم شريعة ماضية ، ومقصد شرعي حفظا لثوابت الأمة من جهة واستقرارها وأمنها في ظل دينها وعقيدتها وأخلاقها .
الصنف الثاني :
أولئك الشلة الفاشلة من الشباب ( الدشير ) الذين يريدون التفلت من قيم الشريعة ، والأخلاق الإسلامية ، ويحملون في دواخلهم حنقا ضد كل التوجهات الإسلامية ، وهؤلاء ما أسميهم بـ " الليبراليون الداجون " ، فهم شهوانيون لا يريدون سوى إشباع شهواتهم وغرائزهم الشيطانية , وإلباس دعوتهم بالفكر والحرية والليبرالية ، وهؤلاء مساكين لاهثون خلف مصالحهم ، يُركبون من المؤدلجين لتحقيق مكاسب خاصة ، ثم يلفظونهم ليبحثوا عن صيدة أخرى ، ومن الخطأ الكبير إعطاء هؤلاء اكبر من حجمهم ، أو صرف الجهود عليهم ، لأنهم سيخبون ويخفتون حالما ينتهي الدور المصاغ لهم .
{ فأما الزبد فيذهبُ جفاءً وأما ما ينفع الناسَ فيمكثُ في الأرض }.